أصحاب ورش الفوانيس مازالوا متمسكين بالمهنة الموسمية رغم التحديات
موضوعات مقترحة
أشهر أشكال الفوانيس "البرج" و"أبو ولاد" و"اللوتس" و"الشمامة" و"شقة البطيخ"
الفانوس الفاطمى صناعة متوارثة.. والمصريون يدركون قيمته بمرور السنين
يستغرق صنع الفانوس الواحد ما بين نصف ساعة وساعتين حسب تفاصيل التصميم
تُعَد صناعة الفوانيس جزءًا مهماً من بهجة شهر رمضان، حيث تضفي أجواء من الفرح والاحتفال لا تقل أهمية عن شراء الياميش والزينة، وجميع الطقوس المرتبطة بهذا الشهر الكريم، وعلى الرغم من ظهور العديد من الأشكال والألوان الحديثة للفوانيس، يظل الفانوس المصري الفاطمي متربعًا على عرش الفوانيس فهو الاختيار الأول للزبائن المصريين والعرب، بل وحتى الأجانب الذين يبحثون عن هذا الرمز التقليدي المميز لشهر رمضان، لذلك التقينا بأصحاب أقدم ورش لصناعة الفوانيس في مصر الذين يعملون في هذه المهنة منذ عقود بحى الدرب الأحمر.
بدأنا بالحاج محمد المصري 60 سنه، "صاحب ورشة لصناعة الفوانيس ورثها عن والده الذى عمل بنفس المهنة منذ أكثر من 75 عاما، يتحدث عن خبرته الطويلة في هذه الصناعة قائلا: نشأت وتربيت فى ورشة والدى لصناعة الفوانيس، حيث كانت عشقه الوحيد طوال عمره، على الرغم من أن صناعة الفانوس عملية دقيقة وشاقة إلا أنها ممتعة جدا، ويستغرق صنع الفانوس الواحد ما بين نصف ساعة وساعتين
وذلك حسب تفاصيل التصميم ومستوى الدقة المطلوبة. ويشير إلى أن العمل في هذه الحرفة ليس سهلا على الإطلاق، إذ يتعرض خلال عمله إلى الحروق والالتهابات في عينيه نتيجة استخدام الأدوات الحادة وتشكيل بعض أجزاء الصاج يدويا وكذلك استخدام المواد الخاصة بلحام الفوانيس.
ويضيف: “أكثر الفوانيس التي تحظى بإقبال كبير من الزبائن هي أشكال النجمة، وأبو ولاد، وتاج الملك، والبرج، الذي يتراوح ارتفاعه بين نصف متر وعشرين مترا. ويؤكد أنه يسعى دائما لإسعاد الناس، لذلك يقوم أحيانا بإجراء تعديلات على الفوانيس القديمة لتصبح تكلفتها أقل من تكلفة الفوانيس الجديدة، مراعاة للحالة المادية لبعض الزبائن الذين لا يستطيعون شراء فانوس جديد بأسعار مرتفعة.
صناعة الفوانيس بالدرب الاحمر
أما تامر سعيد 47 عاما، فهو صاحب ورش ومحلات لصناعة وبيع الفوانيس بحى الدرب الأحمر فيؤكد أن هذه الصناعة ليست مجرد عمل، بل هي متعة وشغف لا يشعر بها إلا من نشأ وترعرع فيها، ويضيف: منذ طفولتي، وأنا أعمل في صناعة الفوانيس، وأجد متعة كبيرة في قص الصاج بيدي وصناعة الفانوس من البداية حتى النهاية، ورغم المصاعب التي نواجهها، مثل الحروق والجروح التي تحدث في أثناء العمل، إلا أنني لا أستطيع أن أتخلى عن هذه المهنة التي أصبحت جزءًا من حياتي.
بينما يوضح ماهر محمود- 38 عاما- وصاحب ورشة متخصصة في صناعة الشوايات بمنطقة "تحت الربع"، فيوضح أن العديد من أصحاب ورش صناعة الشوايات والصناديق الحديدية يتحولون إلى صناعة الفوانيس قبل رمضان بعدة أشهر، ويضيف: يعد هذا الموسم فرصة لفتح باب رزق جديد، فالإقبال على الفوانيس يكون كبيرًا، مما يساعدنا على تحقيق أرباح جيدة. كما أن الكثير من الشباب يقبلون على تعلم صناعة الفوانيس المصنوعة من الصاج والخشب خلال هذه الفترة، حيث يعملون مع الصنايعية وأصحاب الورش الكبيرة، ويحصلون على مقابل مادي مجز مقابل ذلك.
ويتحدث وليد فوزي 50 عاما، صاحب ورشة لصناعة الفوانيس بحى السيدة زينب قائلا: ورثت الورشة عن أجدادى وأعمل مع أخوتى بها منذ سنوات طويلة حيث نشأت وتربيت على صناعة الفوانيس، وأصبحت هذه المهنة هي مصدر رزقنا الأساسي، ويضيف: أحرص حاليًا على تعليم أولادي هذه الصنعة، حتى يتقنوها ويواصلوا حمل راية المهنة من بعدي، فهي ليست مجرد حرفة، بل هى "إرث" تاريخي يجب الحفاظ عليه.
وعن مراحل صناعة الفانوس يقول وليد: إنه يشارك بنفسه في جميع مراحل صناعة الفوانيس، ويقول: نبدأ أولًا بتجهيز (فورمة) الفانوس أو الصاج، ثم نقوم بلحامه، بعد ذلك نقوم بتجهيز الزجاج وطباعة الآيات القرآنية أو الأدعية التي نريدها عليه، بعد هذه المرحلة، يأتي دور المكبس، ثم ننتقل إلى عملية اللحام، وأخيرًا، نقوم بتجميع الفانوس ليأخذ شكله النهائي.
ويشير وليد إلى أنه يحرص كل عام على إدخال تعديلات وتجديدات على أشكال الفوانيس، سواء من حيث الألوان أو التصميمات، حتى تتماشى مع كل ما هو جديد من ألوان وخامات وموديلات وتلبي احتياجات وأذواق الزبائن المختلفة.
صناعة الفوانيس بالدرب الاحمر
يوضح أن ورشته تبدأ في الإعداد لصناعة الفوانيس منذ انتهاء عيد الأضحى المبارك وحتى بداية شهر رمضان التالى، وخلال شهري رجب وشعبان، يكون العمل مكثفًا لإنجاز أكبر كمية ممكنة من الفوانيس.
أما الحاج مجدي فهمي 70 عاما أحد مؤسسي “فانوس رمضان الفاطمي” صاحب ورش لصناعة الفوانيس ومحلات لبيعها بحى الدرب الأحمر، فيقول: ورثت المهنة عن والدى وأجدادى وعلمتها لأبنائى منذ طفولتهم
ويؤكد أن شعبية الفوانيس جعلتهم يبتكرون باستمرار في الأشكال والأحجام لتناسب جميع الأذواق حتى أصبح لديهم أكثر من 3000 تصميم لفوانيس رمضان. ويضيف: لديَّ 3 ورش لصناعة الفوانيس بالمقطم ومنشية ناصر والبساتين يعمل بها 47 شخصا، معظمهم من الشباب، بينهم 12 فتاة متخصصات في الطباعة على الزجاج، ويشير إلى أن كل فانوس يستغرق وقتا معينا في التصنيع، حيث يتسلم كل صنايعي طريحة من 100 فانوس لإنجازها.
ومن أشهر أشكال الفوانيس التى يطلبها الزبائن من محبى الفوانيس، فانوس “أبو ولاد”، و”شقة البطيخ”، إلى جانب التصميمات الجديدة التي نضيفها كل عام، خاصة أننا نصدر منتجاتنا إلى الغالبية العظمى من الدول العربية والأجنبية، فالفانوس المصرى الفاطمى يحظى بشعبية كبيرة لدى العرب والأجانب لذلك يحرصون على شرائه قبل إعداد مستلزمات شهر رمضان.
ويوضح الحاج مجدى أن صناعة الفوانيس تعتمد على خامات أساسية، أهمها القصدير، الذي ارتفع سعره 3 أضعاف لكنه يظل عنصرا لا غنى عنه. وعلى الرغم من انتشار الفانوس الصيني، إلا أنه لا يلقى إعجاب المصريين، فهم يفضلون الفانوس التقليدي الذي نشأوا وتربوا عليه، وتتراوح أسعار الفوانيس بين 45 جنيها و7000 جنيه، حسب الحجم والتصميم والتفاصيل الموجودة بالفانوس، كما يؤكد أنه يحب الدقة في العمل لدرجة أنه يراجع بنفسه التقفيل النهائي للفوانيس قبل عرضها فى الأسواق، وإذا لم يكن بالجودة المطلوبة فيقوم الصنايعية بفكه وإعادة تركيبه مرة أخرى.
صناعة الفوانيس بالدرب الاحمر
بينما يوضح طارق أبو العدب- 55 عاما- بكالوريوس تجارة "أنه يعمل في صناعة الفوانيس بالدرب الأحمر منذ 30 عاما، بينما تمتد جذور عائلته في هذه المهنة إلى أكثر من 80 عاما، ويشير إلى أنه يبدأ فى التصنيع بعد انتهاء احتفالات المولد النبوي مباشرة، وكل الخامات التي يتم استخدامها فى هذه الصناعة مصرية 100% ، وتتضمن الصفيح (الذهبي أو الفضي الميتالك)، الزجاج، القصدير، ومواد اللحام، بالإضافة إلى الأدوات اللازمة، التي هي أيضا صناعة محلية. وتتراوح أسعار الفوانيس لديه من 40 جنيه وحتى 10 آلاف جنيه.
صناعة الفوانيس بالدرب الاحمر
صناعة الفوانيس بالدرب الاحمر
ويضيف أنه خلال السنوات الخمس الماضية، ارتفعت تكاليف الإنتاج بشكل كبير، إذ زادت أسعار الخامات بمعدل 20 ضعفا، مما أثر على حجم الإنتاج. على سبيل المثال، الفانوس الذي كان سعره 200 جنيه أصبح يُباع الآن بـ700 جنيه.
ويوضح طارق أنه يشارك بنفسه في العمل ويختار التصميمات بعناية، فلديه نماذج كلاسيكية لا تزال مطلوبة مثل “البرج”، “اللوتس”، “الشمامة”، “شقة البطيخة”، “أبو ولاد”، و”القدس”.
ويقول: نظرا لأن العمل يدوى فقد تظهر بعض الأخطاء أو العيوب البسيطة مثل وضوح أماكن اللحام، لكننا نسعى دائما إلى تحسين المنتج بأقصى قدر ممكن، وبالرغم من ذلك، فإن المصريين يقدرون قيمة الفانوس التقليدى ويدركون قيمته فلا تهمهم العيوب البسيطة بقدر ما يهمهم اقتناء قطعة فنية تحمل روح التراث.