مع اقتراب شهر رمضان من نهايته ومع هذا العدد الكبير من الأعمال الدرامية والبرامج التي يتم بثها عبر الشاشات والمنصات المختلفة تظل علامات التناقض واضحة جلية بين جلال هذا الشهر وبين مخرجاته، هذه الأعمال التي ينفق عليها مئات الملايين من الجنيهات جاءت هذا العام مثل المراكب الهائمة وسط أمواج عاتية بلا شراع يضبط وجهتها إلى شاطئ الأمان، بعيدًا عن التقييم الفني لهذه الأعمال الدرامية والبرامج فإن علامة استفهام كبيرة تطل بإلحاح حول عدم استفادة الدولة من هذا الزخم الفني الذي يواكب شهر رمضان؛ بحيث تكون مخرجاته داعمة لمشروع الجمهورية الجديدة الهادفة إلى بناء إنسان مصري واع، ومحصن يتمسك بهويته، وينتمي بحب إلى هذا الوطن الحبيب.
البعض سوف يحاول أخذ الأمور إلى جدل عقيم حول حرية الإبداع وأهمية عدم فرض قيود على المبدعين ومن ثم ترك الأمور، كما تسير وكأن المبدعين لا يعرفون سوى السلبيات ونشر سلوكيات لا تناسب تقاليد وقيم مجتمعنا . عندما تحتوي المسلسلات والبرامج على ألفاظ خادشة أو تروج لسلوكيات غير بناءة، فإنها قد تؤدي إلى تطبيع هذه السلوكيات، خاصة بين فئات الشباب والمراهقين بحيث يصبح ما يُعرض على الشاشة مقبولًا بشكل تدريجي في الحياة اليومية.
هناك العديد من الأعمال التي أثرت في وجدان الشعب المصري بعيدًا عن الإسفاف أو الابتذال مثل ليالي الحلمية، إمام الدعاة، والاختيار وغيرها كثير . الثراء الذي تتمتع به مصر من فنانين متميزين، وتاريخ، وحاضر يمثل معينا لا ينضب أمام كل مبدع مخلص للوصول لأعمال فنية تمثل لبنات متينة في بناء مجتمعنا خاصة مع هذه الحرب الشرسة على هويتنا وقيمنا الوطنية. أظن أن المتابعين لخريطة الأعمال الدرامية، والبرامج الرمضانية هذا العام يتفقون على أن معظمها سقط في فخ أعمال التسلية والإلهاء، والإسفاف بعيدا عن مناقشة قضايا تهم المواطنين، أو تسليط الضوء على مخاطر يجب الانتباه إليها أو تقديم نماذج متميزة تمثل قدوة لأطفال أو لشباب في بداية حياتهم.
وأن يتبنى القائمون على الأعمال الدرامية قضايا تمس المجتمع بشكل إيجابي مثل الصدق، النزاهة، والعمل الجماعي، وغيرها يمثل ترجمة حقيقية لسمو رسالة الفن، وكما قال فيكتور هوجو "إذا أردت أن تعرف مدى رقي أمة، فانظر إلى فنها" . من المتابعة لهذه الأعمال يتضح وجود ثلاثة منتجين رئيسيين لها، وبالتالي فإنهم يمكن أن يتفقوا على خطوط رئيسية لما سيتم إنتاجه مستقبلا بحيث تترجم قيم، وتوجهات الدولة هادفة للارتقاء بمجتمعنا، وعدم تكرار ما حدث هذا العام والذي أخرج لنا صورة مشوهة المعالم لا تعكس الشخصية المصرية، ولا طموحات وآمال كل من يحب الكنانة وشعبها.