فإنه ليس ثمة شك في أن الاختلاف سنة كونية، قد يكون محمودًا إذا كان الاختلاف في الرأي من أجل الوصول إلى الجادة والصواب وإثراء الفكر تنويرًا، أيًا كان هذا الفكر وأيًا كان المفكر وسيكولوجية تكوينه.
وقد يكون الاختلاف مرذولًا إذا ما كان اختلافًا من أجل الاختلاف ومن أجل حب الظهور، أو من أجل إثارة الفتن والبلبلة وإثارة التشكيك وإحداث ما يسمى بالفوضى في المجتمع، أيًا كانت موضوعات الاختلاف، سياسية كانت أو اقتصادية، أو الاختلاف حول الثقافة بإطلاق.
لكن الرأي عندي أن الاختلاف المرذول يكون مرذولًا جدًا إذا ما كان الاختلاف حول مسائل فقهية، وأن المختلفين فقههم قاصر وغير بارعين في العلوم الشرعية، هنا سيحدث ما لا تحمد عقباه، فسيحدث التشتت والتشرذم وعدم الاجتماع على رأي واحد قد يعصف بالقضية الخلافية ويخرجها من سياقاتها وتتحول إلى جدليات جوفاء مفرغة من المضمون. وهذا ما يمكننا تسميته خلافًا من أجل الخلاف، جدل من أجل الجدل.
وهذا ما يحدث الآن الاختلاف على العالم الفلاني، اختلاف شكلًا ومضمونًا، شكلًا على مظهر العالم وطريقة لباسه ولحيته وأزواجه.
ومضمونًا اختلاف على آرائه الفقهية وما يتعلق بقضايا التشريع، وقضايا العقيدة كالرأي حول تعدد الزوجات، وعمل المرأة وحجابها ومساعدتها لزوجها وأهله وإرضاعها لصغارها، على الرغم من أن هذا العالم قد أعد عدته الشرعية من خلال أدلة من القرآن الكريم والسنة، واجتهادات من سبقه من العلماء.
لكن تفاجئه طائفة ليس لها هم بالليل والنهار إلا إلصاق التهم بهذا العالم كنعته بالمتشدد، أو أنه لا يريد خيرًا للمجتمع المدني، أو يريد أن يعود بالأمة إلى عصر الجاهلية والعصور الوسطى المظلمة.
فنجد هذا العالم في حيرة من أمره، لو أرضاهم سيكون أغضب الله، ولو أغضبهم فلن يستطيع العيش معهم، فمنهم من يعتزل القوم، ومنهم من ينخرط ويسبح مع التيار، والآخر المشاكس الذي يظل على رأيه ويتحمل كل ما يتعرض له من صنوف المضايقات.
لكن هذا العالم الذي يعرف الأحكام الشرعية وليس جاهلًا، ولكن قد تخفى عليه بعض الأمور وتشتبه عليه بعض الأشياء فيجتهد ويتحرى الحق وينظر في الأدلة الشرعية، ليس هذا وحسب، بل ويعرضها على العقل.
ثم تحدث الكارثة الكبرى، فإذا ما مات العالم الذي كان مختلفًا على علمه في حياته، يختلف عليه أيضًا بعد مماته، فمن كان يعارض فكره وعلمه يصب عليه وابلاً من اللعنات، ووابلاً من السخرية والتهكم والتشهير به، ليس هذا فحسب، بل ويصل الأمر إلى الدعاء عليه بأبشع الأدعية ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ويخاض في عرضه وعرض أهل بيته.
لكن ما نود قوله في هذا المقام أن العالم أيًا كان مجال تخصصه لا ينبغي أن يعامل بهذه المعاملة السيئة، فإن ذلك سيكون مدعاة للشماتة، وقد يقال عند أعداء الأمة العربية والإسلامية، انظروا إليهم يسبون بعضهم بعضًا ويلعنون بعضهم بعضًا ولا يتفقون فتحدث التفرقة والافتراق ويحدث الانقسام.
وينبغي على هؤلاء وأمثالهم التوقف عن مثل هذه الأفاعيل الشيطانية والتوقف عن القدح والسب والقذف، فكل قاذف الآن سيقذف غدًا، وكل ساب اليوم سيسب غدًا وهكذا.
وليعلم الجميع أن موت العالم خصوصًا العالم المتبحر في علوم الدين الإسلامي ثلمة، يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى: "إن موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما طرد الليل والنهار".
* أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان