أمريكا التي تملأ الدنيا ضجيجًا" باحترام الحريات وتقديس الدستور، وقعت في "المحظور"، وتباهى رئيسها ترامب باعتقال شاب فلسطيني وكيف لا يفعل ذلك؟ وهو من يصفه المحللون السياسيون في بلده وفي العالم بالمتقلب و"الباحث" عن أي انتصارات ولو كانت صغيرة؛ فالمهم أن يكون دومًا في الأخبار اليومية وأن يتحدث عنه الكثيرون في أنحاء العالم..
فبعد تراجعه في مؤتمر صحفي مع رئيس وزراء إيرلندا عن ترحيل سكان غزة وقوله: لن يجبرهم أحد على الترحيل، إذ به يعتقل محمود خليل الناشط الفلسطيني، وكأن اعتقاله سيقضي على مقاومة الاحتلال الصهيوني، وكأنه سيكون "عبرة" لمن تسول له نفسه التظاهر وإدانة إبادة غزة وتجويعها.. وكالعادة جاءت النتائج مخيبة لآمال ترامب؛وفوجئ بالمظاهرات ضده بدلًا من الخوف والانكماش كما كان يرجو..
تجاهل ترامب الدستور الأمريكي الذي يكفل حق وحرية التعبير والاحتجاج السلمي.. يحمل محمود خليل البطاقة الخضراء أي الإقامة الكاملة، وتهمته تنظيم التظاهر ضد إبادة غزة في العام الماضي..
وأعلن محاميه أن إدارة ترامب "ألغت" بطاقته الخضراء تمهيدًا "لترحيله"، ومنع القاضي الفيدرالي جيسي فورمان ترحيل محمود حتى محاكمته.
الأسوأ من ذلك، المعلومات التي صدرت عن مصادر ذات صلة بالبيت الأبيض وتؤكد أن وزارة الأمن الداخلي تستخدم المعلومات الاستخبارية لتحديد هوية الطلاب المتظاهرين بعد اعتقال محمود خليل..
وجاء الرد سريعًا في اكتظاظ قاعة المحكمة بالمؤيدين لفلسطين، وقد ارتدوا الكوفية الفلسطينية كرمز "للتضامن" مع فلسطين، وتحدي للمحاكمة التي تُنذر بالمزيد من الاعتقالات، وبأنها البداية فقط للانتقام ممن أيدوا غزة..
وقد روج ترامب لاعتقال محمود وتعهد بالعثور على آخرين مثله وترحيلهم، وقال: إذا كنتم تدعمون الإرهاب بما في ذلك ذبح الرجال والنساء والأطفال الأبرياء فوجودكم يتعارض مع مصالحنا وسياستنا الوطنية ولا نرحب بكم هنا!!
ولم يهتم البيت الأبيض بتقديم أدلة تدعم الاتهامات ضد محمود أو ما يشير إلى ارتكابه أي جريمة.
ونتوقف هنا عند اتهام السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض محمود خليل بتنظيم احتجاجات تسببت في "مضايقة" الطلاب اليهود!!
وقد تفاوض محمود ممثلًا للطلاب المتظاهرين مع إدارة الجامعة والذين طالبوا الجامعة بسحب استثماراتها مع الصهاينة.
تلقى محمود تهديدات من مؤيدي إسرائيل وأخبر الجامعة بذلك ولم تهتم، وبينما كان في الشارع مع زوجته فوجيء بمن يكبل يديه بالأصفاد واقتادوه إلى سيارة بلا علامات ولم يقدموا له مذكرة للقبض، وقالت زوجته: شعرت وكأنني في مشهد من فيلم لم أتوقع مشاهدته.
وقانونًا لا تستطيع وزارة الخارجية إلغاء البطاقة الخضراء وحدها فمحمود لديه كل حقوق الإجراءات القانونية.
وقد نفذ ترامب تهديده للطلاب الداعمين لفلسطين، وقال إن اعتقال محمود خليل هو الأول من بين اعتقالات عديدة قادمة.
واتهم محامو محمود الحكومة بالقمع العلني للنشاط الطلابي والتعبير السياسي..
وُلد محمود في سوريا من أبوين لاجئين فلسطينيين ودرس الكمبيوتر في الجامعة اللبنانية الأمريكية، عمل محمود في العديد من المنظمات الدولية في بريطانيا، وانتقل إلى أمريكا في عام 2022، ونال الماجستير من جامعة كولومبيا، وتزوج أمريكية، وينتظر ولادة طفله الأول بعد شهر.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست في افتتاحيتها أن اعتقال محمود خليل يمثل تهديدًا للحقوق المكفولة بموجب التعديل الأول للدستور الأمريكي، وأن ترامب يريد ترحيله رغم تمتعه بالإقامة الدائمة؛ لتعبيره عن آرائه وتساءلت: من سُيعاقب أيضًا على ممارسة حرية التعبير، وأعلنت تخوفها من رغبة الحكومة في ترحيله لتعبيره عن رأيه، فلا أحد يعرف من سيتم حرمانه من ممارسة الحق في التعبير بعد ذلك.
وندد خبراء قانونيون في أمريكا بالاعتقال باعتباره قد يمهد لحكومة استبدادية.
وقد صرح محمود سابقا لشبكة "c n n" أنه شعر كفلسطيني بأنه يجب عليه الدفاع عن تحرير وطنه، وقال: تحركنا من أجل العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة للجميع في فلسطين.
وذكرت محاميته أنه تم اختياره كمثال "لخنق" المعارضة القانونية في انتهاك للدستور، وهدف الحكومة واضح، وإن كان غير قانوني.
ونفى محمود معاداة السامية وقال: ما نشهده هو مشاعر معادية للفلسطينيين التي تتخذ أشكالًا مختلفة، والإسلاموفوبيا والعنصرية هي بعض هذه الأشكال، وأنه يشعر "بالذنب" للنجاة من حرب الإبادة، وعدم قدرته على فعل أي شيء لوطنه سوى الاحتجاج..
وتعاطف الملايين مع محمود ووقعوا على رسالة للمطالبة بالإفراج الفوري عنه، وتظاهر كثيرون أمام مكتب الهجرة مطالبين بتطبيق العدالة بإطلاق سراحه.
وانتقد السيناتور الأمريكي كريس ميرفي اعتقال محمود خليل الذي يبلغ عمره 30 عامًا، ورفض السيناتور احتجازه دون وجود أي تهم جنائية ضده.
وقال: في النظم الديكتاتورية يُطلق على هذه الممارسة اسم الإخفاء القسري، حيث لا تهم ولا ادعاءات بسلوك إجرامي، ولا يدعي البيت الأبيض ارتكابه جريمة؛ إنه في السجن بسبب خطابه السياسي، ويجب أن يهتم الجميع؛ ففي أمريكا خطابك السياسي يجب حمايته؛ سواء أعجب الرئيس ما تقوله أم لا، لكن اليوم إذا كنت مخلصًا لترامب فسيتم حماية خطابك، ولو كان خطاب كراهية مثل ماركو إليس الذي أبدى اعجابه بالعنصرية في السابق، ويروج لكراهية الهنود فسيدافع نائب ترامب عنك.
أما إذا لو خالفت ترامب؛ فسيتم "تجريم" خطابك، وقد تجد نفسك في السجن.
وأضاف: اختار ترامب البدء بإخفاء مهاجر فلسطيني، ويأمل أن يدفع كونه فلسطينيًا ومهاجرًا الناس للتجاهل ولا نستطيع ذلك؛ "فسيعتاد" الرئيس إخفاء البعض لاحتجاجهم على سياساته؛ فإن يُسجن مواطن أو مقيم أمريكي بلا تهمة ولمجرد احتجاج فلسنا في أمريكا بعد الآن؛ اليوم محمود خليل، وغدا أنا أو أنت.