في مدينة عزبة البرج، تنسج الحياة قصصًا لا توصف بالكلمات فحسب، بل تظهرها خفة أيادي النساء والرجال الذين يشكلون شباك الصيد والحبال.
موضوعات مقترحة
هنا، في هذه المدينة الساحلية يعانق البحر شوارع محافظة دمياط، ويترك نسيمه الذي يحمل رائحة اليود رؤية مختلفة للشباك؛ تتحول معها صناعة أدوات الصيد من حرفة، إلى فن يدوي يحمل بصمات الأجيال.
أمام بيوتهن البسيطة في عزبة البرج، تجلس النساء؛ يرسمن بأصابعهن لوحات معقدة متشابكة من الخيوط، تمتزج معها صوت لضحكات وهمهمات العمل بين السيدات، مخلفات وراء أفعالهن، ليس أدوات للصيد فقط، بل تراثًا حيًا ينبض بالإبداع.
في عيد الأم.. حكاية شابة من دمياط ورثت حب خيوط البحر فصنعت شباكًا لصيد أحلامها
حكاية «حب الخيط»!
في القلب من هذه الصورة الشبكية، تقف هنادي رشدي محمد، ابنة عزبة البرج، تحمل خيوط هذا التراث الذي ورثته عن والدتها.
«كان عندي 11 سنة لما علَّمتني أمي صناعة نسيج البادية» تقول هنادي بنبرة تحمل الفخر والحنين والعرفان لوالدتها.
في عيد الأم.. حكاية شابة من دمياط ورثت حب خيوط البحر فصنعت شباكًا لصيد أحلامها
وتقول إن حبها للخيوط بدأ قبل ذلك بعامين، فعندما كانت في التاسعة من عمرها، تمكنت من صنع مفرش أخضر صغير بمفردها، دون مساعدة، وكأنها تثبت لنفسها أن الخيوط ستكون صديقتها الأبدية، ورفيقتها لصنع الشباك التي ستصطاد بها أحلامها.
في عيد الأم.. حكاية شابة من دمياط ورثت حب خيوط البحر فصنعت شباكًا لصيد أحلامها
10 جنيهات أول مكاسب حب الشباك
بحماس الطفولة تمكنت هنادي في شبابها من صناعة أول شبكة صيد، حصلت في مقابل صناعتها على أول مكسب من عمل يديها، عشرة جنيهات جعلتها تشعر بأنها طفلة حصلت لتوها على عيدية من أبيها، قائلة: «إديت العشرة جنيه لأمي»، وبابتسامة لم تفارقها تضيف «حسيت إني طفلة تكسب رزقها لأول مرة."
في عيد الأم.. حكاية شابة من دمياط ورثت حب خيوط البحر فصنعت شباكًا لصيد أحلامها
شباك تحكي قصص البحر
تصنع هنادي شباك الصيد «الغزل» بعناية فائقة؛ حيث تتكون كل شبكة من أجزاء منفصلة تُجمع لاحقًا لتشكل أداة مثالية للصيد البحري بطريقة «الجر».
تستهدف «شباك الجر» كنوز البحر المتوسط من اللحم الأبيض؛ مثل أسماك البربوني الأحمر، الجمبري، الكابوريا، وغطا موسى.
شباك الصيد ليست للأسماك فقط
إلا أن طموح الطفلة الذي لم يفارقها في مسيرة عملها لم يتوقف عند حدود التقاليد؛ فقد طورت هنادي من عملها ليمتزج فيه التراث والابتكار؛ حيث استخدمت شباك الصيد على سبيل الديكور لتزيين «التكوات» داخل المنازل، وأبدعت في صناعة مفارش الكروشيه وحقائب الخرز من خيوط السنارة البلاستيكية، لتثبت أن الخيوط يمكنها أن تحكي قصصًا تتجاوز البحر.
في عيد الأم.. حكاية شابة من دمياط ورثت حب خيوط البحر فصنعت شباكًا لصيد أحلامها
من بحيرة المنزلة إلى مراكب «الشانشيلا»
تستخدم هنادي في إبداعاتها الديكورية في صنعتها التراثية «الخيط الحريري الرفيع»، المعروف بـ«الكنف»، لصناعة شباك تُستخدم للصيد في بحيرة المنزلة.
بينما تصنع شباكًا من «الخيط الحريري الواسع» لمراكب الصيد التي تستخدم أسلوب «الشانشيلا»، وهي مراكب تجوب مياه البحر لصيد الأسماك السطحية مثل السردين، الدراك، الدنيس، والبوري.
في عيد الأم.. حكاية شابة من دمياط ورثت حب خيوط البحر فصنعت شباكًا لصيد أحلامها
عيد الأم.. تكريم للمعلمات الأوائل
ومع حلول ذكرى عيد الأم، تكتسب قصة هنادي بعداً إنسانياً أعمق، حيث ترى والدتها أنها معلمتها وملهمتها، فهي من زرعت فيها حب هذا الفن أو هذه الحرفة، الذي تحول إلى مصدر رزق لها وهوية.
هذا التراث الذي تنقله الأمهات إلى بناتهن في عزبة البرج ليس مجرد مهارة، بل رمز للعطاء والاستمرارية، وما تفعله يدا هنادي اليوم، يعكس بوضوح إبداع متوارث يحمل بصمة الماضي وتطلعات المستقبل.
في عيد الأم.. حكاية شابة من دمياط ورثت حب خيوط البحر فصنعت شباكًا لصيد أحلامها
حرفة تتطور مع الزمن
تثبت تجربة هنادي أن صناعة أدوات الصيد في عزبة البرج ليست مجرد عمل يدوي، بل حرفة فنية تتجدد مع كل جيل، فسواء كانت تعيد تدوير المخلفات لصنع منتجات مفيدة، أو تحول الخيوط إلى ديكورات وحقائب، فإن نساء عزبة البرج يحافظن على تراثهن بينما يرسمن خطوطًا جديدة لمستقبلهن مع أسرهن.