منذ أن أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن إصابة بعض جنوده إثر هجمات من حيوان "الوشق المصري" حتى أصبح ذلك الاسم تريندًا على محركات التواصل الاجتماعي، وتصدر اسمه محركات البحث بحثًا عن معلومات حول حياته وموطنه الأصلي.
موضوعات مقترحة
"بوابة الأهرام" بدورها طالعت صفحات التاريخ بحثًا عما ورد عن هذا الحيوان المفترس، الذي يتبع فصيلة السنوريات، لكن المفاجأة أنه كان مقدسًا في مصر القديمة، وكان يُنظر إليه باعتباره المنتصر على قوى الظلام وقاتل الفوضى.
الوشق المصري استمد احترام وتقديس المصريين القدماء
البداية كانت عبر ما كتبه العلامة الأثري سليم حسن فى موسوعته عن الحضارة المصرية، حيث ذك أن حيوان الوشق المصري كان مقدسًا ويحظى باحترام المصريين القدماء.
ويوضح الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار فى تصريح لـ"بوابة الأهرام"، إن الوشق المصري أو القط البري كان جزءًا مهمًا من الحياة البرية في مصر القديمة، حيث كشفت الرسومات والنقوش الفرعونية أن المصريين القدماء كانوا يعتبرونه رمزًا للقوة والذكاء، وقد تم تصويره في العديد من جدران المعابد، ما يدل على مدى احترام المصريين لهذا الحيوان، بل وصُور القط البرى وهو يقطع رأس الفوضى.
كان القط البرى هو صورة للمعبود "رع وأتوم"، وسرى ذلك إلى الأمثال الشعبية المصرية، حيث نقول "زى القط بسبع أرواح"، وهذا مستمد من مصر القديمة لأن المعبود "رع" فى العقيدة والديانة المصرية له سبع أرواح، فكان يساوي (7 با) وعدد (14 قرين = كا)؛ لذا نقول أن القط له سبعة أرواح؛ لأنه شكل رع.
الوشق المصري استمد احترام وتقديس المصريين القدماء
الوشق فى الفن المصري القديم
كان الفن فى مصر القديمة له لغة ذات مفردات تقوم على أكواد، ويضيف مجدي شاكر ، أنه يتم اختيار الأكواد بعناية شديدة بناء على دراسة وتأمل لكل تفاصيل الحياة البرية ورؤيتها بذكاء القلب التى نراها فى الطبيعة على أرض مصر المقدسة، حيث كل شئ فى الطبيعة مقدس،وتسكنه قُدرة من قُدرات الخالق.
ويعد الإله "آتوم رع" واحدًا من أهم الألهه وأشهرها فى الفلسفة الروحية المصرية، إذ يمثل القُدرة الإلهية التى خلقت النور (الشمس/ النجوم)، ومن النور خلقت الكون كله، والقُدرة الإلهية تتجلى فى السماء وفى الشمس والنجوم، وتتجلى كذلك على الأرض فى صور كتيرة منها الإنسان و الصقر، ومعها فصيلة السنوريات كلها مثل (الأسد والقط البرى والنِمس).
الوشق المصري استمد احترام وتقديس المصريين القدماء
وقد قالت أساطير النشأة فى عين شمس إن قصة الخلق بدأت بصراع دار بين آتوم رع" (النور / النظام / قوى البناء) وبين غريمه "عَبيب" (الظلام/الفوضى/ قوى الهدم)، وقد انتهى الصراع بانتصار آتوم رع على غريمه، وبالتالى أصبح الخلق ممكنًا بعد ما كان مستحيلاً بسبب هيمنة "عَبيب" الذي يمثل (الظلام/ الفوضى/ قوى الهدم) على الساحة.
معركة الوشق والثعبان
وقد صوّر الفنان المصرى القديم المواجهة الرهيبة بين النظام و الفوضى فى مشهد بديع تم اختيار رموزه بعناية شديدة من الحياة البرية على أرض مصر، وهو انتصار النور على الظلام، تم اختزاله ببراعة فى صورة قط برى يذبح ثعبانَا تحت شجرة الإيشِد (شجرة الهِجليج المصرى) فى عين شمس، والمشهد يعبر عن لحظة فارقة فى تاريخ الكون، وهى اللحظة التى بدأ فيها الخلق عند القدماء، وهي اللحظة التي يتم استدعائها وإعادة تكرارها كل ليلة أثناء ارتحال رع فى العالم الآخر ليجدد طاقته وطاقة الكون كله.
الوشق المصري استمد احترام وتقديس المصريين القدماء
ولكن، لماذا القط البري تم تصويره وليس الأسد؟، يجيب شاكر:"إن السبب فى اختيار القط لتجسيد آتوم رع فى المشهد هو الرؤية الليلية الواضحة عند القطط، فالقط البرى لديه القدرة الفائقة على الرؤية فى الظلام، وقد ارتبطت القطط فى وجدان شعوب العالم القديم بالرؤية الليلية الواضحة، وقالوا عنها أنها لديها القدرة على رؤية أرواح الموتى التى تهيم على وجهها فى الليل".
فى الأسطورة المصرية يقوم "آتوم رع" بتغيير هيئته ويتخذ هيئة القط البرى، لكى يرى جيدًا ويقطع رقبة الظلام؛ إذن فالقط البرى هو أفضل كائن يستطيع التعبير عن قدرة آتوم على التعامل مع قوى الظلام والفوضى، وينتصر عليها فى "عقر دارها"، يعنى فى منطقتها أو فى عالمها.
الوشق المصري استمد احترام وتقديس المصريين القدماء
الوشق المصري استمد احترام وتقديس المصريين القدماء
الوشق المصري استمد احترام وتقديس المصريين القدماء
د. مجدي شاكر