عادةً ابتدعناها منذ سنوات عديدة؛ أن نشاهد في شهر الخير والبركات عددًا من الإعلانات التي تقدمها مؤسسات المجتمع المدني؛ والتي تحض على التبرع لكيانات تابعة لها مثل المستشفيات التي تقدم العلاج المجاني وما شابه.
وبتنا نلاحظ أنه في كل عام تأخذ الصورة التي تقدمها الإعلانات أبعادًا أكثر إبهارًا، سواء من ناحية قصة الإعلان أو نجومه أو الصوت... إلخ؛ وهي أبعاد الغرض الأساسي منها إقناع المشاهد بكل السبل والوسائل الممكنة، وأحيانًا المزعجة، بالتبرع.
أحد الأسباب أننا على أعتاب زكاة الفطر، والسبب الآخر أن كثيرًا من الناس تفضل التصدق في الشهر الكريم. وعند مشاهدة أي عمل درامي أو برنامج، أيًّا كان هدفه أو مضمونه، لا بد من وجود الإعلانات، سواء التي تحض على التبرع أو شيء آخر.
إلا أن اللافت هذا العام هو وجود سيل من هذه الإعلانات يُبَثّ في وقت عرض دراما لا يتناسب إطلاقًا مضمونها مع الرسالة التي تتمنى الإعلانات إيصالها للناس.
فكيف يمكن عرض إعلان يدعو الناس للتبرع لاستكمال بناء مستشفى لعلاج المرضى، وسط عمل درامي يُقتل فيه الناس بعضهم بعضًا، أو أثناء عرض مشاهد فجَّة مخيفة تدعو للعنف والقتل والبلطجة؟
هل هذه أجواء تشجع المشاهد على الاقتناع بالرسائل الإعلانية الحاضة على التكافل وإظهار الروح الخيرية، وسعي الناس لتزكية الخير؟
مما لا شك فيه، وبكل تأكيد، أن الناتج المرجو تحقيقه سيكون ضئيلًا للغاية، ولم لا ونحن نشاهد مشاهد غريبة على المشاهد المصري؛ عنف وقتل وابتذال وإسفاف، ثم نقطع مشاهدته بإعلان يدعوه ليكون خلوقًا وبَرًّا؟!
ليست الغرابة هنا فقط، ولكنها تجاوزت ذلك. أعِي أن هناك عقودًا واتفاقات تمت قبل العرض، ولكن أعِي أيضًا أن هذه الإعلانات وتلك الحملات قد تكون بأموال المتبرعين، حتى لو أن هناك من يُعلن أن وجوده في الإعلان مجاني؛ لكن هل البث بكل تلك الكيفية مجاني أيضًا؟!
الأمر غريب، وغير مفهوم، وغير مبرر، وحرصًا على أموال المتبرعين، التي لا بد من الحفاظ عليها ووضعها في إطارها الصحيح، لا بد من إعادة النظر في مسألة بث تلك الإعلانات الاجتماعية التي تدعو للتكافل المجتمعي أثناء ما أشرتُ إليه من أعمال درامية هدفها هدم بنيان المجتمع.
كيف يقتنع المشاهد، الذي أسعى لجذب انتباهه الكامل وتوجيهه صوب التبرع لعمل خيري، عندما أبث له رسالتي وسط كل هذا الترهل الفني السيئ الغريب العجيب، الذي لم يشاهد الجمهور المصري كميته المزعجة تلك من قبل؟!!
أكاد أشعر باستياء الناس مما تحمله عدد غير قليل من الأعمال الدرامية التي يشاهدونها هذا العام؛ فليس هناك لعدد كبير منها مضمون جيد أو فكرة مبهرة رائعة، اللهم إلا عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
فإما أن نحسن اختيار الأجواء التي يتم فيها بث الإعلانات التي تدعو للتكافل والتبرع، وإما أن يكون هناك وقفة.
ولا علاقة لنا ببقية الإعلانات التي تسوِّق للقصور وما شابه، فهذه أموال أصحابها، وهم أحرار فيما يفعلون.
فالأمر ليس هينًا علينا أو على المتبرعين، حتى تؤتي الإعلانات ثمارها.
والله من وراء القصد.
[email protected]