يظهر التواصل الحضاري بين مصر وشعوب غرب أفريقيا، أو ما يقال لها بلاد (السودان الغربي) بحسب المصادر الإسلامية، عبر التاريخ في العديد من المظاهر، ولعل من أكثرها إثارة للجدل؛ انتقال فكرة بناء الأهرامات المصرية إلى هذه البلاد في العصر الإسلامي، وتحولها من فكرة مقبرة مصرية قديمة منذ أيام الفراعنة القدامى إلى مقبرة لملوك وحكام غرب أفريقيا في العصر الإسلامي.
موضوعات مقترحة
فكانت رحلة الحج أو موكب الحج الأفريقي (أو موكب التكرور) التي يقوم بها حكام غرب أفريقيا إبان العصر الإسلامي مناسبة فريدة للتقارب المصري الأفريقي، ومن ثم حدوث أنماط من هذا النوع من التاثير الحضاري لمصر في هذه البلاد الأفريقية النائية. فلما كان ملوك أفريقيا يقومون بالتوقف بمدينة القاهرة انتظار لموكب الحج المصري الذاهب إلى بلاد الحرمين.
وكان هذا التوقف لمواكب الحج الأفريقية فرصة ليشاهد ملوك أفريقيا الإسلامية مدى ما بلغته مدينة القاهرة من ازدهار حضاري وعمراني خلال العصر الإسلامي لاسيما عصر سلاطين المماليك (648-923هـ).
ولقد ظهر أول بناء للأهرامات المصرية في سلطنةُ صُنغي الإسلامية Songhai (777-1000هـ) كدولة قوية في غرب أفريقيا West Africa، أو ما تُعرف بـالسودان الغربي (Western Sudan) بعد سقوط مملكة مالي الإسلامية (596-874هـ).
وتُكتب هذه السلطنة باسم "صُنغاي"، و"سُنغي"، وكذلك ينطقها البعضُ سُنغاي، وهذة السلطنة تأسست في الغالب على آراضي دولة مالي والسنغال في الوقت الراهن، وكذا بعض الأقاليم الأخرى المجاورة لاسيما بالقرب من نهر النيجر.
خريطة تظهر مملكة صنغي في غرب إفريقيا
رحلة أسكيا محمد والانبهار بأهرامات الجيزة
تعد رحلة الحج التي قام بها أسكيا محمد (898-935هـ) ملك صنغي (777-1000هـ) مع بواكير القرن العاشر الهجري من أهم رحلات الحج لحكام غرب أفريقيا الإسلامية، لاسيما ما نتج عنها من ظهور الرغبة في نقل هذا التاثير المعماري المصري إلى هذه البلاد، ومن ثم قيام ذلك الملك الأفريقي ببناء مقبرة له على طراز الأهرامات المصرية في القرن العاشر الهجري (القرن 16م).
لقد كانت زيارة السلطان "أسكيا محمد" لمدينة القاهرة من الأحداث المهمة بفضل ما تمخض عنها من نتائج، ومن المعروف أن "أسكيا محمد" زار القاهرة خلال رحلته للحج، وهو في طريقه لبلاد الحرمين، وهي الرحلة التي قام بها بعد مرور سنتين من بداية حكمه.
لوحة تظهر موكب السلطان أسكيا محمد
ويُحدد البعضُ بداية تلك الرحلة في سنة 901هـ، وعنها يقول المؤرخ كعت (منتصف القرن 10هـ) "ثم جعل أسكيا محمد يتجهز للحج، وزيارة بيت الله..وقام بجمع المال، والجهاز للسفر، ونادى من كل أرضه..يطلب الزاد والعون، ومشى إلى الحج في شهر صفر، بعد ما حصل له ثلاثمائة ألف ذهبًا".
وكانت رحلة أسكيا محمد في موكب ملكي مهيب، وهو موكب يُشير بوضوحٍ لازدهار هذه البلاد في أيامه، لاسيما بفضل "تجارة الذهب" التي كان يُسيطر عليها حكام صنغي. وتذكر بعضُ الروايات أنه رافق "أسكيا" آنذاك خلال تلك الرحلة المشرقية حوالي 800 جندي، وكان معه عددٌ كبير من العلماء، والفقهاء، وكبار رجال البلاط، وحمل "أسكيا" معه زهاء 300 ألف قطعة من الذهب لنفقات تلك الرحلة.
أهرامات الجيزة
بأية حال، كان عليه عبور الطريق الذي تسلكه القوافل التجارية والمؤدي إلى مناطق شمال أفريقيا، ومنها إلى أرض مصر، لاسيما الطرق المعروف بالطريق المصري عبر مدينة "غات"، ومنها إلى فزان في صحراء ليبيا، ثم المرور بالواحات المصرية لاسيما واحة سيوة، وهو الطريق الذي أشار إليه الرحالة ابن بطوطة (ت: سنة 779هـ) في رحلته، حيث يقول: "ووصلنا إلى الموضع الذي يفترق به طريق غات الآخذ إلى ديار مصر، وطريق توات..".
وبحسب روايات أخرى، قطع هذا الموكب مسافةً طويلة من بلاده حتى بلاد الحجاز مرورًا بمصر تبلغ حوالي 3000 ميلاً تقريبًا. وقيل أيضًا: كان هذا الموكب يضم 500 فارس، و1000 من جند المُشاة. وفي رواية: ضم موكب أسكيا محمد مئات الإبل التي كانت تحمل المؤن والتي كان قد حملها ملك التكرور ورفقته خلال تلك الرحلة. ويذهب البعضُ إلى أن تلك الأموال التي حملها "أسكيا محمد" كانت من بين الكنوز والثروات التي في حوزة السلطان القوي المعروف الذي حكم قبله، وهو السلطان "سُني علي". ورغم تباين الأرقام التي وردت في ثنايا المصادر التاريخية حول ما حمله "أسكيا محمد" خلال رحلته للحج من مثاقيل الذهب، إلا أنه من المؤكد أن هذا الموكب أبهر كل من شاهده بثراء هذا الملك، وازدهار بلاده .
وربما يؤيد ذلك أن العديد من المصادر تتحدث عن ازدهار هذه البلاد (أي سلطنة صنغي) في أيامه، وأن الرعية زمان أسكيا محمد كانوا في "خصب عيش، وأمن سرب". وبحسب البعض كان موكب الحج الذي صحب أسكيا محمد أكثر ثراءً، وإبهارًا من موكب السلطان "منسا موسى" ملك مالي إبان الفترة (724-725هـ).
وليست لدينا الكثير من الأخبار المصدرية حول موكب السلطان أسكيا، إذ لم يتوافر للباحثين ما توافر من روايات معاصرة، وكذلك لاحقة لرحلته على غرار رحلة "منسا موسى" الذي كان قد سبقه للحج بأكثر من قرن ونصف. ثم وصل "أسكيا" لمدينة القاهرة بعد رحلة شاقة عبر دروب الصحراء الكبرى، ومسالها، واستقر بالمدينة حتى خروج موكب الحج المصري الذاهب لبلاد الحجاز، وفي القاهرة كانت لأسكيا محمد مناقشات مع علماء مصر بهدف تصحيح بعض الأمور الدينية والشرعية التي قد تخالف الإسلام، والتي كان يقوم بها الناسُ في بلاده.
وكان أكثر تلك المناقشات مع الإمام السيوطي (ت: 911هـ)، وكان أكثر علماء زمانه شهرة، وصيتًا. وقد دعا أسكيا محمد السيوطي لزيارة بلاده لينشر بها العلم، وهو ما حدث بالفعل. واستمع أسكيا للسيوطى، وانبهر به، وبعلمه، "وأخذ عنه العقـائد الصحيحة، وتعلم منه الحلال والحرام". كما لقي أسكيا محمد بالقاهرة الخليفة العباسي، حيث كانت تلك المدينة مقر الخلافة آنذاك منذ سقوط بغداد، وقد حصل منه على لقب مهم، وهو أنه صار الخليفة الشرعي الذي يحكم "بلاد التكرور"، وصار يحمل لقب Khalife du Takrur ، وهو ما عزز من مكانته في بلاد غرب أفريقيا. كما اعُترف بشرعية حكم أسكيا في غرب أفريقيا مرة أخرى من خلال كبار الأشراف في مكة المشرفة، وكان شريف مكة في زمانه يُدعى "مولاي العباس".
من جانب آخر؛ تذكر الروايات أن أسكيا محمد أنفق نحو 100 ألف دينار من الذهب على الفقراء، وذوي الحاجة في كل من مكة والمدينة، كما اشترى البيوت والبساتين، وغيرها من الممتلكات، ثم أوقفها على فقراء المسلمين، وكذلك طلاب العلم.
وتصف المصادر أسكيا محمد بعد العودة من رحلة الحج، بأنه سلك طريق العدل، ومال للسيرة العربية، وعدل عن سيرة العجم، و"صلحت أحوالُ البلاد في أيامه" . ويشير جي. ويلسون إلى أن أسكيا كرس حياته لخدمة الإسلام، بينما يقول المؤرخ الوفراني (القرن 10هـ): "وكان الحاج محمد المذكور سهل الحجاب، رقيق القلب، خافض الجناح، شديد التعظيم لأيمة الدين، مُحبًا للعلماء مكرمًا لهم غاية الإكرام، ويُفسح لهم في المجلس".
وكان أسكيا ينتهج سياسة تقوم على نشر الإسلام في البلاد المُجاورة. وقد كان أسكيا محمد مُحبًا للعلم، وأهله، ومن ثم كان يعتبر حاميًا لأهل العلم ، وجعل أسكيا قاضيًا على كل بلد، كما شاد المساجد، وبنى المراكز الإسلامية، ومعاهد العلم .
أسكيا محمد يبني قبرًا على طراز الأهرامات المصرية
أعد السلطان أسكيا محمد قبل موته سنة 935هـ قبرًا لنفسه ليدفن به، ومن اللافت أن هذا القبر كان مشيدًا على طراز معماري فريد في غرب أفريقيا، أو في بلاد جنوب الصحراء. وعلى هذا، فليس من المستغرب أن يُعرف ذلك القبر بحسب بعض الدارسين باسم "القبر الهرمي" La Tombe Pyramidale، بينما يطلق عليه آخرون: "البرج الهرمي"، أو "البرج ذي الطراز الهرمي"، كما يُطلق عليه البعض تسمية "البناء الهرمي" Pyramidale Structure، ولعل كل تلك التسميات تؤكد التأثير المعماري المصري الواضح على هذا القبر.
ويمكن القول بأن قبر السلطان أسكيا محمد يعتبر بناءً رائعًا، وفريدًا بالمقاييس المعمارية في هذه البلاد، ويشهدُ على ثراء سلطنة صنغي أيام أسكيا محمد، وهي البلاد التي ازدهرت خلال القرنين 9-10 الهجريين من خلال سيطرة ملوكها على التجارة الصحراوية Trans - Saharan Trade، وهي تجارة الذهب.
وشكل قبر أسكيا بناءً مميزًا داخل مجموعة معمارية، وتضم تلك المجموعة العديد من المباني، والتي تُظهر في حد ذاتها نمطًا، وطرازًا غير مسبوق من طُرز العمارة الأفريقية الوسيطة، إضافة لبعض التأثيرات الوافدة من خارج هذه البلاد. ولاريب أنه بعد عودة أسكيا محمد من رحلة الحج، صار ملك التكرور مُتشبعًا بالتقاليد العربية الإسلامية، ومن ثم جعل أسكيا الإسلام دينًا رسميًا في بلاده والتي كانت تُسيطر على أكثر الآراضي في غرب أفريقيا وقتئذ .
ورغم ذلك إلا أنه اتخذ لنفسه قبرًا ذي طراز هرمي على غرار أهرامات المصريين، وهو أمرٌ لايزال يُشكل لغُزًا أمام الباحثين.
ومن ثمة يُمثل قبر أسكيا محمد طرازًا معماريًا يضم مزيجًا من تقاليد العمارة المصرية القديمة، وهو "الشكل الهرمي"، وكذلك تقاليد العمارة الأفريقية التقليدية. وعن هذا القبر، وأسباب بنائه على هذا الطراز، يقول أحد الباحثين: "إنه خلال رحلة أسكيا محمد للحج في مكة..شاهد الأهرامات بالقاهرة، وانبهر بها، ومن ثم قرر أن يشيد قبرًا على غرارها ليدفن به".
هرم الملك زوسر المدرج
ومن هنا يبدو لنا التأثير المعماري المصري واضحًا في بناء هذا القبر، ولاشك أن "الطراز الهرمي" الذي شاده ملوك مصر القدامى يحمل في طياته العديد من الرموز، والدلالات الثيولوجية من خلال إيمانهم بعقيدة الخلود والأبدية، ورغبتهم في وضع أجساد ملوكهم في بناء ضخم مثل الهرم لحمايته.
ولعل أقدم بناء هرمي معروف لنا ينسب للملك "زوسر"Zoser (حوالي القرن 27 ق.م)، مؤسس الأسرة الثالثة الفرعونية، وأشرف على بناء هذا الهرم الوزير والمهندس إيمحتب Imhotep، وهو المعروف بـالهرم المدرج Step-Pyramid في سقارة حوالي 20كم جنوب مدينة القاهرة، وهو بناءٌ يتكون من 6 مصاطب حجرية الواحدة فوق الأخرى.
ثم صار القبر الملكي في مصر القديمة يأخذ طراز "الشكل الهرمي" الكامل أيام الملك سنفرو Senefru (ق 26 ق.م)، ثم بلغ القبر الهرمي ذروته أيام الملك خوفو Cheops (ق 26 ق.م) (وهو ابن الملك سنفرو) صاحب الهرم الأكبر، وهو الذي يعد أحد عجائب العالم القديم . ويُعتبر-في رأي الباحث-هرم ميدوم (ق 26 ق.م) على بعد حوالي 90 كم جنوب القاهرة، والذي ينسب بناؤه للملك سنفرو، أقرب الأهرامات المصرية من الناحية المعماري لقبر أسكيا محمد، إذ يبدو الشكل المعماري بينهما متشابهًا لحد كبير، وبطريقة تلفت الأنظار.
ومن المؤكد أنه كانت لدى السلطان أسكيا محمد خلال مدة انتظاره بالقاهرة الرغبة في اكتشاف مدينة القاهرة، وفك طلاسم تلك الحاضرة الإسلامية العريقة، وتبدو مكانة القاهرة جليةً آنذاك من خلال العديد من روايات المؤرخين والرحالة المسلمين الذين زاروها لاسيما أيام المماليك (648-923هـ)، ولعل من أبرز ما ورد في ذلك الشأن ما يذكره ابن خلدون (ت 808هـ) لما وطأت قدمه تلك المدينة للمرة الأولى .
ولاريب أنه تولدت لدى أسكيا ثمة رغبةٌ مُلحة في أن يُشيد له المهندسون قبراً على غرار الطراز الهرمي المُبهر الذي شاهده بأرض مصر، وإن كان يعلم- في ذات الآن- أنه ليس بالإمكان مُحاكاة أهرامات الفراعنة كما هي بالضبط، لا في ضخامتها الهائلة، ولا في روعة تصميمها المعماري، أو دقتها.
وعلى هذا، أحضر السلطان "أسكيا محمد" معه خلال عودته من رحلة الحج مهندسًا معماريًا حاذقًا من بلاد الأندلس Architecte Andalou، ليقوم بالإشراف على بناء القبر الهرمي الذي يريد .
هرم ميدوم والذي استمد منه السلطان أسكيا محمد طراز قبره في جاو بمالي
ثم جمع "أسكيا محمد" لبناء هذا القبر مئات من المعماريين، والبنائين، والعمال المحليين لاسيما من منطقة تدعى: "ماسينا" Macina التي تقع بالقرب من دلتا نهر النيجر، ثم عين أسكيا محمد المعماري الأندلسي ليشرف على كل أعماء أعمال البناء بالطريقة التي كان يريدها هذا السلطان . وقيل إن أكثر من مائة عامل وبنَّاء Macons أحضرهم أسكيا محمد من منطقة "ماسينا" ليبنوا قبره، وفيما يبدو أن بنائي تلك المدينة كانت لهم شهرة ومهارة في البناء في عموم ممالك غرب أفريقيا .
ومن ثمة، يرى البعضُ أن قبر "أسكيا محمد" يشهدُ بجلاء على حلقات التواصل الإبداعية والتأثير والتأثر الحضاري بين كل من شعب صنغي والعرب والبربر من جانب، والتأثيرات المعمارية المصرية القديمة على بلاد السودان الغربي من جانب آخر . ونظرًا لأهمية هذا القبر الملكي، فقد كان يقام بجواره العديد من الاحتفالات، وكذلك المناسبات الدينية المهمة لاسيما في الساحة الكبرى المجاورة لهذا القبر، كما كانت تقام هناك صلاوات الجماعة، وحفلات الزواج، وإحياء عيد الاستقلال . وعلى هذا فليس من المُستغرب أن يوصف قبر السلطان أسكيا محمد- بحسب البعض- بأنه من أهم المواقع التاريخية والتراثية في دولة مالي حاليًا رغم مرور مئات السنين على تشييده .
وصف المجموعة المعمارية لأسكيا محمد
يعتبر قبر أسكيا محمد جزءًا من مجموعة معمارية Architectural Complex، ولهذا يُطلق عليه تسمية "الهرم المركزي" Pyramide Centrale، أو "القبر الهرمي" المركزي.
وربما تلك التسمية أطلقها البعض على اعتبار أن ذلك القبر الهرمي يُعد بمثابة البناء الرئيس داخل هذه المجموعة المعمارية، من ثم فهو يقع في موضع مركز داخل هذه المجموعة، هذا رغم وجود جبانة أخرى ملحقة بها. ويلاحظ أن هذا البرج الهرمي هو أعلى بناء في تلك المنطقة التي شيد بها، وقد كان هذا الموقع المجاور للقبر يُستخدم في إقامة صلاة الجمعة لسكان مدينة "جاو"، وكذلك كان يأتي إليه السكان القاطنون في القرى والمدن التي تحيط بها.
قبر السلطان أسكيا محمد على طراز الأهرامات
وتتميز العمارةُ التقليدية في الممالك الإسلامية في غرب أفريقيا بالبساطة بصفة عامة، وتوافقها بشكل أو بآخر مع البيئة المحلية، ولهذا كان يعتمد السكان المحليون في أكثر مناطق السودان الغربي في بناء ما يريدون من منشآت مثل البيوت والمساجد..الخ على الطين (اللبن) Mud–Building Tradition كمادة رئيسية في البناء.
وقد لعبت هذه "المجموعة" المعمارية -لاسيما المسجد والقبر الواقعان في وسط الفناء (الميدان)- دورًا مهمًا في المناسبات الإسلامية في "جاو"، وكان "أسكيا محمد" يستخدم هذا الموضع للصلاة خاصة الصلوات الجامعة، ولهذا كان يُطلق عليه "مسجد أسكيا" Askia djira .
ومن جانب آخر يتمتع قبر السلطان "أسكيا محمد" بحسب البعض بقداسة كبيرة بين السكان المحليين، ولعل ذلك من تأثيرات "الفكر الصوفي" المنتشر في هذه البلاد، بالتبرك والتوسل بقبور الأولياء، والصالحين، وغيرهم. وعن ذلك تذكر "الموسوعة البريطانية" Encyclopedia Britanica: "لقد دُفن السلطان أسكيا بمدينة جاو، ويُعتبر قبره الذي لايزال قائمًا حتى اليوم واحدًا من أكثر البقاع الإسلامية قداسة في كل بلاد غرب أفريقيا..".
وجدير بالذكر أنه أطلق على تلك "المجموعة" اسم "مسجد أسكيا"، وهي التسمية المفضلة لغالبية سكان "جاو"، أما تسمية قبر أسكيا Tombeau d’ Askia فهي تسميةٌ حديثة ترجع فيما يبدو إلى بدايات الحقبة الاستعمارية La Periode Coloniale، أي فيما بعد القرن 10هـ/16م .
القبر الهرمي في مدينة جاو (مالي حاليا)
لاريب أن قبر أسكيا محمد يتوافق مع البيئة الأفريقية المحلية التي عاش فيها هذا السلطان الأفريقي، كما يُشكل هذا القبر بشكل واضح لاجدال فيه أحد نماذج تأثيرات العمارة المصرية، ومظاهرها، التي ذاع بعضها بشكل أو بآخر في بعض مناطق غرب أفريقيا، وعلى هذا تصور عمارة القبر مزيجًا معماريًا وأثريًا فريدًا بين من الفن المصري القديم، والفن الأفريقي التقليدي بسماته المحلية التقليدية، فهذا القبر، فيما يرى الباحث، يشبه لحد كبير المصاطب Mastaba المصرية القديمة، وكذلك ما يُعرف بالأهرامات ذات "الطراز المدرج" مثل أهرامات سقارة، وكذلك أهرامات منطقة ميدوم (جنوب غرب القاهرة بحوالي 100كم)، إذ إن قبر أسكيا محمد هو أقرب لها من ناحية بساطة التصميم المعماري، وكذلك الحجم أكثر من الأهرامات الأخرى ذات الحجم الضخم كالتي شيدت في هضبة الجيزة على سبيل المثال، فهذه الأهرامات الأخيرة تعتبر دون ريب أكثر تعقيدًا من الناحية المعمارية والهندسية..الخ.
على أية حال يتميز قبر أسكيا محمد بأنه بناءٌ مشيدٌ من الطوب اللبن، وهو مغطى أيضًا بطبقة من الطين على عادة المنشآت والمباني المعمارية التي كان يشيدها الملوك في تلك البلاد.
د. إسماعيل حامد إسماعيل
عضو اتحاد المؤرخين العرب
عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية
صورة مجموعة السلطان أسكيا محمد وفي منتصفها قبره الهرمي
مقبرة السلطان أسكيا محمد في مالي
مقبرة السلطان أسكيا محمد في مالي
مقبرة السلطان أسكيا محمد في مالي
مقبرة السلطان أسكيا محمد في مالي
مآذن المساجد في غرب إفريقيا على الشكل الهرمي
مآذن المساجد في غرب إفريقيا على الشكل الهرمي
مآذن المساجد في غرب إفريقيا على الشكل الهرمي
الدكتور إسماعيل حامد