الضربة الأمريكية واسعة النطاق ضد الحوثيين، قلبت الطاولة والتنبؤات في كل ربوع الشرق الأوسط، وتحتاج إلى الكثير من التوقف للدراسة والفحص المتأني. الرئيس الأمريكي اللغز ترامب، من الصعب فك شفرته، ومعرفة نواياه.
يسعى للسلام في أوكرانيا، وهدد زيلينسكي رئيسها في البيت الأبيض، والتف حول روسيا، معلنًا ثقته في رئيسها بوتين. ظن الكل أن الهدف الأول للرئيس المحير ترامب، هناك في أوروبا، حتى إنه أرسل مبعوثيه إلى السعودية ليس لبحث قضية فلسطين وغزة المشتعلة التي سبقها بتصريحات مثيرة عن طرد أهلها وإنشاء ريفييرا هناك، لكن للتوسط (التحاور مع روسيا)، مهمشًا حليفه التقليدي أوروبا لأكثر من 80 عامًا. ثم التف ترامب في تغريداته متوعدًا الحوثيين باليمن، ليس بلغة الرؤساء والقادة العالميين، لكنه كما تعود، لغة الرأي العام "حان قطفكم".
تغريدات ترامب كانت خطيرة، "حان وقتكم". الحوثيون رقم صغير في اليمن 7% من السكان، احتلوا صنعاء طويلاً. اليمن منقسم إلى دولتين في صنعاء، وعدن والحرب الأهلية مستعرة، تشتعل حيناً وتتوقف أحياناً. ضربة اليمن كانت الأولى عسكريًا في عهد ترامب، ذكرت الإيرانيين قبل اليمنيين بقدرة ترامب على الضرب المفاجئ، ولعله الذي تخلص من قاسم سليماني القائد الأول في تاريخ دولة إيران، والذي أنشأ النفوذ الإيراني في الشرق العربي، غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن.
ما يهمنا أن الحرب أصبحت بؤرتها البحر الأحمر، وباب المندب وجهتها أو مسارها إلى طهران، وبالتالي فإنها تخص كل دولة في الشرق الأوسط، لأن التحرك الأمريكي بهذا الأسلوب يعني أنه يريد الحرب على إيران.
المشهد الراهن، بعد ضرب الحوثيين، أن الطريق إلى المناورات أصبح محدودًا للإيرانيين، وإلى عبدالملك الحوثي شخصيًا. يجب أن يبادر ليس إلى التصريحات والتهديدات، مثلما فعل بإطلاق صواريخه على مدمرة ترومان، ولكن إلى التفاهم مع الشركاء الإيرانيين، ومع دول الشرق الأوسط، العرب والأتراك.
ترامب يضرب الصواريخ والطائرات في صنعاء والحديدة، ويقول إنه يواجه الانتهاكات الحوثية في تهديد الملاحة البحرية واستخدام الزوارق المفخخة والمسيرات عن بعد لاستهداف السفن البخارية وناقلات النفط في البحر الأحمر.
وقال ترامب في تغريداته وتصريحاته بأنه من الآن فصاعدًا سينظر لكل طلقة يطلقها الحوثيون على أنها خرجت من أسلحة وقيادة إيرانية، وستتحمل إيران المسئولية، وستواجه عواقب وخيمة. وعلى الرغم من الصراحة غير الدبلوماسية من الرئيس الأمريكي، فما زال الطرفان (الحوثي والإيراني) يلهوان بل يلعبان اللعبة الخطرة التي لا تهددهما وحدهما، لكن تهدد الشرق الأوسط كله.
يبدو لي أن ترامب له أولوياته، ليس أمريكا أو روسيا أو آسيا أو غزة أو فلسطين، الأولوية الأولى هي إسرائيل ومخاوفها أو رؤيتها لمكانتها في المنطقة العربية أو في الشرق الأوسط عمومًا، وأتفق مع سياسي أمريكي أن الصهيونية هي أيديولوجية إسرائيل، وترامب يهتم بها أكثر من أمريكا نفسها، ورهاني ثلاث معلومات مهمة، الغموض الذي يكتنف مستقبل مبعوثه، بوهلر، الذي دفع ثمن لقائه مع حماس وغضب إسرائيل على هذه الخطوة.
الثاني ما ظهر في آخر اجتماع للدول السبع عندما أسقطوا لأول مرة بيانهم بحل الدولتين، والاكتفاء بالأفق السياسي للحل الفلسطيني وهو ما يرضي نتنياهو ويمينه الفج، الحاكم الآن في إسرائيل.
والثالث هو الاتجاه نحو إيران لوضع حد واستكمال حرب إسرائيل في الشرق الأوسط مع إيران مباشرة لتصفيتها مع برنامجها النووي ونفوذها، بل وجودها في الشرق الأوسط.
لا أعرف وسيطًا يهدئ من روع ترامب، لكن أعرف أن الصين والروس والعرب لا يريدون حربًا جديدة في الشرق الأوسط، هل تساعدهم طهران؟ هذا هو السؤال الصعب، ويبدو أن كل الفرص تتآكل بسرعة، وحان وقت القرار أو وقت وقف الحرب التي خرج عنوانها من الأدراج ووضع على الطاولات.