لكل شخص نصيب من اسمه، مقولة صادقة، وبالفعل حصدت نفيسة محبوب من اسمها «الغلاوة» في قلوب أهالي كفر الشيخ، بالإضافة إلى «المحبة».
موضوعات مقترحة
في قلب مدينة بيلا الصغيرة، عاشت امرأة تحمل في قلبها حلمًا كبيرًا تحول إلى واقع ينير حياة الآلاف؛ لتطل الحاجة نفيسة عبد العزيز محبوب، صاحبة الثمانين عامًا، رمزًا للعطاء والمثابرة؛ حيث لم تكتفِ بأن تكون أمًا لأبنائها فقط، بل أصبحت أمًا روحية لمجتمع بأكمله، تزرع فيه بذور المعرفة على مدار ستة عقود.
حكاية نفيسة محبوب ثمانينية أضاءت كفر الشيخ بالتربية والعطاء
بداية الحلم.. رؤية غيرت حياة
في ستينيات القرن الماضي، بدأت الحاجة نفيسة رحلتها مع مجموعة من صديقاتها في حي نافع بمدينة بيلا مجتمعات على هدف واحد؛ مساعدة المحتاجين.
أسست مجموعة السيدات جمعية خيرية صغيرة، لكن تلك البداية المتواضعة كانت بمثابة خطوة الألف ميل التي أشعلت شعلة تغيير كبيرة؛ وصولا إلى اللحظة الفارقة في أوائل الثمانينيات، عندما رأت نفيسة رؤية في نومها شعرت أنها رسالة إلهية، فقررت بعدها فتح مدرسة «أحمد محبوب» لمحو الأمية وتحفيظ القرآن الكريم.
حكاية نفيسة محبوب ثمانينية أضاءت كفر الشيخ بالتربية والعطاء
من حصيرة إلى منارة علم
بدأت الحاجة نفيسة بأدوات بسيطة: حصيرة على الأرض ومعلم قرآن واحد، ولكن شغفها بالتعليم وحاجة الناس للتعلم جعلتا المدرسة تنمو بسرعة مذهلة.
«تفاجأت بإقبال غير طبيعي على المدرسة»، تقول نفيسة بابتسامة تفيض بالفخر، فسرعان ما تحولت تلك الحصيرة إلى فصل دراسي، ثم إلى مدرسة كبيرة تضم مئات الطلاب من أطفال وكبار.
حكاية نفيسة محبوب ثمانينية أضاءت كفر الشيخ بالتربية والعطاء
لم تكتفِ السيدة المحبة للتعليم، بتعليم القرآن ومحو الأمية، بل أضافت ورشة لتعليم النساء الخياطة والتفصيل. واقفة عند اعتقاد أن العلم وحده لا يكفي، بل يجب أن يترافق مع مهارة تمنح الاستقلال.
عند هذا الحد، تحولت مدرسة أحمد المحبوب إلى ملاذ لكل باحث عن العلم والعمل الشريف؛ حيث تخرج فيها الآلاف، بعضهم وصل إلى مناصب مرموقة، لكنهم لم ينسوا يومًا جذورهم التي غرستها نفيسة.
لقاء أضاء الطريق
في أواخر الثمانينيات، التقت نفيسة بالشيخ محمد متولي الشعراوي. في رحلة بحثها عن نصيحة.. هل تستمر أم تتوقف؟.
إلا أن إمام الدعاة شجعها قائلاً: إن تحفيظ القرآن للأطفال عمل عظيم سيجزيها الله عليه خيرًا. لتصف نفيسة الوضع بعد النصح، «من يومها تضاعف العزم لمواصلة رسالتي».
صيت يعُم كفر الشيخ
لم تقتصر شهرة مدرسة أحمد محبوب على بيلا، بل امتدت إلى أرجاء محافظة كفر الشيخ؛ فجرى تكريم الحاجة نفيسة من محافظين ورؤساء مدن على مدار أكثر من 40 عامًا، تقديرًا لدورها في محو أمية الرجال والنساء وتربية جيل على القيم الإسلامية الوسطية.
أمومة لا تعرف الكلل
اليوم، رغم أمراضها المزمنة وعصاها التي لا تفارقها، لا تزال الحاجة نفيسة تزور جمعيتها الخيرية التي أسستها قبل 60 عامًا.
«الجمعية دي بتاعة ربنا، أنا بنفذ أوامره بس»، تقولها بتواضع يعكس إيمانها العميق. في كل يوم، تدعم الفقراء والأيتام، مؤمنة أن العطاء هو طريقها إلى رضا الله.
في عيد الأم.. تسليط للضوء على نموذج أم
مع حلول عيد الأم، لا يمكننا إلا تسليط الضوء على ما فعلته نفيسة محبوب كرمز للأمومة الحقيقية، التي اهتمت برعاية جيلًا كاملًا، ساعدتهم على التعلم والعمل، تاركة بصمة لا تُمحى في قلوب كل من عرفها.
الأم مدرسة
قصة الحاجة نفيسة محبوب هي حكاية مُلهمة أثبتت أن امرأة واحدة تسلحت بالإيمان والإرادة، كان لها القدرة على تغيير مجتمع بأكمله، فقد صدق شاعر النيل حافظ إبراهيم حين قال: «الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق».