بيت الداء ورأس الدواء!

24-3-2025 | 13:29

يُعتبر شهر رمضان فرصة سنوية لإعادة ضبط العادات الغذائية وتحسين الصحة العامة من خلال الصيام.

والسؤال الآن: ماذا بعد رمضان؟

يُظهر الصيام فوائد صحية متعددة، ولكن من الضروري مراعاة كيفية التعامل مع النظام الغذائي بعد انتهاء الشهر؛ لتجنب المخاطر المرتبطة بالإفراط في تناول الطعام.

الإنسان، خاصة بعد رمضان، بحاجة إلى ممارسة "فن إنقاذ الإنسان من نفسه"، لمقاومة شهوة البطن، وتراثنا وديننا الحنيف يوفر لنا رصيدًا عظيمًا في مسألة الاعتدال، فالاعتدال أمر قرآني صريح، إذ يقول تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.

ومن الأحاديث التي تدل على إعجاز السنة النبوية في هذا السياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلًا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"، وقوله "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع".

وكما يقول الحارث بن كلدة الطبيب العربي الجاهلي الذي اشتهر بأقواله الحكيمة: "المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء"؛ والحمية هي اتباع نظام غذائي (ريجيم) لتخفيف الوزن، وتعني الصيام في لغة العرب.

وهكذا فإن الاعتدال قرين الصحة وطول العمر..

ويُعتبر صيام شهر رمضان فرصة لتعزيز الصحة الجسدية والنفسية، لذا من الضروري التعامل بحذر مع النظام الغذائي بعد انتهاء الشهر لتجنب المخاطر المرتبطة بالإفراط في تناول الطعام، فالاعتدال والتوازن في تناول الأطعمة، إلى جانب الحفاظ على نمط حياة صحي، يساهمان في تعزيز الصحة العامة والاستفادة القصوى من فوائد الصيام.

فإذا كان الصيام يمنح الجهاز الهضمي فترة راحة، مما يساعد على تحسين وظائفه وتقليل مشكلات الهضم. ووفقًا لدراسة نُشرت في مجلة Nutrition Research، فإن صيام رمضان ساعد على تخفيف الحالة الالتهابية في الجسم عن طريق تثبيط ما تُعرف بـ"السيتوكينات" المحرّضة على الالتهاب وتقليل الدهون في الجسم ومستويات كريات الدم البيضاء في الدم.

وإذا كان الصيام يفعل ذلك في الجهاز الهضمي، فلا ينبغي فقد هذه المنح "الصحية الربانية" بعد فترة الصيام، بإطلاق العنان لشهوة البطن في تناول الطعام، خاصة الأطعمة الدهنية والدسمة؛ لأن ذلك يؤدي ببساطة إلى الخمول مع انخفاض كفاءة وقدرة الجسم على النشاط البدني والذهني.

والإفراط في تناول الأطعمة الغنية بالدهون والسكريات بعد رمضان يمكن أن يؤدي إلى زيادة الوزن بسرعة.

ووفق الثابت إلى حد اليقين من نتائج الدراسات العلمية، فإن تناول الأغذية الدهنية والدسمة يعرض الجسم للإصابة بالسمنة وتصلب الشرايين وأمراض القلب.

وتناول كميات كبيرة من الحلويات والأطعمة السكرية يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم، مما يزيد من خطر الإصابة بمرض السكر؛ ولذا يُنصح بعدم الإسراف في تناول الطعام خلال أيام العيد، وخصوصًا الحلويات وكعك العيد، وأن يكون هناك توازن في الطعام.

لا يقتصر تأثير الإفراط في تناول الطعام على اضطرابات الجهاز الهضمي والسمنة فقط، بل يمتد للتأثير على وظائف الدماغ؛ إذ تشير الدراسات إلى وجود صلة وثيقة بين الإفراط في تناول الطعام وحدوث خلل في وظائف الدماغ الإدراكية مع التقدم في العمر.

خلاصة القول، إذا كان رمضان شهرًا للطاعة وتهذيب النفس، فإن المعدة التي خلدت إلى الراحة شهرًا، لا تصدمها بانفجار شهواتك الغذائية دهرًا، وتذكر دائمًا أنها "بيت الداء" وأن التعامل معها برفق هو "رأس الدواء".. ودمتم سالمين..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: