البلطجة.. إلى أين؟!

23-3-2025 | 14:41

في الفترة الأخيرة بدأت تطفو على السطح بعض الممارسات التي لا تمت للدين ولا للمجتمع المصري بصلة، والتي يمكن حصرها إجمالًا في مصطلح (البلطجة)، مما جعل البعض يتحدث عن ضرورة التصدي بحزم وحسم لمواجهتها ومواجهة كل أفعال العنف بشتى صوره بكل قوة، لأن هذه الممارسات الخاطئة تعد جريمة قانونية وإنسانية نكراء، ترفضها الأعراف والتقاليد أيضًا، وتنهى عنها كافة الشرائع السماوية، لأن كل الممارسات التي تحمل صور البلطجة تعد إفسادًا في الأرض وظاهرة مرعبة للمجتمع، حيث نهت الشريعة الإسلامية طبقًا لرأي دار الإفتاء عن مجرد ترويع الآمنين حتى ولو كان على سبيل المزاح أو باستخدام أداة تافهة أو بأخذ ما قلت قيمته، فقد أخرج الإمامان البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي، لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ».

وترويع الآمنين والإفساد في الأرض يعد بمثابة كبيرة من كبائر الذنوب التي شدد القرآن الكريم على الحد فيها وغلظ عقوبتها أشد التغليظ، وسمى مرتكبيها محاربين لله ورسوله وساعين في الأرض بالفساد، فقال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33] بل نفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتسابهم إلى الإسلام فقال في الحديث المتفق عليه: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا» رواه البخاري ومسلم.

والمتابع للمشهد يجد أن صور البلطجة متعددة، وأن كل ما يشكل خطورة تهدد الأمن وتكدر السكينة والطمأنينة يعد شكلًا من أشكال البلطجة.. وللأسف الشديد تعددت في الآونة الأخيرة أشكال البلطجة من استعراض القوة أو التلويح بالعنف والتهديد باستخدام السلاح أو الترويع والابتزاز والقتل والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة.

وعلى الرغم من أن مصطلح البلطجة هو كلمة دخيلة على المجتمع المصري والعربي، حيث هي كلمة تركية معناها حامل السلاح، ومع الأيام تطور معنى الكلمة حتى أصبحت تطلق على كل شخص يقوم بالاستيلاء على أي شيء بالقوة، وأصبح لفظًا دارجًا بيننا، ونحن الآن بحاجة للتكاتف لمواجهة كل من يقوم بهذه الممارسات البلطجية لتهديد الأمن والاستقرار للمواطنين.

لقد تم إجراء دراسات علمية عديدة حول ظاهرة البلطجة في المجتمع، ومناقشة الأسباب ووضع الحلول، ولكن مع ظهور أشكال وأنماط جديدة من الأعمال الإجرامية خلال الفترة الماضية رغم كل الجهود التي تبذل من مؤسسات الدولة المختلفة، فيجب علينا أن ندق ناقوس الخطر بسبب زيادة بعض معدلات الجريمة، وقيام البعض بتحويل البلطجة إلى مهنة يمارسها لتحقيق مكاسب مالية من خلالها.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل القانون قادر وحده على مواجهة البلطجة بأنماطها الجديدة وأشكالها المختلفة؟

الإجابة بلا شك لا تحتاج إلى وقت أو تفكير؛ لأن القانون لن يستطيع وحده القيام بذلك في ظل غياب الوعي، على الرغم من صدور تشريعات جنائية مؤخرًا لمواجهة ذلك، وقيام وزارة الداخلية بجهود كبيرة لضبط الجناة وتقديمهم للعدالة الناجزة وتنفيذ الأحكام الصادرة من القضاء المصري العادل.

نحن بحاجة ماسة لآليات ردع وزجر أقوى، مع وجود تشريعات وإجراءات تحافظ على المجني عليه والمتضرر من البلطجة، خاصة أن البلطجية متمرسون في نظم التقاضي، ويقومون بادعاءات باطلة ضد المجني عليهم وأصحاب الحقوق، وتحويلهم لمتهمين للضغط عليهم للتنازل عن حقوقهم لعدم قدرة الشرفاء على تحمل مراحل التقاضي، خاصة من عرض على النيابات المختصة والمبيت بأقسام ومراكز الشرطة نظرًا لاتهامهم زورًا وبهتانًا من البلطجية والمعتدين.

لابد من صدور تعديل تشريعي يحدد ضوابط للقيد والوصف القانوني لمعظم المشاجرات التي هي في الأساس تعود لطرف قام بالبلطجة والتعدي على الآخر، ويتم في هذه الحالة الاكتفاء بتصنيفها مشاجرة، علاوة على أهمية تشديد العقوبة على الأطراف المدعية كذبًا في مثل هذه الحالات لعدم تكرار ذلك، مع عدم إحالة البلاغات المصحوبة بتقارير طبية من النيابة العامة إلى القضاء قبل التأكد من صحة الادعاء وتحديد مرتكبيه من قبل النيابة العامة والشرطة المصرية، حتى لا يقدم للقضاء أناس شرفاء كمتهمين ويتساوى البلطجي مع الشريف، وهذا لا يتم إلا بتعديل تشريعي واضح لمعالجة كل هذه الأمور، خاصة أن لدينا ثقة تامة في رجال العدالة.

وفي ظل الظروف الراهنة والدقيقة التي تمر بها مصر والمنطقة، نحن بحاجة إلى المحافظة على الأمن والاستقرار الداخلي، والتصدي لكل أشكال البلطجة أو الخروج على القانون، ولن يتحقق ذلك إلا بتكاتف كل المؤسسات العامة والخاصة وكافة أفراد المجتمع، ووضع إستراتيجية وطنية لمعالجة تلك الظواهر السلبية ووضع حلول جذرية لها، وأرى أن الدولة بقيادة الرئيس السيسي بدأت تأخذ خطوات جادة حول ذلك، بما يساهم في خلق جيل قادر على نشر كل ما هو هادف سواء كان هذا في سياق الأعمال الدرامية والفنية، وتغيير لغة وسياق الدراما الفنية المعروضة لاسيما المشاهدة بواسطة التلفاز أو المسرح أو ما إلى ذلك، وليس أدل على ذلك من تبني الرئيس السيسي إنشاء دور الإصلاح والتأهيل بدلًا من السجون القديمة للعمل على تغيير ثقافة وفكر من سبق اتهامهم والحكم عليهم في قضايا سابقة ولعودتهم أناس صالحين.. 

وكذلك كلام الرئيس عن الإعلام والدراما الهادفة خلال حفل الإفطار السنوي الذي نظمته القوات المسلحة بحضور قيادات الجيش وكبار المسئولين والإعلاميين، وكذلك خلال لقاء المرأة المصرية والأم المثالية الذي حضره عدد من المسئولين والقيادات النسائية والسيدات المصريات من مختلف المجالات والذي شهد تأكيده على أهمية تقديم محتوى إعلامي يعكس القيم الإيجابية، مشددًا على دور الإعلام والدراما في تشكيل الوعي المجتمعي وتعزيز الأخلاق والقيم المصرية الأصيلة داعيًا صناع الدراما، إلى تقديم «دراما إيجابية» باعتبارها عنصرًا فعالًا في تشكيل الوعي المجتمعي وتقديم رسائل بناءة تدعم تطور الوطن، مؤكدًا على ضرورة ألا يكون المحتوى المقدم للجمهور مقتصرًا على الغث أو الهزل فقط، أو ما لا يساهم في بناء الأمة.. قائلًا حديثي عن الفن والإعلام لا يعني المنع ولكن لتحقيق التوازن.. وأنقل نبض الشارع.

وكرد فعل سريع على تصريحات الرئيس السيسي، قام الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء بتشكيل مجموعة عمل تعنى بوضع رؤية مستقبلية للإعلام والدراما، وضبط الأعمال الدرامية، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس، علاوة على إعلان الشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" عن تشكيل لجنة متخصصة للمحتوى، بالتزامن مع إعلان "الهيئة الوطنية للإعلام"، عن عقد مؤتمر حول مستقبل الدراما المصرية في أبريل المقبل حول طبيعة المحتوى المقدم في القنوات التلفزيونية المصرية.

كل هذه القرارات تأتي في إطار إصلاح مجتمعي لشريحة الشباب الذين ينتهجون هذا الفكر المعوج والمنحرف والمتطرف... وكذلك النشء الصغير الذي يكتسب بعض الممارسات الخاطئة من الشارع والدراما الهابطة، وفي نظري المتواضع أنه ينبغي أن تتضافر كل الجهود من كافة مؤسسات الدولة المصرية لمحاربة هذه الظاهرة واقتلاع جذورها من الشارع المصري بداية من الأزهر الشريف وشيوخه الأجلاء ودعاته المخلصين ومناهجه المصلحة.. مرورًا بالكنيسة فإن لها دورًا كبيرًا أيضًا، ومرورًا بجهاز الأمن والشرطة والمراقبة وتفعيل دور الجهات التنفيذية، وكذا لا ينبغي أن يغفل أيضًا دور الجهات التشريعية بسن القوانين واللوائح والقرارات الصارمة لكل من تسول له نفسه المساس بزعزعة السلم الاجتماعي واستقرار الشارع المصري ومحاربة الناس أمنهم وحركة حياتهم أو في أرزاقهم ومعاشهم، ومرورًا بالتعليم بتفعيل مادة الأخلاق وزيادة جرعتها لتعزيز جانب الأخلاق لدى الطلاب وتنفرهم من التنمر والتطرف وجميع أنواع الانحرافات السلوكية والنفسية والاجتماعية والحياتية، وتكون مادة تربوية يدرسها الطلاب جميعًا في كافة المراحل الدراسية حتى الجامعة، والمجتمع المدني بجميع أطيافه متضرر أيما تضرر من ظاهرة البلطجة، فعليه أن يضافر جهوده مع مؤسسات الدولة المختلفة لمحاربة تلك الظاهرة الدخيلة على مجتمعاتنا. حفظ الله مصر وأمنها وأمانها وسلمها وسلامها..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة