«وامعتصماه».. صرخة مسلمة دوت في أذن الخليفة فدك بلاد الروم

22-3-2025 | 12:12
;وامعتصماه; صرخة مسلمة دوت في أذن الخليفة فدك بلاد الرومصورة تعبيرية

حرك جيوشًا أولها في بلاد الروم وآخرها في بغداد لأجل إمرأة، أدخل الأتراك للإسلام، عيّن العرب بأعلى المناصب، وفاتح أنقرة وعمورية ونابولي.

موضوعات مقترحة

 نشأته وحياته 

هو أبو إسحاق محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور، ثامن الخلفاء العباسيين، ولد في 8 شعبان 180هجرية/ الموافق 796/10/16 ميلادي، وأمه هي ماردة الصغدية، وبحسب المؤرخين فقد كان يملك قوة بدنية وشجاعة مميزة.

تولي الخلافة

كان في عهد أخيه المأمون واليَا على الشام ومصر، وكان المأمون يميل إليه لشجاعته فولاه عهده، وفي اليوم الذي توفي فيه المأمون بمدينة طرسوس بويع أبو إسحاق محمد بالخلافة، ولُقب بالمعتصم بالله في 18 من رجب سنة 218 هجرية (10 من أغسطس سنة 833 ميلادية).

كان الخليفة محمد المعتصم أميًا لا يعرف الكتابة؛ وذلك بسبب أنه عندما كان يتعلم في صغره، توفي أكثر من زميل له في الدراسة، فخاف أبيه هارون الرشيد عليه، وأبعده عن العلم، وأوصى أن لا تصل الخلافة إليه، وهذه من الغرائب حيث وصلت الخلافة له واستمرت في نسله بعكس إخوته. 

معالم خلافته

استمرت عمليات الترجمة والنهضة العلمية في عهده كما في عهد سلفه المأمون غير ما ميز عهد المعتصم هو اهتمامه باقتناء الجنود الأتراك بجلبهم من مناطق آسيا الوسطى كسمرقند وخوارزم، وكان هو السبب الرئيسي لاعتناقهم الإسلام حيث بث بينهم الدعاة منذ أن كان أميرا فحولهم من قبائل وثنية لمسلمين.

وكذلك جلب جنودًا من المغرب ودلتا النيل، وملأ الجنود بغداد حيث بلغت أعدادهم ما يقارب بضعة عشر ألفا، وأدى ذلك إلى التضييق بأهل المدينة، واضطر الخليفة نتيجة لذلك إلى الانتقال إلى مدينة سامراء التي بناها عام221هـ/ 835م على بعد 100 كيلومتر شمالي بغداد لتكون عاصمة له ومقرًا لجيوشه من المماليك والأحرار.

قضائه على الفتن

تمكن من القضاء على ثورة الهنود الزط التي هددت مرافق الدولة في جنوب العراق على يد القائد العربي عجيف بن عنبسة سنة 220 هجرية الموافق 835م وأجلاهم المعتصم إلى الأناضول.

وكذلك قام بالقضاء على ثورة بابك الخرمي في أذربيجان؛ إذ إن بابك الخرمي قد مزج بين الإسلام والمجوسية، وأسس الخرمية هجينًا وعمد إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية جذرية ما ساهم في بقاءه عصيًا على الدولة العباسية عشرين عامًا.

وكذلك قضى على ثورة أخرى بقيادة محمد بن القاسم وهو شيعي على المذهب الزيدي، إذ كان مقيما بالكوفة ثم خرج منها إلى الطالقان بخراسان يدعو إلى علي الرضا، فاجتمع اليه أناس كثر، فاهتم لأمره عبد الله بن طاهر بن الحسين والي خراسان وبعث له جيوشا وقامت بين الفريقين وقعات بناحية الطالقان انتهت بهزيمة محمد بن القاسم وفراره إلى كور خراسان في مدينة نسا غير أن واليها أمسك به وبعثه إلى المعتصم فقام الخليفة بحبسه غير أنه تمكن من الفرار من السجن بمساعدة مجموعة من أنصاره، ولم يعرف عنه أي خبر بعد ذلك.

الفتوحات في إيطاليا

كانت إيطاليا منقسمة بين البيزنطيين واللومبارديين وبقيت على هذا الحال إلى أن دخل العباسيين في زمن المأمون وفتحوا غالبية صقلية، وأما المعتصم فقد استكمل الفتوحات.

ففي عام 836 م تعرضت مدينة نابولي التابعة للبيزنطيين لحصار اللومبارديين، فقام ملكها بيدرو الثاني بالإستنجاد بالبيزنطيين ولكنهم خذلوه، فقام بإعلان ولائه للعباسيين وطلب من المعتصم النجدة، فقام المعتصم بإرسال جيش لإنقاذه، ودخل العباسيون إلى نابولي، وأصبح الملك بيدرو الثاني والي الخليفة العباسي على نابولي.

معركة عمورية

استغل الامبراطور تيوفيل البيزنطي فرصة انشغال المعتصم في مطاردة الخرميين, وأغار على الحدود الإسلامية وهاجم مدينة زبطرة وهي أقرب الثغور الإسلامية إلى أراضي الدولة البيزنطية، فأحرقها وخربها وقتل رجالها وسبى نساءها وأطفالها, وقد غضب المعتصم لهذا الحدث.

ويذكر ابن الأثير أن امرأة هاشمية أخذت تصيح عندما وقعت في أسر الروم "وامعتصماه" فلما بلغ ذلك المعتصم أقسم بأن ينتقم من الروم وأن يخرب مدينة عمورية مسقط رأس والد الامبراطور البيزنطي وأهم مدينة في آسيا الصغرى، ثم جمع المعتصم جيشا كبيرا بلغ تعداده تسعون الف جندى تولى قيادته بنفسه كما ساعده كبار قواده كحيدر بن كاوس (الافشين) وأشناس،  وكان اسم عمورية منقوشا على درع كل جندي في الجيش. وتقدم المعتصم بجيوشه وفتح في طريقه مدن كثيرة أشهرها أنقرة، حتى التقى بجيش تيوفيل عام 838 م فقامت بين الجيشين معركة انتهت بانتصار جيش المعتصم، ثم توجه إلى مدينة عمورية وضرب حصارا عليها وبعد الحصار الشديد تمكن المعتصم من اقتحام عمورية عنوة وتخريبها وأسر من فيها.

وقد وصف الشاعر أبو تمام الذي كان في زمن المعتصم انتقام المعتصم بالقصيدة التي مطلعها:

السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب

وقال الشاعر أبو تمام عن صوت المراة الذي لباه المعتصم:

لبَّيْتَ صَوْتاً زِبَطْرِيّاً هَرَقْتَ لَهُ---- كأسَ الكرى ورُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ

وقال أبو تمام في وصف جيش العباسي وعدده بقيادة المعتصم والذي لبى النداء:

تِسْعُونَ أَلْفاً كآسادِ الشَّرَى نَضِجَتْ----جُلُودُهُمْ قَبْلَ نُضْجِ التينِ والعِنَبِ

وكان المعتصم كان يريد أن يواصل فتوحاته إلى القسطنطينية، غير أنه اكتشف مؤامرة دبرها ابن أخيه العباس بن المأمون مع القائد عجيف بن عنبسه الذي سبق أن قضى على ثورة الزط؛ مما اضطر المعتصم لأن ينهي الحرب مع الروم ويقبض على العباس وعجيف والمشتركين معهم وتم إعدامهم.

إكرام الخليفة المعتصم للإمام أحمد بن حنبل

إن شجاعة وعظمة الخليفة العباسي الثامن محمد المعتصم بالله ظاهرة كالشمس وأبسط مثال على ذلك قصة (وامعتصماه ) التي يعرفها الجميع. 

ومع ذلك أبى المدلسين والمشوهين إلا أن يحاولوا تشويه صورة هذا الخليفة العظيم، واتهموه بأنه جلد الإمام احمد بن حنبل، وامتحن الناس بخلق القرآن، وهذا غير صحيح، فلم يحصل أن جلد الإمام أحمد بن حنبل، بالعكس أكرمه ومسألة خلق القرآن أوقفها المعتصم في عهده، وهنا نورد المجلس الذي تم به هذا الأمر. 

ورد في كتاب محمد بن علي العمراني (الأنباء في تاريخ الخلفاء) المجلس الذي حضره الإمام أحمد بن حنبل بين يدي الخليفة المعتصم وذكر التالي:

حين أحضره المعتصم بين يديه سلم وتكلم بكلام أعجب الناس، ثم قال في أثناء كلامه:"يا أمير المؤمنين أن لأبائي سبق في هذه الدعوة فليسعني ما وسع أصحاب رسول الله  (صلى الله عليه وسلم) من السكوت والرضا بأن القرآن كلام الله، فقال له ابن أبي داود: اتقول ان الله خالق كل شيء أم لا؟، فقال له الإمام أحمد بن حنبل: بلى الله خالق كل شيء، قال له القرآن شيء أم لا شيءظ، قال له الإمام أحمد بن حنبل: القرآن أمر فقد فرق الله بين خلقه وأمره، فقال عز وجل:(له الخلق والأمر). 

هنالك التفت المعتصم إلى ابن أبي داود وقال:"ذكرتم أن الرجل عامي، وذكرتم لي بأنه جاهل، وما أراه إلا مُعربًا فصيحًا، وأكرمه وأنعم عليه". 

وأما ما قيل عن تعذيبه، فقد أورد الذهبي في كتاب (سير أعلام النبلاء) سردًا لما حصل يوم الإفراج عنه، وهذا السرد ينفي التعذيب، حيث أورد، قال ابن أبي حاتم:"سمعت أبا زرعة يقول: دعا المعتصم بعم أحمد، ثم قال للناس: تعرفونه؟ قالوا: نعم، هو أحمد بن حنبل، قال: فانظروا إليه، أليس هو صحيح البدن؟، قالوا: نعم، قال: ولما قال: قد سلمته إليكم صحيح البدن... وقال حنبل: لما أمر المعتصم بتخلية أبي عبد الله، خلع عليه مبطنة وقميصًا وطيلسانًا وقلنسوة وخفا. 

وكان الامام أحمد بن حنبل إلى أن مات يثني على المعتصم ويذكر فعله ويترحم عليه.

الرد على إفتراء أنه كان يقصي العرب

تعرض الخليفة المعتصم لتهمة بأنه كان يعين الأتراك ويقصي العرب عن المناصب، وأبسط رد على هذه التهمة هو ذكر قائمة بسيطة للمسؤولين العرب في زمانه والتي تكشف بشكل واضح زيف هذه التهمة، وتكشف أن مصدر هذه التهمة إما الجهل أو الحقد حيث أن المعتصم قد جمع المجد من كافة أركانه فعجزت كل السلالات الأخرى أن تأتي بمثله. 

لقب الخليفة المثمن

يطلق على المعتصم بالله لقب "الخليفة المثمن"، لأن الرقم 8 لعب دوراً هاماً في حياته، فهو ثامن الخلفاء العباسيين، وثامن أولاد هارون الرشيد، وتولى الخلافة سنة ثمان عشرة ومئتين، في اليوم الثامن عشر من رجب، ودامت خلافته ثماني سنوات، وثمانية شهور، وثمانية أيام، وشهد عهده ثماني فتوحات عسكرية، وترك من الأولاد 8 أولاد، 8 بنات، وقد ولد في اليوم الثامن في الشهر الثامن (شعبان) سنة 180 وتوفي وله من العمر 48 سنة، في اليوم الثامن عشر من شهر ربيع الأول.

وفاته

احتجم المعتصم في أول يوم من محرم سنة 227 هجرية، فأصيب عقب ذلك بعلته التي قضت عليه في تاريخ 18 ربيع الأول 227 هجرية، ويقول السيوطي أنه لما احتضر جعل يقول: "ذهبت الحيلة فليس لي حيلة"، وقال:«اللهم إنك تعلم أني أخافك من قبلي ولا أخافك من قبلك، وأرجوك من قبلك ولا أرجوك من قبلي»، وكان معروفا بطيبة النفس، وكان من أعظم الخلفاء وأكثرهم هيبة، وبويع بالخلافة من بعده ابنه هارون الواثق بالله.

د. سليمان عباس البياضي 

عضو اتحاد المؤرخين العرب 


د. سليمان البياضي د. سليمان البياضي
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: