علي مدار التاريخ الإسلامي والعربي والإنساني يرتبط الأزهر الشريف وشيوخه الأجلاء بعلاقة ودٍ واحترامٍ وتقديرٍ من كافة الحكام والرؤساء، وكذلك رجال الكنيسة من قساوسة ورهبان الذين يلقون نفس التقدير والاحترام، وقد تأكد هذا المبدأ مؤخرًا من مشهد الود والمحبة الذي ساد الحوار بين الرئيس عبدالفتاح السيسي وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف على هامش صلاة الجمعة الأخيرة التي تنتصف هذا الشهر الفضيل، وذلك في إطار مناسبة الاحتفال بيوم الشهيد؛ لتؤكد هذه اللقطة البهيجة عمق هذه العلاقة الوطيدة، ومتانة حالة الود والتقدير المتبادل بين الرئيس والإمام الأكبر.. وكذلك جميع اللقاءات التي تجمع الرئيس السيسي والبابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، التي يسودها التقدير والاحترام والحب المتبادل بين الرئيس والبابا.
والمتابع للمشهد جيدًا يجد أن الأزهر الشريف هو مؤسسة دينية علمية وطنية لها استقلاليتها على مرّ التاريخ، وهي مؤسسةٌ داعمةٌ للدولة المصرية، ومدافعةٌ عن كافة القضايا التي تخص جموع المسلمين على وجه الأرض، ناهيك عن قيامها برسالة الدعوة إلى الله، وتبسيط وتقديم الدين الإسلامي بوجهه الحقيقي الوسطي المعتدل بعيدًا عن التشدد والتطرف.
ومما لاشك فيه أن الكنيسة المصرية أيضًا مؤسسة دينية وطنية عبر التاريخ داعمة للدولة، تتمتع بقدر عالٍ من الوطنية، ولها قواعد ثابتة تؤكد ذلك وهي «مصرليست وطنًا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا».. وكذلك «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن» مقولات وطنية لا يمكن أن ينساها جموع المصريين للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فهي تؤكد وحدة وتماسك وترابط وقوة الشعب المصرى بمسلميه ومسيحييه على مدار التاريخ.
وجدير بالذكر أن الرئيس السيسي منذ توليه المسئولية دائمًا ما يؤكد دعمه الكامل للأزهر الشريف والكنيسة المصرية، للقيام بدورهما على أتم وأكمل وجه، خاصةً أن الأزهر الشريف والكنيسة يعدان من القوى الناعمة للدولة المصرية، ولاشك أن المواقف الوطنية للإمام الطيب والبابا تواضروس التي تجلت في الظروف الصعبة التي مرت بها الدولة المصرية خلال الفترة الماضية ساهمت في الحفاظ على الدولة المصرية.
فالطيب منذ توليه مشيخة الأزهر، تجلت مواقفه بعد ثورة ٢٠١١م ومحاولات لم شمل الأمة، وإصدار وثيقة الأزهر بشأن مستقبل مصر، علاوةً على التصدي للجماعة الإرهابية خلال فترة حكمها للدولة المصرية، ومحاولاتها المستميتة للسيطرة على كعبة العلم؛ للتحول إلى منصة مركزية تابعة لتلك الجماعة تروج لأفكارهم وآرائهم المتطرفة، رافضًا كل المحاولات الخبيثة لتركه لهم مشيخة الأزهر، وليس ذلك فحسب، ولكن كان الأزهر الشريف وإمامه الطيب من أوائل الداعمين لثورة ٣٠ يونيو وبيان ٣ يوليو، والتي غيرت وجه الوطن وما كان يحاك له من مؤامرات، جنبًا إلى جنب بجوار البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ومعها رجال أوفياء من القوات المسلحة والمثقفين والوطنيين، وانحازوا للشعب المصري داعمين للمطالب الشعبية وتحقيق التغيير السلمي والحفاظ على الوحدة الوطنية والاستقرار في مصر، وتمثل ذلك في البيان الذي تبناه الرئيس السيسي الذي كان وزيرًا للدفاع آنذاك واضعًا روحه على كفه من أجل الوطن، وكذلك كان حال المجلس العسكري الذي أنقذ مصر من الوقوع في الهاوية، وأغلق الطريق أمام الجماعة الإرهابية؛ للسيطرة على الدولة والحفاظ على وحدة المصريين وحرمة الدم المصري.. وقد سجل التاريخ هذه المواقف؛ ليعرف الجميع أن هناك رجالاً حافظوا على العهد وصانوا الأمانة.
والمتابع لمواقف الرئيس السيسي يجده متدينًا بطبيعته يهتم بالدين ويدرك أهميته، ويقدر العلم والعلماء وينزلهم منازلهم، والمراقب للمشهد يجد أن تلك الصورة التي جمعت الرئيس والإمام كأنها تنطق برسائلَ عدةٍ في هذا التوقيت، من أهمها أن كافة مؤسسات الدولة -ومنها الأزهر الشريف- هي بحق خلف القيادة السياسية في كافة قراراتها لصالح الوطن، لاسيما في مواقفها الأخيرة في التصدي لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين، وهذا ما يثمنه دائمًا الأزهر الشريف بقيادة إمامه الطيب في بياناته المتعاقبة، وفي نظري المتواضع أن هذه اللقطة الرائعة التي رأيناها بين الرئيس والإمام قد رسخت جوّ الود والترحاب والألفة بين سيادة الرئيس السيسي وفضيلة الإمام الأكبر، وهذا الجو قد ألغى برتوكولية اللقاءات الرسمية المعتادة في مثل هذه المواقف..
وفضلاً على أن هذه اللقطة مع بساطتها وتلقائيتها قد نسفت فكرةً خبيثةً كانت تدور في الأذهان، وربما نطق بها بعض تجار الفتن ومروجو الشائعات وخفافيش الظلام خلال الفترة الأخيرة أن هناك خلافًا قائمًا في بعض وجهات النظر والرؤى المطروحة بين القيادة السياسية المصرية والأزهر، فلا شك أن هذه اللقطة -مع بساطتها وعفويتها- قد محت تلك الفرية، وصرفت هذا الزعم الواهم، وقتلت ذاك الظن الكاذب.
ولا يستطيع شخص أن ينكر أن الرئيس السيسي منذ توليه المسئولية لديه اهتمام كبير بتحقيق الوحدة الوطنية والحفاظ عليها، ويتجلى ذلك في حرصه الدائم على حضور القداس سنويًا وتهنئة الأقباط بأعيادهم؛ مما يعكس جهود الدولة لترسيخ المواطنة، وبجانبها المودة والتقدير من الرئيس للبابا، وخير دليل على ذلك كلمات الرئيس السيسي، التي دلت على علاقته بالبابا، خلال احتفالات عيد الميلاد عندما قال «أنتم ما تعرفوش حجم التقدير والاحترام اللي بكنّه لقداسة البابا تواضروس.. خلوا بالكم الرجال بتُوزن في المواقف والظروف الصعبة، وبقول لكم خلوا بالكم منه»..
حفظ الله الرئيس والإمام والبابا وحفظ الله مصر بقياداتها السياسية والدينية.. إن من يقرأ التاريخ جيدًا سيدرك إدراكًا حقيقيًا مُبرهنًا عليه من وقائع التاريخ المصري والعربي أن الأزهر برجاله وعلمائه وشيوخه وطلابه، والكنيسة المصرية برهبانها وقساوستها ليبرهنون في السلم والحرب قديمًا وحديثاً على مواقفهم الوطنية والتاريخية المجيدة الداعمة للقضايا المصرية المصيرية، والقضايا العربية الإسلامية والمسيحية..
وليس هذا بغريبٍ على الأزهر والكنيسة أبدًا.. حفظ الله مصر بشعبها وأزهرها وكنائسها.. حفظ الله الإمام الطيب شيخ الإسلام والبابا تواضروس الثاني الأب الروحي لإخواننا المسيحيين في مصر.. وشكر الله لهما عبورهما بمصر من مرحلةٍ صعبةٍ وشائكةٍ ولولا حكمتيهما ورجاحة عقليهما وصواب رأيهما، ولولا وطنيتهما الصادقة المخلصة لماجت مصر في بحارٍ متلاطمةٍ من الفتن والتفرق، كما هو الحال في دولٍ كثيرةٍ من حولها ولتحيا مصر وليحيا الهلال مع الصليب.