البنوك المركزية وحرب الرسوم

18-3-2025 | 12:06

مع تصاعد التوترات التجارية العالمية، تتجه الأنظار إلى اجتماعات البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم، حيث يجد صانعو القرار النقدي أنفسهم أمام معضلة معقدة: كيف يمكنهم موازنة النمو الاقتصادي مع السيطرة على التضخم، في ظل تداعيات الرسوم الجمركية المتزايدة؟
 
بين المطرقة والسندان
 
لم تعد السياسات النقدية مجرد أدوات اقتصادية تقليدية، بل أصبحت تُدار كأوركسترا دقيقة تحاول ضبط إيقاع الأسواق العالمية المتقلبة. فالرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تصاعدت حدتها مع موجات جديدة من الحمائية الاقتصادية، أدخلت البنوك المركزية في دوامة من الشكك وعدم اليقين.
 
على سبيل المثال، في واشنطن، ينتظر الجميع قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة، وسط توقعات بإبقاء معدلات الفائدة من دون تغيير. فرئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، يواجه معضلة مزدوجة: هل يخفض أسعار الفائدة لدعم النمو في ظل تزايد المخاطر التجارية، أم يبقيها ثابتة لمواجهة التضخم الناتج عن ارتفاع الأسعار بسبب التعريفات الجمركية؟
 
أما في أوروبا، فقد حذرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاجارد، من أن تصاعد النزاعات التجارية قد يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي عالمي، مما يستدعي إجراءات نقدية استباقية. لكنها تدرك أيضًا أن خفض الفائدة بشكل مفرط قد يفتح الباب أمام فقاعات مالية غير مرغوب فيها.
 
التضخم: العدو الخفي أم الواقع القادم؟
 
عادةً ما تُفرض الرسوم الجمركية لحماية الصناعات المحلية، لكنها تؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، مما يمنح المنتجين المحليين فرصة لرفع أسعارهم أيضًا. والنتيجة؟ تضخم مُصطنع يضغط على المستهلكين ويضع البنوك المركزية أمام تحدٍ جديد.
 
في استطلاع أجرته جامعة ميشيجان، توقع المستهلكون الأمريكيون ارتفاع التضخم إلى 3.5% خلال السنوات القادمة، وهو أعلى مستوى منذ 1995. وإذا صحّت هذه التوقعات، فقد يجد الاحتياطي الفيدرالي نفسه مضطرًا للتدخل سريعًا لكبح الأسعار، حتى لو كان ذلك على حساب النمو الاقتصادي.
 
المستقبل بين عدم اليقين والتدخل الحذر
 
في الوقت الذي تسعى فيه الأسواق لاستشفاف نوايا البنوك المركزية، تبدو الصورة قاتمة. فالتأثيرات المحتملة للرسوم الجمركية تمتد إلى أسواق الأسهم والسندات، حيث يؤدي التباطؤ الاقتصادي إلى انخفاض الأرباح، بينما يزيد التضخم من احتمالية رفع الفائدة، ما ينعكس سلبًا على التقييمات المالية.
 
لكن وسط هذه الضبابية، قد تكون هناك فرصة لصياغة سياسة نقدية جديدة، تأخذ في الاعتبار المستجدات الجيوسياسية والاقتصادية. فالتاريخ يعلّمنا أن الأزمات تولّد الحلول، وربما يدفع هذا الوضع غير المسبوق البنوك المركزية إلى إعادة تعريف دورها في الاقتصاد العالمي.
 
في النهاية، تبقى البنوك المركزية أمام معضلة القرن: هل تكون صمام الأمان الذي يحمي الاقتصاد من التقلبات، أم أنها ستصبح رهينة لقرارات سياسية لا تتحكم بها؟ الإجابة قد تتضح قريبًا، لكن الثابت الوحيد هو أن المستقبل لم يعد كما كان.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: