الأمانة ليست مجرد واجب ديني فقط، ولكنها دعامة أساسية لبناء مجتمع قوي ومتماسك يسوده الحب والاحترام. لنحرص جميعًا على أن نكون أمناء في كل ما نقوم به، ونحول قيم الإسلام إلى أفعال تضيء لنا ظلام الحياة، وتجعل من عالمنا مكانًا أفضل.
قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).
عن ابن عباس قال: الأمانة هي الفرائض، عرضها الله على السموات والأرض والجبال، إن أدوها نالهم الثواب والأجر من الله تعالى، وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيمًا لدين الله ألا يقوموا بها، ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها.
فلكل عمل أهله، فإذا قام بالعمل من ليس أهله، فقد اقتربت الساعة، والإنسان إذا ولي على قوم وفيهم من هو خير منه فقد خان الله ورسوله.
والأمانة لها أنواع وأشكال متعددة، تشمل: كل ما استودعك الله وأمرك بحفظه، فيدخل فيها حفظ جوارحك من كل ما لا يرضي الله تعالى، وحفظ ما ائتمنت عليه من حقوق الناس.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء" أي: التاجر الأمين، لا يحتكر السلعة ولا يغالي في ثمنها، أو يغش في بضاعته.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والعبد راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، ثم يقول صلى الله عليه وسلم: "ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالواجب على الرجل أن يحسن الرعاية لأهل بيته").
وهكذا المعلم: في قاعة المحاضرات أمين على تلاميذه ومخلص في شرح وتوصيل المعلومة لهم.
والطبيب أمين على المرضى يحفظ سرهم، ومخلص في تأدية عمله بإتقان.
كان النبي صلى الله عليه وسلم مثالًا للأمانة والصدق حتى قبل بعثته الشريفة فكان يلقب بالصادق الأمين، وهذا الذي جعلهم يحفظون عنده أموالهم وأماناتهم الثمينة، وكان حريصًا صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة من مكة إلى المدينة على استرداد الأمانات التي عنده إلى أهلها، وفي تلك اللحظة طلب من سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن ينام على فراشه لكي يعيد الأمانات إلى أصحابها مؤكدًا على أهمية الوفاء بالعهد.
ومن أبرز الأدلة على أمانته صلى الله عليه وسلم، إرجاع مفاتيح الكعبة المشرفة فكانت أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم تترجم على أرض الواقع فنزلت هذه الآيات الكريمة في سورة النساء،
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا).
ونزلت هذه الآية في حق عثمان بن طلحة، لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا، بحث عنه وأعطاه مفاتيح الكعبة وسلمها له.
ومن علامات يوم القيامة:
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة".
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا) أي: "حتى يقول الناس ذلك، يعني أن الأمانة تصير عملة نادرة، ويقال: كل الناس فيهم خيانة إلا فلان".
ومن الصور العملية للأمانة:
أن تنصح من استشارك، وأن تصدق من وثق برأيك فقد جاء في الحديث الشريف: (المستشار مؤتمن)، "ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه"، وماذا يكون قد بقي فيه من الخير من أشار على أخيه بما لا ينفعه، بل ربما يضره؟