تجدد الحرب في غزة يعكس تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في المنطقة، حيث تلعب عدة عوامل دورًا رئيسيًا في تحديد مسارها، من بينها طبيعة الأهداف الإسرائيلية، قدرة الفصائل الفلسطينية على الصمود، والموقف الإقليمي والدولي تجاه التصعيد. يمكن تقسيم السيناريوهات المحتملة إلى أربعة مسارات رئيسية، تتراوح بين تصعيد شامل، عمليات عسكرية محدودة، تهدئة مؤقتة، أو التوصل إلى اتفاق طويل الأمد.
موضوعات مقترحة
في هذا التحليل، نستعرض كل سيناريو بالتفصيل، مع دراسة العوامل التي قد تدفع باتجاهه، وتداعياته المحتملة.
السيناريو الأول: التصعيد الشامل وامتداد الحرب إلى جبهات جديدة
طبيعة السيناريو:
قد يتجه الصراع نحو تصعيد غير مسبوق، حيث تواصل إسرائيل شن غارات جوية مكثفة، متبوعة بعملية برية تستهدف مناطق في غزة، مثل مدينة غزة، خانيونس، ورفح. من جهتها، قد تبدأ الفصائل الفلسطينية وأذرع موالية لها في إطلاق الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى على مدن إسرائيلية مثل تل أبيب والقدس، مع تكثيف الهجمات باستخدام الطائرات المسيّرة.
العوامل الدافعة نحو هذا السيناريو
• رغبة إسرائيل في توجيه ضربة قاسية لحركة حماس والفصائل المسلحة، خاصة بعد تصاعد نفوذها في السنوات الأخيرة.
• الضغوط الداخلية على الحكومة الإسرائيلية، سواء من المعارضة أو من المستوطنين، لدفعها نحو خطوات حاسمة.
• ضعف التدخلات الدبلوماسية أو فشل الوساطات الإقليمية في وقف القتال.
• توسع الصراع ليشمل أطرافًا أخرى، مثل حزب الله اللبناني أو فصائل فلسطينية في الضفة الغربية، مما يعزز احتمالية حرب متعددة الجبهات.
التداعيات المحتملة
• عسكريًا: قد يؤدي التصعيد إلى خسائر بشرية كبيرة بين المدنيين في غزة، وزيادة القصف الصاروخي على إسرائيل، مما يجعل الحرب أكثر تعقيدًا.
• سياسيًا: من المحتمل أن يواجه الاحتلال عزلة دولية متزايدة، خاصة إذا تزايد عدد الضحايا الفلسطينيين.
• إقليميًا: قد تشهد المنطقة اضطرابات أخرى، مثل مظاهرات في دول عربية أو هجمات من مجموعات متعاطفة مع الفلسطينيين في أماكن أخرى.
قطاع غزة
السيناريو الثاني: عملية عسكرية محدودة لإضعاف الفصائل الفلسطينية
طبيعة السيناريو:
بدلًا من خوض حرب شاملة، قد تلجأ إسرائيل إلى عمليات عسكرية محدودة تهدف إلى توجيه ضربات موجعة للفصائل الفلسطينية دون التورط في معركة طويلة الأمد. يشمل ذلك استهداف قيادات عسكرية، قصف منشآت حيوية، وضرب البنية التحتية للقدرات الصاروخية في غزة.
العوامل الدافعة نحو هذا السيناريو:
• تجنب إسرائيل لتكلفة حرب طويلة الأمد، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي.
• مخاوف من ردود فعل دولية حادة في حال توسع العمليات العسكرية.
• رغبة إسرائيل في توجيه رسالة ردع قوية دون الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.
التداعيات المحتملة
• عسكريًا: قد تحقق إسرائيل مكاسب محدودة، لكن دون إنهاء التهديد الصاروخي من غزة بشكل كامل.
• سياسيًا: قد ينجح الاحتلال في امتصاص الضغوط الداخلية والإقليمية، لكنه لن يغير الوضع القائم جذريًا.
• إنسانيًا: سيظل الوضع في غزة متأزمًا، مع استمرار الحصار واستحالة إعادة الإعمار في ظل غياب حل سياسي شامل.
العدوان الإسرائيلي على غزة
السيناريو الثالث: هدنة مؤقتة بوساطة دولية
طبيعة السيناريو
مع تصاعد القتال، قد تتدخل أطراف دولية وإقليمية، مثل مصر وقطر والأمم المتحدة، للوساطة بين الطرفين من أجل التوصل إلى هدنة مؤقتة. عادةً ما تتضمن هذه الهدن وقفًا لإطلاق النار مقابل تسهيلات إنسانية محدودة، مثل فتح بعض المعابر أو إدخال مساعدات.
العوامل الدافعة نحو هذا السيناريو
• رغبة الأطراف الدولية في احتواء الأزمة ومنع امتدادها إلى مناطق أخرى.
• الضغوط على إسرائيل بسبب تزايد الإدانات الدولية لعملياتها العسكرية.
• حاجة غزة إلى تهدئة قصيرة الأمد بسبب نقص الموارد واشتداد الأزمة الإنسانية.
التداعيات المحتملة
• عسكريًا: ستتوقف العمليات القتالية مؤقتًا، لكن دون أي تغيير في ميزان القوى.
• سياسيًا: قد يؤدي وقف إطلاق النار إلى نقاشات جديدة حول حل أكثر استدامة، لكن فرص النجاح تظل ضئيلة.
• اقتصاديًا وإنسانيًا: قد تخفف الهدنة مؤقتًا من معاناة السكان في غزة، لكنها لن تؤدي إلى تحسن جوهري في أوضاعهم.
العدوان الإسرائيلي على غزة
السيناريو الرابع: اتفاق شامل بضغط دولي وإقليمي
طبيعة السيناريو
في ظل ضغوط دولية مكثفة، قد تضطر إسرائيل والفصائل الفلسطينية إلى الدخول في مفاوضات تؤدي إلى اتفاق أكثر شمولًا من مجرد هدنة مؤقتة. قد يشمل الاتفاق تسهيلات اقتصادية لغزة، تحسينات في الوضع الإنساني، وربما ترتيبات أمنية جديدة بوساطة أطراف إقليمية.
العوامل الدافعة نحو هذا السيناريو
• تزايد الضغوط العربية والأمريكية (دول الوساطة) والأوروبية على إسرائيل لوقف القتال والدخول في مفاوضات.
• رغبة بعض الدول العربية في التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد لمنع حدوث اضطرابات إقليمية.
• إدراك إسرائيل أن الحلول العسكرية وحدها غير كافية للقضاء على الفصائل الفلسطينية.
التداعيات المحتملة
• عسكريًا: قد يؤدي الاتفاق إلى تخفيف التوترات، لكنه لن ينهي التهديدات الأمنية بالكامل.
• سياسيًا: نجاح هذا السيناريو قد يمهد لمفاوضات مستقبلية أكثر شمولًا حول مستقبل قطاع غزة والتوصل لاتفاق سلام شامل ودائم ومستدام وعادل.
• اقتصاديًا: من الممكن أن يساهم الاتفاق في تحسين الوضع المعيشي لسكان غزة، خاصة إذا شمل تنفيذ الاستراتيجية العربية للتعافي وإعادة الإعمار.
يبقى التأكيد أن تجدد الحرب في غزة يضع المنطقة أمام مفترق طرق، حيث يمكن أن تذهب الأمور نحو تصعيد خطير أو تراجع تكتيكي باتجاه هدنة مؤقتة أو اتفاق طويل الأمد. ويظل السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار القتال لفترة قبل التوصل إلى تهدئة بوساطة دولية، نظرًا لتعقيدات الوضع السياسي والعسكري. ففي غياب حل جذري للقضية الفلسطينية، يبقى التصعيد والتهدئة المتكررة جزءًا من ديناميكية الصراع، مما يجعل التنبؤ بمستقبل أكثر استقرارًا أمرًا صعبًا ما لم نصل لمفاوضات الحل النهائي القائم على حل الدولتين وإنشاء الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.