على تلةٍ رملية عالية، يقف مسجد أبو مندور الأثري شامخًا، في قلب مدينة رشيد بمحافظة البحيرة؛ تحوي جدرانه أسرارًا، وتلتقي بين جنباتها روحانيات شهر الصيام بتاريخ ممتد منذ العصر الفاطمي؛ حيث يفتش بعضهم عن عبق الماضي بين أعمدته الرخامية.
موضوعات مقترحة
من هو أبو مندور؟
يقول مدير أثار رشيد، أحمد حبالة: قبل نحو الألف عامٍ، قدِم العارف بالله محمد أبو مندور، والذي يمتد نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب إلى رشيد عام 991 م؛ حاملًا علوم الدين وأسرار التصوف.
لقّبه الناس بـ«أبو النضر» لقوة بصره، وبقي 11 عامًا يُعلّم الناس ويرسم ملامح مسجدٍ أصبح لاحقًا إرثًا خالدًا.
رحل العارف بالله محمد أبو مندور عام 1002 م، ودُفن في ضريح داخل المسجد، الذي جرى تسجيله ضمن الأثار الإسلامية عام 1312 هـ / 1897 م.
مسجد أبو مندور في رشيد
عمارة مسجد أبو مندور.. تفاصيل تسرد عظمة الفن الإسلامي
للمسجد أربعة واجهات، يتوسط القطاع الشمالي من الجهة الغربية مدخل المسجد الشرقي المعقود بعقد ثلاثي مدائني، ويعلو عتب المدخل لوحة من الرخام الأبيض عليها كتابة عربية بخط الثُلث تحمل تاريخ الإنشاء 1312 هـ.
ويتوسط الواجهة الشمالية مدخل تذكاري بارز عبارة عن فتحة مستطيلة يتوجها عقد ثلاثي، وفي الطرف الغربي للواجهة الشمالية توجد واجهة السبيل.
وعند الواجهة الغربية فتح بها باب مستطيل يتوجه عقد ثلاثي، بينما الواجهة الجنوبية، فالجزء الشرقي منها يمثل واجهة الضريح، أما الجزء الغربي فتوجد به شبابيك مستطيلة من الحديد.
مسجد أبو مندور في رشيد
مسجد أبو مندور من الداخل
يحتوي المسجد على ساحة مربعة مقسمة إلى ثلاثة أروقة بواسطة بائكتين من الأعمدة الرخامية التي تحمل عقودًا مدببة يقوم عليها السقف الخشبي.
محراب مسجد أبو مندور
يتوسط جدار القبلة، وهو معقود بعقد مدبب يرتكز على عمودين من الرخام بتيجان مقرنصة.
منبر مسجد أبو مندور
مصنوع من الخشب، ريشتاه من الخرط الخشبي المعقلي، ويحتوي على أشكال لأطباق نجمية، بينما يحتوي باب المقدم على أشكال نجمية وأشكال دقماق يعلوه مقرنصات ذات دلايات.
مسجد أبو مندور في رشيد
ضريح أبو مندور
يقع الضريح في الجزء الجنوبي الشرقي من جدار القبلة، وبابه من مصراعين من الخشب المزخرف بأطباق نجمية وأشكال هندسية، ومطعم بالعاج والصدف.
تعلو حجرة الضريح قبة تقوم على حطات من المقرنصات، وقد تم فتح برقبتها ثمانية مناور صغيرة للإضاءة والتهوية.
مئذنة مسجد أبو مندور
تقع المئذنة في الجهة الجنوبية الغربية للمسجد، ولها قاعدة مربعة يعلوها طابق مثمن مزخرف بمقرنصات بارزة تقوم عليها دورة المؤذن، يعلو هذا الطابق طابق آخر ينتهي من أعلى بقمة المئذنة المدببة.
مسجد أبو مندور في رشيد
تل أبو مندور.. أرض المعارك والأسرار القديمة
يمتد التل الأثري، الشاهد الحاضر على الحضاراتٍ المتعاقبة، إلى تحت أقدام المسجد، وعُرفت هذه المنطقة قديمًا باسم "بولبتين".
هنا؛ دارت معارك ضارية بين الملك مينا وأهالي المنطقة، وصنع المصريون القدماء عجلاتهم الحربية، وشهدت معارك الملك «منبتاح» ضد الإغريق والصقليين.
وبدأت أعمال التنقيب في تل أبو مندور عام 1992 واستمرت حتى 2010، حيث تم الكشف عن العديد من القطع الأثرية المحفوظة في مخازن آثار رشيد، إلى جانب اكتشاف مبانٍ تعود إلى العصر البيزنطي.
مسجد أبو مندور في رشيد
مشروع التطوير.. إحياء للتراث وفتح لأبواب التاريخ.
بعد قرونٍ من الإهمال، أطلقت الدولة مشروعًا ضخمًا لترميم المسجد وتطوير محيطه؛ فتم رصف الطرق التي ساعدت على أن تصل إليه القوافل السياحية بسهولة، وتحوّلت المنطقة إلى لوحةٍ بديعة جمعت أسرار الماضي وتطوير الحاضر.
اليوم، لم يعد الوصول إلى التل يتطلب مراكب شراعية، كما كان متبعا في السابق؛ بل أصبحت الرحلة جزءًا من المتعة.
إذا مررت برشيد، مدينة المليون نخلة والآثار الإسلامية، فلا يفوتك زيارة ولو قصيرة عند مسجد أبو مندور، لتسمع حفيف أوراق التاريخ، وتلمس بأطراف أصابعك حجارةً حملت همسات المصلين على مرّ العصور، وربما تحصل على هدية من زمن مضى بقطرة ماء من البئر.