هنا تصنع زينة رمضان والفوانيس والمفارش والمشغولات المزخرفة
شيوخ "الدرب الأحمر" يبدعون بلوحات فنية تغزو العالم كله
أى تصميم يمر بـ7 مراحل.. وقد يستغرق العمل الواحد عدة أشهر لإنجازه
مصر هى الدولة الوحيدة علي مستوى العالم التى تنفرد بهذه الصناعة
الأقمشة المطبوعة أبرز تحديات المهنة
"إبرة وخيط وكوستبان ومقص" بهذه الأدوات التقليدية البسيطة يستطيع صنايعى الخيامية أن يصنع أحلى وأغلي اللوحات الفنية ذات الألوان المبهجة والأشكال الزخرفية التى تجعلك تقع عشقا في جمالها، تلك الصناعة القديمة التى لا تكتمل أجواء شهر رمضان الكريم بدونها، قررنا البحث عن حكايتها وتحدثنا مع بعض شيوخ المهنة لنكتشف سر بقائها رغم التحديات الكثيرة التى تواجهها، وخاصة الأقمشة المطبوعة والتى تنافسهم بنفس نقوش الخيامية، فكيف استطاعوا مواجهة التحديات والتغلب عليها؟ ونرصد لكم المشهد بالكامل من داخل شارعها في حى الدرب الأحمر..
من قلب أحد شوارع مصر التاريخية انطلقنا في جولة ممتعة بشارع الخيامية بمنطقة الدرب الأحمر، وهو شارع مميزعن باقي شوارع مصر القديمة، فله سقف خشبي يسمح بدخول أشعة الشمس البسيطة مع الهواء الخفيف مما يخلق جوا رائعا يساعد علي الإبداع والدقة في العمل، وهو يبعد أمتار قليلة عن باب زويلة، ورغم صعوبة المرور علي قدميك نتيجة التزاحم الشديد من المواطنين الذين يرغبون في شراء احتياجاتهم من زينة رمضان وشراء الفوانيس والمفارش والوسائد ومستلزمات البيت، ألا أنك تشعر بحالة من السعادة الغامرة لما تراه من الألوان المبهجة وقطع الديكور الساحرة والمشغولات القماشية المزخرفة بمختلف فنون الخط والزخارف العربية الأصيلة، وبدأنا في جولتنا بين محلات الشارع
صور من صناعة الخيامية
صور من صناعة الخيامية
والتقينا بالحاج مصطفي الليثى أحد شيوخ صنايعية الخيامية 60عاما يقول: بدأت العمل في مهنة الخيامية منذ أكثر من 50 سنة، لأنى وقعت في عشق الألوان والزخارف منذ طفولتى، وهى مهنة آبائى وأجدادى، فقد شارك جدى لوالدى في صناعة كسوة الكعبة حتى عام 1958 وكانت هذه هى آخر كسوة تخرج من مصر قبل أن تتولى المملكة العربية السعودية صناعتها بالكامل، وكان دائما مايحكى لنا ونحن أطفال عن الموكب العظيم الذى يحمل الكسوة، وكانوا يطلقون علية اسم "المحمل" فكانت الجمال تتزين بأفخم الأقمشة المطرزة، وكان أحدهم يحمل صندوق كبير بداخله الكسوة مزينة بخيوط الذهب، وكان يصاحبه موكب من العلماء ورجال الدين، فمن هنا ولدت حالة العشق بيننا وبين هذه المهنة، فهى من الصناعات اليدوية التي تعكس حالة الإبداع لدي الصانع، وهى حرفة تراثية تعتمد علي الفن والإبداع اليدوي لصنايعي الخيامية، بمايصنعه من تصميمات مستوحاة من الحضارة الإسلامية، كما يحرص الخيامى علي تطعيم شغله بزهرة اللوتس الفرعونية ليمزج بين ماهو فرعوني وماهو إسلامي ليدلل علي مدي عراقة الحضارة المصرية.
صور من صناعة الخيامية
صور من صناعة الخيامية
وأوضح أن الخيامية قديما كانت تستخدم في تزيين الخيام الملكية خلال المناسبات الرسمية مثل حفلات التتويج، والاحتفالات الدينية، كما استخدمت في المواكب السلطانية والاستقبالات الرسمية، حيث كانت الخيام المطرزة تعد رمزا للفخامة والثراء، كما كانت تستخدم في صناعة سرادقات العزاء والموالد، بينما في العصر الحديث تم توظيفها في عدة أشياء لكى تواكب التطور مثل صناعة المفروشات المنزلية والملابس والجلود والأخشاب أيضا، كما أشار الى أن مصر هى الدولة الوحيدة علي مستوى العالم التى تنفرد بهذه الصناعة، وعندما نشارك في معارض دولية نشعر بفخر شديد من شدة إعجاب الأجانب بشغلنا، وأغلبهم لايصدق أن هذه اللوحات الفنية المتقنة بشدة صناعة يدوية.
صور من صناعة الخيامية
صور من صناعة الخيامية
ويكمل هاني عبد القادر صانع خيامية 43 عاما: ويوضح أنه يعمل في صناعة الخيامية منذ أن كان عمره 8 سنوات وورث المهنة عن أبيه وجده محمود المكاوي شيخ الصنعة حينذاك، وأشار إلى أن أهم ميزة يجب أن يتمتع بها الصانع هى "الصبروالمثابرة" لكى يستطيع القدرة علي تعلم فنون العمل اليدوي، إلى جانب القدرة على الإحساس بالألوان والعمل على مزجها باحترافية، فمن يعمل بصناعة الخيامية يجب أن يكون فنانا لديه ذوق في اختيار التصميمات والألوان، وأن يكون صاحب موهبة فنية، ويلم بمختلف مدارس الزخرفة العربية والإسلامية كالخط الفارسي والديوانى والكوفي، والسر الرئيسي لاستمرار هذه الصنعة حتى الآن هو حالة الحب التى تنشأ بين الصنايعى وأعماله الفنية، فلولا هذا السر لما استطاع أحد أن يستمر لهذه السنوات الطويلة في هذا المجال فهو يعد جزءا رئيسيا من الهوية الثقافية المصرية.
صور من صناعة الخيامية
صور من صناعة الخيامية
وعن مراحل تصنيع اللوحات أشار إلى أن أى تصميم يمر بحوالى 7 مراحل حتى يصل إلى الشكل النهائي، وقد يستغرق العمل الواحد عدة أشهر، أولا نقوم باختيار التصميم وغالبا مايكون مستوحى من الزخارف الإسلامية أو الهندسية أو الطبيعية، أو الزخارف النباتية والطيور، ثم نقوم برسمه علي ورق بنى سميك، ثم نقوم بعمل ثقوب بالإبرة علي كل الرسم، ثم نقوم بفرد هذه الورقة علي القماش، وغالبا ما نستخدم قماش التيل القطنى، فهو قماش يتميز بقوام سميك يمكننا من تثبيت القطع الصغيرة عليه بدقة ومرونة، ثم نقوم بتحبير الرسم ببودرة تلج في حالة استخدام قماش غامق أو بودرة فحم في حالة استخدام قماش فاتح، ونبدأ في اختيار الألوان المناسبة والصنايعى هو من يقوم بهذه المهمة، ثم تجهيز قصاصات القماش، ونبدأ في تثبيتها حتى نصل للشكل النهائي، وفي بعض الأحيان قد يستغرق التصميم الواحد حوالى 4 أشهر ويكون إنتاج الصنايعى علي مدار العام 4 أو 5 قطع علي الأكثر.
صور من صناعة الخيامية
صور من صناعة الخيامية
أما إكرامى فاروق يعمل في المجال منذ 38 عاما وهو مدير مدرسة فيقول: تعلمت المهنة وسنى 14 عاما، فهذا الفن ليس مجرد حرفة، بل هو تراث ثقافي نحرص علي تعليمه للأجيال الجديدة حتى نحافظ عليه من الاندثار، ونقدم دورات ومحاضرات تدريبية بالجامعة الألمانية والأمريكية لتدريب الطلبة بصورة مبسطة علي نماذج وأشكال خفيفة يسهل عليهم صنعها، كما أحرص علي تعليم أولادى المهنة، وأخى يعلم أولاده المهنة أيضا، وعن أهم التحديات التى تواجههم.
وأشار إلى أن قلة الإقبال علي المنتجات اليدوية نتيجة لتغير الأوضاع الاقتصادية علي مستوى العالم تؤثر بشكل كبير عن القدرة الشرائية للمواطنين، بالإضافة إلى تراجع أعداد السائحين الذين يقومون بزيارة مصرفكانوا يمثلون قوة شرائية كبيرة، فأصبح الكثيرون يستبدلون المنتجات اليدوية بمنتجات مطبوعة وتكون بجودة أقل بكثير ويكون سعرها زهيدا كالمفارش والرنرنات والوسائد، وقد شاركت في العديد من المعارض الدولية بلوحاتى وبعض المفروشات والديكورات المنزلية في عدة دول منها "أمريكا، استراليا، اسبانيا، انجلترا، فرنسا، هولندا، دبي" وذلك لأن الأجانب يقدرون الشغل اليدوى جدا ويعتبرونه من المقتنيات الثمينة لديهم، وهذه المعارض تساهم في الحفاظ علي الهوية المصرية والفن التراثى.
صور من صناعة الخيامية
صور من صناعة الخيامية
وأوضح عبد الله فتحى أحد العاملين في مجال الخيامية منذ 15 عاما: أن شارع الخيامية هو عبارة عن معرض مفتوح طوال العام ويزدهر الشغل فيه في موسم رمضان، وأكثر اللوحات التى يطلبها الأجانب "بوابة العصافير"، وحلمي لتطوير المهنة أن يتم التسويق لمنتجات الخيامية عبر الإنترنت واستغلال وسائل التواصل الاجتماعى في الترويج والتعاون مع بعض المصممين المعاصرين لإدخال تصاميم الخيامية في الأزياء والديكورات والجلود وأن نستطيع المشاركة في جميع المعارض الدولية، فالخيامية ليست مجرد حرفة يدوية، بل هي تعبير عن التاريخ والثقافة المصرية.
صور من صناعة الخيامية
صور من صناعة الخيامية