المشهد أسوأ مما يوصف... ولكنهم (يرونه بعيدًا ونراه قريبًا)
لسنا جبابرة أو من كوكب آخر... نحن بشر لنا مشاعر ولدينا قدرة على التحمل
العدو كان ينتقم حتى من الأشجار... ولا يوجد ما نتمسك به إلا الأرض لأنه لا يوجد أي شيء فوقها
80 % من سكان غزة لا علاقة لهم بالمقاومة أو الأحزاب... فقط كانوا يريدون الحياة بدلا من انتظار الموت
معظم الأبنية المدمرة أسفلها جثامين آلاف الشهداء لا يستطيع أحد الوصول إليها لعدم وجود معدات ثقيلة
هدف الحرب لم يكن فقط إخضاع المقاومة... ولكنه انتقام دموي من الجميع
أحداث 7 أكتوبر 2023 هي التي أعادت البوصلة مرة أخرى للقضية الفلسطينية عالميًا
التهجير لن يتم لأننا لن نترك أرضنا... ولا دولة ترغب في استقبالنا
نحن معتادون على الدمار لكن اعتدنا تجاوز الصدمات من كثرتها... ونستطيع إعمار غزة خلال عام واحد فقط
عاش كل شيء من أول لحظة، مثل كل أهالي غزة العاديين، نعم كان يعمل صحفيا ثم في مجال الدعاية.. لكنه مواطن عادي جدا مثل مئات الآلاف.. هؤلاء الذين لا يستمع احد لرأيهم حتى في حياتهم أو موتهم.. فقط الكل يراهن عليهم بغض النظر عما يستطيعون احتماله، ينظرون لهم بتعاطف وقت الدمع أو بفخر وقت الجلد وصبر الجبال... لكنهم بشر ويريدون الحياة مثل بقية أهل الأرض، فلا البؤس مفروض عليهم، ولا الفرحة عندهم تكتمل، تعالوا نتوقف ولو لمرة وحيدة مع أحد أصوات المهمشين في التغريبة الفلسطينية.
رشاد سيف رجب... ينطبق عليه وصف "واحد من الناس" حرفيا، مثل مئات الآلاف من سكان غزة الذين لا ينتمون نهائيا لأي تنظيمات أو أحزاب.. فقط مواطنون عاديون يريدون الحياة الكريمة لهم ولأولادهم، فقط الحياة، عمره 33 عاما وحاصل على بكالوريوس لغة عربية، عمل صحفيا من عام 2015 حتى 2020 ثم اتجه للعمل الحر وأسس شركتين، الأولى في مجال الدعاية والإعلان، نظرا لخبرته الكبيرة في الجرافيك، والثانية في مجال الكوزمتكس أو أدوات التجميل، ثم فجأة... تغير كل شيء، أو بشكل أدق..تدمر تماما.
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
استيقظ رشاد يوم 7 أكتوبر 2023 على أخبار العملية التي قامت بها حركة حماس وأسرت خلالها عشرات الإسرائيليين، ورغم استقباله- مثل كثيرين- لما حدث بشيء من الدهشة والفرحة.. ولكنه أيضا كان يترقب الرد ويعرف أنه سيكون قاسيا، لكنه لم يتخيل نهائيا أن يكون بكل هذه الدموية، سألته في البداية عن اللحظة الحالية.. بعد نحو 17 شهرا من طوفان القتل المتواصل، المشهد أسوأ مما يوصف، لكن... هل بالفعل الدمار طال كل شيء في غزة؟ لم يعد هناك أي شيء يصلح للحياة؟ الصورة الجميلة لشاطئ مدينة غزة التي يضعها في مقدمة صفحته علي فيسبوك.. هل بقي منها أى شيء؟، يقول: للأسف نعم، الدمار طال كل شيء، تكاد لا ترى كل 10 أمتار إلا منزلا مهدما أو قذيفة ساقطة، هناك فرق بين القوة التدميرية للصاروخ ومكان الاستهداف، بمعنى يمكن العدو أن يستهدف منزلا لكن قوة الشظايا والتفجير تصيب 100 منزل في محيط الضربة، لهذا كل شيء مدمر تماما، القطاع كله أصبح مجرد ركام وأنقاض.
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
رشاد كان يعيش في الشمال، وتم تهجيره مع توالي الضربات الإسرائيلية في بداية الحرب نحو الجنوب، وعقب الهدنة- التي لا نعرف مصيرها بعد كتابة هذه السطور- عاد في مسيرات مع عشرات الآلاف قاطعا مسافات طويلة على قدميه نحو الشمال من جديد، لم يعرف الحي الذي نشأ وتربي وعاش فيه، شاهد إبادة كاملة لكل شيء، يقول: صدمة لا توصف، كل ذكرياتك وحياتك ليس لها أثر، البيوت والمساجد والمستشفيات، لقد تدمر كل شيء، يبدو أن العدو كان ينتقم حتى من الأشجار والحيوانات، ربما البعض يعتقد أن الفلسطيني من كثرة الأهوال التي عاشها فقد اعتاد هذا الدمار لأنه حدث مرة واثنتين وعشرة..
وفي كل مرة ينهض ويبني من جديد، لكن الحقيقة هذه المرة تختلف، لأنه لا يوجد ما نتمسك به إلا الأرض.. حرفيا، لا يوجد أي شيء سواها، كل ما عليها ضاع، الشعب الفلسطيني مثله مثل باقي شعوب الأرض، يحب الحياة ويبغض الموت، يريد أن يعيش في سلام، لقد اعتاد الترحال، اقل عائلة في هذه الحرب نزحت 10 مرات والبعض 20 مرة.. أصبحنا كالرّحالة، لكن بعض العائلات فعلا تعبت، لم يعد لديها مقومات الحياة أو الصمود، نحن نتشبث بأرضنا... لكن الحقيقة، الكثيرون يعيشون في حالة موت إكلينيكي، يعيشون في العراء بلا أي شيء.. لا بيوت ولا ماء ولا كهرباء ولا مستقبل لأولادهم، فقط ينتظرون تجدد القتال.. والموت.
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
رشاد في رحلة عودته إلي الشمال لم يعد يفرق بين الشوارع والأبنية بعدما سويت كلها بالأرض، يقول: كانت على مرأى النظر فقط أنقاض، حتى علامات الشوارع اختفت.. لا توجد معالم لتتعرف بها على المناطق، والمؤلم أن معظم هذه الأبنية المدمرة أسفلها جثامين لم تستخرج، آلاف الشهداء لا يستطيع احد الوصول إليهم بسبب حاجتنا لمعدات ثقيلة غير موجودة.
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
الصحفى رشاد سيف من قلب مدينة غزة
في رواية "مئة عام من العزلة" لماركيز، عندما تقع قرية ماكوندو في قبضة داء الأرق لعدة شهور، يتسرب الخوف إلى نفوس السكان، حيث يصبح هاجس النسيان مسيطرا عليهم، يخشون فقدان أسماء الأشياء والأحداث، فيلجأون إلى كتابة كل شيء، ويعلقون القصاصات على كل ما حولهم، لم يكتفوا بتسمية الأشياء، بل وصل بهم الحال إلى تدوين وظائفها وفوائدها، حتى شمل ذلك الأبقار والماعز والدجاج وغيرها، يصف ماركيز هذا المشهد قائلا: "ظلوا يعيشون في واقع متأرجح، ممسكين به مؤقتا عبر الكلمات، لكنهم كانوا يعرفون، في أعماقهم، أن هذا الواقع سينفلت منهم إلى الأبد عندما ينسون معاني الكلمات"، لو دققنا بعض الشيء.. لربما هذا هو حال أهل غزة عقب كل دمار يعيشونه، وقد يكون هذا سببا أن رشاد مازال ينشر بعض صوره قبل الحرب، ومعها صوره بعدها والتى يبدو فيها مختلفا تماما، حاله مثل حال مدينته. #
رشاد كان بالفعل متأثرا ليس فقط لحجم الشهداء الكبير جدا الذين راحوا في هذه الحرب، نحو 50 ألفا ومثلهم مازالوا تحت الأنقاض بخلاف عشرات الآلاف من الشهداء، ولكنه كذلك يسلط الضوء على حقيقة ربما لا يريد كثيرون الجهر بها صراحة، خاصة وسط الأوضاع الحالية، وهي أنه مع تقدير كل أهل غزة لدور المقاومة.. لكن هذا لا يعني موافقتهم على كل قراراتها، فمثلا.. عقب تهديد حركة "حماس" منذ أيام بوقف صفقات تبادل المحتجزين بالسجناء..
مما جعل الرئيس الأميركي يهدد بأن يفتح عليها (الجحيم)، وقتها كتب رشاد (تخيلوا الحالة العصبية التي نمر بها نتيجة التصريحات المتبادلة بين العدو والمقاومة وأمريكا وغيرها، أصبحت ليست لدينا القدرة على غرس شجرة واحدة أو اعمار حائط واحد، إن تجددت الحرب فلا مفر من الموت هذه المرة)، سألته: المواطن الفلسطيني العادي.. أقصد غير المنتمي لأي تنظيم مقاوم، كيف يرى ما حدث؟ رد قائلا: المواطن العادي مدمر فعليا، أصلا كل غزة مواطنين عاديين... فقط نسبة 20% هي مقاومة أو أحزاب، معظم الشعب أشخاص بسطاء يحبون الحياة، هذه الفئة يعتقدون أنهم لا ناقة لهم ولا جمل وكان يجب أن يعيشوا حياة أفضل من حالة انتظار الموت هذه.
ربما من يستمع لكلمات رشاد يعتقد أنه يوافق رؤية البعض، خاصة خارج غزة وفلسطين، الذي يعتقدون بشكل مبدئي أن ما حدث في 7 أكتوبر 2023 هو المقدمات التي بسببها نعيش كل هذه النتائج المدمرة، والتي وصلت لتهديدات التهجير وتصفية الوجود العربي في فلسطين للأبد، لكنه الحقيقة يرى غير ذلك تماما، ويضيف: لا بالعكس، أحداث 7 أكتوبر 2023 هي التي أعادت البوصلة مرة أخرى للقضية الفلسطينية عالميا، أين كانت القضية قبل ذلك التاريخ؟ سلطة بلا صلاحيات ودول عربية تعقد اتفاقيات نحو التطبيع وعالم لا يرانا، كان لابد من حدث ضخم يعيد البوصلة ويذكر العالم بأن هناك شعبا يستحق الحياة ويعاني.
رشاد يقول: إنه بعدما شاهد الدمار الذي حل بمناطق الشمال، لا يعتقد أن الهدف كان إخضاع المقاومة، أو دمار له هدف تكتيكي حسب مجريات الحرب، بل كان انتقاما دمويا من الجميع، لكن... هل يعتقد أنه من قبل الهجوم كانت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتهجير هذه مطروحة في إسرائيل.. ودمار غزة كان خطوة ومبرر لتنفيذها؟ يجيب: التهجير أبدا لن يتم، لأنه ببساطة نحن لن نترك أرضنا من ناحية، فنحن نعرف جيدا أن الخروج هذه المرة سيعني هجرة أبدية وبلا عودة، وأيضا لأنه لا رغبة لأي دولة في استقبالنا من ناحية أخرى، بالمناسبة، نحن معتادون على الدمار، انا شخصيا عمري 33 عاما وعاصرت الانقسام وحرب 2008 و2012 و2014 وغيرها، وفي كل مرة لم أكن أتوقع الدمار... لكنا مازلنا موجودين، نعم يموت منا الآلاف.. لكن من يعيش يكمل المسيرة، ليس فقط في المقاومة أقصد.. لكن حتى في التمسك بحق الحياة هنا علي أرضنا.
مع كامل الرفض لأي حديث عن التهجير أو التخلي عن الأرض والاستسلام لمؤامرات تصفية القضية، لكننا هنا نتحدث عن حياة بشر عاديين... فهل عندما يجد الفلسطيني نفسه وأبناءه يعيشون وسط قصف جوي يحمل الموت كل ساعة، واحتلال دموي يقتل بلا تفرقة في إبادة واضحة، هل يراودهم التفكير في الخروج حتى من باب حفظ النفس؟ وهل المشكلة في كيفية الخروج نفسه أم في الخوف من عدم السماح بالعودة مرة ثانية؟، يقول رشاد: المشاعر معقدة ولا يفهمها إلا من يعيشها، من ناحية أؤكد لك أننا لن نترك أرضنا وأهلنا وسنموت هنا، لكن عندما يأتي هذا الموت وتجده يهددك بقتل أبنائك، تجد نفسك بشكل فطري تبحث عن مخرج، والبعض بالفعل هاجر ليس من الآن... لكن من سنوات طويلة، بحثا عن تعليم أو حياة أفضل، لكن البعض لا يجد ثمن الخروج، فيظل منتظرا لمصيره.
بعيدا عن التصعيد الحالي، ولنفرض أن وقف إطلاق النار ظل مستمرا، لكن وسط البرد الشديد والأمطار وقلة المساعدات والحياة بلا كهرباء ولا غاز ولا مياه ولا مستشفيات مجهزة، بجانب عدم وجود مدارس أو أي شيء صالح للحياة، كيف هي خطة الشعب نفسه، هنا لا نقول السلطة أو حماس، نتكلم عن الناس العاديين، كيف يخصصون للتعايش خلال الفترة القادمة؟ فالأمم المتحدة تقول: إن إعادة بناء غزة ستستغرق سنوات طويلة وتحتاج لأكثر من 55 مليار دولار؟ يقول رشاد: بعدما قامت الحرب بأيام قليلة، وعقب نزوحنا نحو الجنوب، وصلتني صور صادمة لدمار شامل للشركتين اللتين امتلكهما، كل شيء أصبح مجرد تراب، ولكننا اعتدنا تجاوز الصدمات من كثرتها، فاتجهت لمساعدة الناس وقمت بإنشاء 3 مخيمات تأوي 1500 فرد، والحمد لله قدمت خدمات لأكثر من 40 ألف نازح عن طريق كوبونات طعام وشراب على مدار عام ونصف العام ، نفذت أكثر من 800 مبادرة جماعية، وبعد وقف إطلاق النار عدنا لأماكننا.. أو للأرض فقط، وكلنا أمل في إعادة تدمير ما دمره المحتل، ورغم أنني لا أعتقد انه فقط 55 مليار دولار لإعادة البناء... الأمر سيتعدى البليون دولار، لكن بالنسبة للمدة فنحن شعب نشيط جدا وأينما حط رحاله يعمر، فانا اعتقد انه لو تم إدخال مواد البناء نستطيع تعمير غزة خلال عام واحد فقط، وحسب الخبرة والحروب السابقة التي خضناها، نحن نعيد تدوير كل شىء ليصبح قابلا للاستخدام.
الحقيقة طبيعة هذا الشعب الفلسطيني العظيم تذهلنا بالفعل، ابتلاءات بالجملة في كل ما يتخيله المرء، ورغم ذلك تجدهم صابرين ومتمسكين بالحياة والأرض، وربما سر جنون العدو ليس فقط من المقاومة.. لكنه من الشعب نفسه الذي يعاني من كل شيء ورغم ذلك مستمر ويواصل ولا يستسلم، يكمل رشاد: هذا كلام صحيح لكن بصراحة مثلما قلت لك.. نحن مثل كل الشعوب، لسنا جبابرة أو من كوكب آخر، نحن بشر لنا مشاعر ونحزن ونفرح ولدينا قدرة على التحمل، بالعكس.. شعبنا شعب لطيف لا يستحق ما يحدث له.
الأصعب من الصدمة هو ما بعدها.. عندما تهدأ وتدرك ما أصبحت فيه وهو ما يسموه "ما بعد الصدمة"، لكن المشكلة كما يقول رشاد إن أهل غزة لا يعرفون متى ستكون نهاية هذه المأساة لكي يفكروا فيما هو بعدها، ويضيف: حتى اللحظة لم نصل إلي مرحلة ما بعد الصدمة، نحن حاليا وسط الصدمة، لم ينته الموت... هل تعلم أن هناك عشرات الشهداء سقطوا من لحظة إعلان التهدئة ورغم وجود اتفاقية وقف إطلاق النار؟ من الخارج ترونها هدنة... لكن الحقيقة الأمور لم تحل بعد.
بمناسبة الهدنة، ونكرر أننا لا نعرف ماذا حدث بعد كتابة هذه السطور، هل يعتقد أهل غزة أن هناك حلولا وسطا في مسألة التهجير هذه، وأصلا من خلال خبرتهم الطويلة بهذا العدو الذي نادرا ما ألتزم معهم بعهد.. هل يتوقعون أن تطول مدة الهدنة؟ يرد رشاد قائلا: لا اعتقد ان الهدنة ستطول ، لأننا نجابه أسوأ عدو عرفته البشرية، الأنبياء لم يسلموا منهم... فكيف نأمن نحن؟ فقد كان الدمار عبارة عن همجية مطلقة، فمثلا ماذا يضر العدو لو تركوا شجرة واحدة سليمة، الشجر لا يطلق الصواريخ، أو ماذا يضر العدو لو تركوا صالات الأفراح، أو أماكن الترفيه، هو يعلم انه لن يجد هناك مقاومة، الأمر لا يتعلق بالمقاومة بل بأسلوب إجرامي بحت، تشعر بأن الأوامر التي تلقاها الجيش من قادته ليست أوامر عسكرية حربية بل أوامر انتقامية، لقد شاهدت أكثر من 50 كم منازل مدمرة ولم أجد مسجدا أو بئر مياه أو مدرسة قائمة، لو لم تكن هناك مقاومة سيبحث العدو عن ألف ذريعة للانتقام .
بالمناسبة، الذين خرجوا من فلسطين طوال 70 عاما كانوا يتوقعون عودتهم يوما ما، وهو ما لم يحدث، فكيف يرى أولادهم وأحفادهم الوعود التي تقول لهم اخرجوا لكي نشيد (ريفيرا الشرق الأوسط) ثم تعودون؟ رشاد يقول: إن الموجودين بالداخل سيفرضون كلمتهم.. لكن الموجودين بالخارج سيعودون يوما ما، ويضيف: يرونه بعيدا... ونراه قريبا، وما حدث من دخول الأبطال في 7 أكتوبر نحو أرضنا المحتلة هو سيناريو بسيط لما قد يحدث في يوم من الأيام.
رشاد نشر علي وسائل التواصل الاجتماعي صورة له مع ابنته وكتب تعليقا عليها (وجوهنا لا تبدو بخير رغم الابتسام.. لا نعلم متى ينتهي هذا الكابوس؟)، بالمناسبة، البعض كان يطالب بالسماح بخروج الأطفال والنساء والشيوخ والمرضي والمصابين حتي يكونوا بأمان، والبعض الآخر يراها بمثابة فخ لكيلا يصبح أمام العدو إلا من هم في سن القتال أو المقاومة، يعلق رشاد قائلا: 60% من المجتمع الفلسطيني مجتمع شبابي، فحتي لو حدث هذا الحل... سيتبقي مئات الآلاف لن يستطيع العدو مجابهتهم، وربما كثيرون لا يعرفون شيئا عن واقع أهل غزة، فالمجتمع في القطاع ذكي ونشيط، وبشكل عام مجتمع مرفه، نعم.. وهذا ينعكس على أكله وملابسه، فأنت لا تجد ملابس بالية قبل الحرب أو تجد أطفالا لا يأكلون أفضل شيء، هو شعب عزيز النفس لدرجة كبيرة جدا، المجتمع في غزة متدين بطبعه، فالأغنياء يؤمنون بمبدأ الصدقات للفقراء، لهذا يعطفون على غير المقتدرين لينعم الجميع بالكرامة اللازمة لعيشهم، أما في الحرب فقد مات التاجر وفقدت الأموال ولم يعد هناك أغنياء باستثناء قطاعين الطرق، فهناك من سرقوا منازل الناس المهجرة والشركات والمصانع، فنحن مثل كل مجتمع.. هناك الصالح والطالح.
(حياتنا اليومية مثل عهد الصحابة، نصحى بدري وننام بدري، حياتنا مقتصرة على السعي لتوفير الطعام والمياه لأبنائنا، فطول اليوم كدر وتعب لنوفر لقمة العيش)، هذا ما كتبه رشاد ردا علي سؤال لأحد أصدقائه عن كيفية الحياة في مخيمات بالعراء بلا أي مقومات للحياة، وهو ما جعلني في النهاية أسأله: هل أصبح كل فلسطيني حاليا في غزة يردد شعار محمود درويش.. نحلم بحياة فقط كالحياة؟ أقصد هل مازال هناك مكان لأحلام شخصية مثل التعليم أو الزواج أو النجاح المهني أو غيرها.. وتوقفت الأمور فقط عند حفظ النفس والحياة كحلم وحيد وسط طوفان الدم هذا؟ رد سريعا: الشعب الفلسطيني سيفاجئك، لن أجيبك عن هذا السؤال، سأدع للزمن ليثبت لك أنك تتابع أخبار شعب فعلا غريب جدا .
أنهي رشاد حوارنا وكأن لسان حاله يقول (لم يبق شيء لأخبرك به)، أو ربما يكرر بداخله أبيات الشاعر محمود درويش:
سَتَنتهِي الحَرْبُ
وَيتَصافَح القادَةُ
وَتَبقَىَ تِلْكَ العَجوزُ تنتَظر ولدَهَا الشَهِيدَ
وَتِلكَ الفتَاةُ تنْتظِرُ زَوجهَا الحَبِيبَ
وأولئك الأطفَالُ يَنتظِرُونَ وَالِدَهُم البطَلَ
لَا أعلَمُ مَنْ بَاعَ الوطَنْ
وَلَكِنَّنِي رأيتُ مَن دَفعَ الثمَنْ #