المناصب القيادية.. ومعايير الاختيار "المقلوبة"!!

24-3-2025 | 15:46

طرح زميل فاضل على زملائه عبر صفحة يديرها على "فيسبوك" سؤالًا هو: "من أحسن مدير اشتغلت معه؟". وبعيدًا عن تباين الردود واختلافها بحسب درجة ثقافة، وقرب وبعد وقبول الآخر، ومنهاج عمله وشخصيته ومسئولياته، فإن الإجابات تقودنا إلى قضية مهمة، وهي "معايير اختيار المناصب القيادية".

بداية، دعونا نتفق أن طموح أي موظف أن يصل إلى أعلى المراكز القيادية بمؤسسته، أو هيئته، أو وزارته،... إلخ، وأن يجلس على قمة الهرم الوظيفي، وهو بلا شك طموح مشروع لكل مجتهد تتوافر فيه كل شروط تبوؤ المنصب الكبير والمستحق.

الكثير منا اختلف في مسألة الأفضلية فيمن يستحق كرسي المسئولية المهمة والحساسة؟

الجميع يتفق على أحقية صاحب "المهنية والكفاءة والخبرة، وحسن السمعة"، في معيار الاختيار، وليس الاختيارات الغريبة والشاذة مثل (الشللية، والمحسوبية، والواسطة، والقرابة،... إلخ) والتي -مع الأسف- تمت في بعض الكيانات والمنظومات التي كان يراد لها النجاح والحفاظ على تاريخها المديد!!

ويأتي معيار "الثقة"، ليحتل الصدارة في اختيار قيادات عصرنا، لتجد نفس الأسماء، ونفس الوجوه، ونفس الفكر، فقط الذي يتغير اسم "المنصب" أمامها!!

إننا في الجمهورية الجديدة، بحاجة إلى كوادر قيادية تتجاوز الألقاب الوظيفية والهياكل التنظيمية، وليس مجرد "مسئول"، يجلس على كرسي الوظيفة العليا غير قادر على التواصل، وغير قادر على تحفيز وإلهام موظفيه، وتغيير نظرتهم للعمل، وتنبع قراراته من رؤية حاشيته، وفكر بطانته وسكرتاريته التي يرى بعيونهم، ويقرر بمشورتهم!!

إن التعامل اليومي يختلف بالطبع بين مسئول وآخر، من حيث شخصيته وثقافته وتعليمه، وتربيته، وبيئة العمل التي يعمل فيها، أو يعمل من خلالها، فهناك بيئة عمل تحتاج القيادي التوجيهي غير المتساهل، وهناك أخرى تحتاج للقيادي القوي غير المستبد، وثالثة تحتاج إلى الديمقراطي الحاسم، ورابعة تحتاج للجمع بين كل هذه الصفات.

وفي كل الأحوال لن ينال أي مسئول تقدير جميع الموظفين أو حتى معظمهم؛ لأن طبيعة البشر يحبون ويكرهون بحسب مصلحتهم وانطباعاتهم وعاطفتهم.

وحتى الأنبياء لم يحصلوا على إجماع أو شبه إجماع ممن أرسلوا لهدايتهم، بل هناك أكثر من مليار ملحد وكافر بـ"الله" خالقهم ورازقهم!!

القيادي الناجح لا يتغير سلوكه وخلقه وتواضعه وحسن تعامله الذي كان عليه قبل المنصب، يحترم الكبير والصغير، ويقدر الجميع دون النظر إلى طبقاتهم الاجتماعية، وتراه صاحب نخوة ولسان عف؛ لأنه يدرك جيدًا أن المناصب لا تدوم، وأن كل إنسان عابر في هذه الحياة ولا يبقى سوى الذكر الطيب، فلو دامت لغيره ما وصلت إليه.

وأما الصنف الآخر، فللأسف هم كثرة، حين يجلس على الكرسي، ينقلب رأسًا على عقب.. يتنكر لكل شيء، ويرى من حوله رؤية استصغار.

إن مثل الصنف الأخير من أصحاب المناصب، نسي أو تناسى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما مِن رجُلٍ يَلي أمرَ عشرةٍ فما فوقَ ذلك؛ إلَّا أتى اللهَ عزَّ وجلَّ؛ مَغلولًا يومَ القيامةِ يدُه إلى عنقِه : فكَّه برُّه، أو أوبقَه إثمُهُ: أوَّلُها ملامةٌ، وأوسطُها ندامةٌ، وآخرُها خزيٌ يومَ القيامةِ.

وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها.

الحسن البصري رضي الله عنه قال: "من أشد الناس صراخًا يوم القيامة، ذلك الذي رزقه الله بمنصب استعان به على ظلم الناس".

إن المناصب الكبرى أمانات ومسئولة، وهي من بين أعلى مراتب الأمانة، والتفريط فيها بتسليمها إلى غير المؤهلين لها يعد خيانة للعهد، وهذا ليس تعليقًا على اختيار بعينه، أو إسقاطًا على اختيارات تمت، أو ستتم، وإنما هو في المجمل العام.

إن المنصب ليس تاجًا يضعه المسئول على رأسه، وليس عرشًا يعتلي عليه ليأمر وينهى، بل هو خدمة لقضاء حوائج الناس، وإدارة منظومة تعود بالنفع على الجميع، فهو "تكليف" قبل أن يكون "تشريفًا"، وهو لا يدوم لأحد..

سيتغير الوضع لأي سبب وستترك منصبك، ولا يبقى معك إلا موقف فقط يذكرك به الآخرون.. إما أن يدعوا لك أو يدعوا عليك!!

لذا احرص دائمًا أن يهابك الناس حبًا واحترامًا.. وليس خوفًا منك أو رياءً.. فالمناصب لا تصنع الرجال.. بل الرجال من تصنع المناصب.. كن قدوة لمن حولك، والشخص هو من يشرف المنصب وليس العكس.

أقول ذلك وأنا واحد من الذين كتب الله عليهم مسئولية وأمانة إدارة عمل زملاء كثر، وقد بذلت في ذلك جهدي، فإن وفقت في ذلك فمن الله تعالى وحده، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله وأتوب إليه من كل خطأ وزلل، وأدعو زملائي ليسامحوني من أي خطأ.

كما أسأله تعالى أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه، إنه على كل شيء قدير،.... رمضان كريم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة