الدنيا بخير في شوارع الخليفة | صور

16-3-2025 | 13:52
الدنيا بخير في شوارع الخليفة | صورصورة من شوارع الخليفة
حواش منتصر- محمد شعبان
الشباب نقلاً عن

التكية تستقبل المريدين وإقبال جماعى على صلاة التراويح 

موضوعات مقترحة
شهريات خاصة للمساكين والإطعام عادة شعبية  
طقوس زيارة الأولياء: إلقاء السلام على أهل المقام وقراءة الإخلاص 11 مرة ثم الدعاء
صاحب أقدم ورشة: الفوانيس اليدوية الأكثر طلبا طوال العام والسعر يبدأ من 25 جنيها 
حكاية أم أشرف وعم حسين.. أسطورة حية للتكافل الاجتماعى
هواة الثقافة.. عروض خاصة فى قصر الأمير طاز وشارع الصليبة 


لا تزال أصداء ذكريات رمضان الحلوة باقية في بيوت الناس الطيبين وحكاوي المريدين في تلك الأحياء العريقة التي ستظل شاهدة على الماضي. ففي حي الخليفة، قلب القاهرة القديمة، انطلق مدفع رمضان لأول مرة في التاريخ، كما كانت تسير مواكب الخليفة لتهنئة المصريين بقدوم الشهر الكريم، وفي هذا المكان أيضا يقع 366 مسجدا وضريحا ومقاما بعدد أيام السنة، أشهرها السيدة نفسية والسيدة سكينة وابن سيرين والسيدة عاتكة ورقية ولهذا يوصف الحي بالبقيع الصغرى.. ومع قدوم رمضان تتزين أضرحة آل البيت الكرام لاستقبال المريدين الذين يزداد عددهم في شهر الرحمة ضمن طقوس عديدة قاومت عوامل الزمن فى هذه البقعة التي زرناها نسردها لكم فى السطور التالية، حيث تتضاءل الحدود الفاصلة بين الدنيا والآخرة وتكثر البركات والكرامات والخيرات، وهو ما سعينا لاستكشافه خلال جولتنا بشارع الأشراف، فكان هذا التحقيق.

صور من شوارع الخليفة


ورشة الفوانيس
شيء ما يجذبك للحديث مع البسطاء في هذا الشارع، والذين يتوارثون عادات رمضان أبا عن جد، ففي هذا الشارع ليس هناك دخلاء أو أغراب، حيث كان لقاؤنا الأول مع عم محمد بسة، صاحب أقدم ورشة لصناعة الفوانيس بالشارع، حيث يقول: أنا شغال في الصنعة منذ 30 سنة، ونحن ورثنا هذه الحرفة أبا عن جد، وبالمناسبة نحن لا نعمل في شهر رمضان فقط، وإنما أواصل عملي طوال أيام السنة، أما المواد الخام التي أعتمد عليها في الصنعة فهي الصفيح والزجاج والقصدير والنار، وكل شغلي يدوي باستخدام المقص الحديدي والكاوية والسندان والمطرقة، ولا أعتمد على المكابس، فكل شيء يدوي بالنسبة لي.

صور من شوارع الخليفة


ويسرح عم محمد بذاكرته القوية في أعماق الماضي، قائلا: زمان كان أحلى، رغم أن أسعار الفوانيس كانت أرخص، والفلوس كانت أقل، لكن كانت هناك فرحة، فكان سعر الفانوس الصغير يبدأ من 2 جنيه، لكن في المقابل الحياة كانت رخيصة وفيها بركة، الآن الفانوس يبدأ من 25 جنيها وأعلى سعر يصل لـ500 جنيه والذي يتم تعليقه في الشارع، ومع ذلك نعاني من ضيق العيش، وأنا أصلاً من سكان المنطقة وكانت الدنيا زمان لطيفة واستقبال رمضان كانت له طقوس وعادات خاصة، لم يكن أحد ينام في هذا الشارع، لكن الآن كل الأيام أصبحت تشبه بعضها، ومع ذلك الحياة لا تزال بخير في الشارع، لدرجة أن موائد الرحمن أصبحت أكثر من الماضي.

صور من شوارع الخليفة


بائع الزينة
إسلام سيد- 31 سنة- كان يعمل فني مصاعد، قبل أن يسقط به الأسانسير، حيث نجا من الموت بأعجوبة، وعاد للحياة بأعجوبة أيضا، استقبلنا بترحاب بالغ، رغم أنه يسكن في غرفة بسيطة من بقايا منزل أسرته المتهدم بفعل عوامل الزمن، ومع ذلك يشعر بسعادة كبيرة مع قدوم الشهر الكريم، مؤكدا أنه موسم الرزق، فلا أحد ينام جائعا هنا في المنطقة رغم بساطة الحال.. يتولى إسلام مسئولية تعليق حبال الزينة في شارع الأشراف، حيث يقوم بإعداد هذه الأحبال هو بمساعدة زوجته من خلال الخيوط والشراشيب الملونة، ويبيع الحبل بالمتر للسكان وأصحاب المحلات، ويتمنى أن يرزقه الله بدخل إضافي حتى يشتري لزوجته وابنته ملابس العيد.

صور من شوارع الخليفة


ويؤكد إسلام أن الكثير من سكان شارع الأشراف يتناولون طعام الإفطار معا على أطول مائدة تقام يوميا في المنطقة، ولهذا لا يشتكي الأهالي من الغلاء بفضل أعمال الخير والزكاة والصدقات، كما أن الأهالي هنا طيبون للغاية لدرجة أن الإفطار في رمضان إجباري على المارة وعابري السبيل والسائقين، فالأهالي لا يسمحون لأي سائق بأن يعبر الشارع أثناء الإفطار إلا ويتم إيقافه ودعوته للإفطار مع بقية الأهالي "محدش بيعدي من غير ما يفطر". وأغلب الأهالي يعشقون الأضرحة وجميع المساجد تمتلئ في رمضان.

صور من شوارع الخليفة


على باب التكية
كل واحد من سكان المنطقة هو بطل حقيقي في ملحمة الحياة اليومية، حيث التقينا عم حسين محمود، الرجل السبعيني المقطوع من شجرة حرفيا، كان يعمل سباكا في شبابه، وتزوج ولم ينجب، وماتت زوجته وبقية أفراد أسرته، كما تهدم منزله، ويعيش عند إحدى الأسر التي تتعامل معه كواحد منها، حيث يقول: الناس هنا طيبون ولا يوجد أكثر من الأكل والشرب.. ففي هذه المنطقة هناك رجل يقوم بإعداد أطباق المكرونة ويقوم بتوزيعها يوميا على الأهالي البسطاء، وهناك "التكية" التي تستقبل المئات يوميا على الإفطار والغداء لإطعامهم بلا مقابل، كما يقوم الأهالي بمساعدة بعضهم البعض بتبادل أطباق الأكل والمشروبات، وتقوم المساجد أيضا بتقديم شهريات للأسر الفقيرة في المنطقة، كما يقوم جميع الأهالي بتقديم زكاة الفطر قبل شهر رمضان.

صور من شوارع الخليفة


ويحكي عم حسين عن قصته التي تعكس حجم التكافل الاجتماعي والإنساني بالشارع، حيث سقط منزله الذي كان يدفع إيجارا شهريا له بقية 5 جنيهات لجهة تسمى "العوائد"، فوفرت أسرة مجاورة له مسكنا بسيطا يقيم فيه بقية حياته بلا مقابل، كما تكفلت الأسرة بتقديم الطعام والشراب يوميا إليه، ويقول: أسكن الآن في غرفة بسيطة أسفل أحد البيوت القديمة، ولولا كرم هذه السيدة التي أكرمتني كأخ لها كان مصيري في الشارع، والحقيقة أن الجارة أم أشرف ونعم الأخت جمعت لي الفلوس من أهل الخير ووفرت لي كنبة للنوم وأهدتني ملابس، ويوميا تقدم لي الوجبات الثلاثة، وطوال شهر رمضان تقدم لي الإفطار والسحور، وهي تعيش على المعاش. وتتمنى أن يرزقها الله بحج بيته الحرام، وطبعا لا أنسى أصدقائي هنا ومساعدتهم لي.

صور من شوارع الخليفة


الديار العامرة
الكثير من المقامات والأضرحة فى شارع الأشراف تتمتع بمكانة خاصة لدى المصريين، وفى رمضان تزداد معدلات الزيارة، كما يعشق المريدون أداء صلاة التراويح فى مثل هذه المساجد الكبيرة وخاصة مسجد السيدة نفيسة ومسجد السيدة سكينة، وتتبع هذه المساجد برنامجا خاصا فى شهر رمضان الكريم.. ويذكر الشيخ سليمان محمود- إمام وخطيب بالأوقاف- أن قبور آل البيت روضة من رياض الجنة ولهذا فإن الناس تشعر بالسكينة عند زيارتهم والاستئناس بهم بشرط عدم مخالفة القواعد الشرعية لزيارة المقابر والأضرحة فنحن "لا نسألهم ولكن نسأل الله بهم.. ولا ندعوهم ولكن ندعو الله بهم، وطقوس الزيارة تقتضى أولا إلقاء السلام على أهل المقام وقراءة "قل هو الله أحد" 11 مرة ثم يدعو الإنسان بما يشاء وفقا للحالة الإيمانية المسيطرة عليه. وعادة ما تنظم المساجد برنامجا خاصا فى الشهر الكريم فبخلاف صلاة التراويح يتم تنظيم مسابقة يومية وتقديم هدايا رمزية وهناك درس يومى وتحفيظ وختم للقرآن مع حلول ليلة القدر.

صور من شوارع الخليفة


ويضيف الشيخ سليمان أن شارع الأشراف فى حى الخليفة له طابع خاص فى نفوس المصريين المحبين لآل البيت، فعلى مشارف الشارع أو على أطرافه يقع مسجد السيدة نفيسة وهو درة مساجد القاهرة، ويحفل هذا المسجد بوجود ضريح مؤكد لنفيسة العلم- رضى الله عنها-، أما بقية الأضرحة فى الشارع فإنها تنقسم إما لأضرحة رؤية أو "مرقد"، وأضرحة الرؤية هى التى شوهد فيها الإنسان قبل وفاته ولكنه لم يدفن فيها وإنما أقام الأهالى عليها منذ القدم ضريحا ومقاما لتخليد ذكراه، فمثلا مقام سيدى على زين العابدين صاحب الضريح الشهير بالخليفة مدفون بالبقيع بأرض الحجاز وهذا ثابت ومؤكد تاريخيا ومع ذلك له مقام، أيضا مقام السيدة عاتكة عمة سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- هو مقام رؤية

صور من شوارع الخليفة

وليس مرقدا لأن السيدة عاتكة ماتت ودفنت بالبقيع أيضا بجوار بقية عمات الرسول كالسيدة أروى والسيدة صفية، ويقال: إن عاتكة المدفونة فى الشارع من نسل جعفر الصادق بن محمد الباقر بن سيدى على زين العابدين ويقال: إنها أخت السيدة عائشة لكن المؤكد أنها ليست عمة الرسول- صلى الله عليه وسلم-، أما بالنسبة لمقام ابن سيرين فهو مرقد حقيقي وفقا لما ذكره المقريزى فى تاريخه والذى أكد أنه مات ودفن فى هذا المكان، ويحظى هذا المقام بمكانة خاصة لارتباطه بهذه الشخصية الشهيرة فى تفسير الأحلام. ويوجد عدد آخر من المقامات التى يهتم المصريون بزيارتها وخاصة مقام السيدة سكينة التى حضرت إلى مصر مع السيدة زينب وجاءت مع عدد آخر من نساء آل البيت وهذا ما يفسر وجود أضرحة كثيرة لسيدات آل البيت وبخاصة فى مصر القديمة، وقد ولدت هذه السيدة سنة 47 هجرية ورحلت عام 117 هجرية وأمها رباب ابنة امرؤ القيس وأبوها الحسن بن على- رضى الله عنه- وقدمت إلى مصر بعد استشهاد الحسن وسكنت هذه الديار وكانت تشتهر بحب الشعر والحكمة وأعطاها الله لسان البلاغة والفصاحة. ويقال إنها سميت سكينة لأن النساء كانت تسكن إليها وترتاح إليها لطيب مجلسها.


قصر الأمير طاز
تحظى منطقة الخليفة أيضا بفعاليات ثقافية من نوع خاص، فخلال شهر رمضان ينظم قصر الأمير طاز بشارع السيوفية المتفرع من شارع الصليبة، بالمنطقة، العديد من الفعاليات الرمضانية والحفلات والأمسيات التي تجذب المئات يوميا. ويُعد قصر الأمير طاز أحد أبرز القصور في العصر المملوكي، حيث يحتفظ بعناصر معمارية تمثل العمارة المدنية في ذلك العصر. يقع القصر في شارع السيوفية بحي الخليفة بمدينة القاهرة، وتم إنشاؤه في عام 753هـ/1352م على يد الأمير المملوكي طاز، أحد أمراء عصر أسرة محمد بن قلاوون وأبنائه.


كما يشهد شارع الصليبة أيضا طقوسا رمضانية خاصة، فهو واحد من أقدم وأهم شوارع القاهرة الإسلامية، حيث يمتد من ميدان القلعة إلى ميدان السيدة زينب. ويعود تاريخ الشارع إلى أكثر من 700 عام، وسمي بهذا الاسم بسبب تقاطعه مع العديد من الشوارع الأخرى. وشهد شارع الصليبة العديد من الأحداث السياسية والاجتماعية والتاريخية على مر العصور، بما في ذلك مرور مواكب المحمل السلطاني وكسوة الكعبة، واحتفالات الدولة، والمؤامرات التي حاكها حكام المماليك ضد بعضهم البعض.
يحتوى الشارع على مجموعة واسعة من المباني الإسلامية التي تعكس مجموعة متنوعة من الطرز المعمارية الغنية والمتنوعة من فترات مختلفة. يمكن العثور على المساجد والمدارس والكتاتيب والأسبلة والخانقاوات والحمامات القديمة والقصور. 


يعد شارع الصليبة متحفا في الهواء الطلق يعرض العصر الإسلامي بكل بهائه. من أهم الآثار الموجودة بالشارع جامع أحمد بن طولون، وهو أحد المساجد الأثرية الشهيرة بالقاهرة، وثالث مساجد الإسلام في مصر الإسلامية.
كما يضم الشارع بيت الكريتلية، المعروف بمتحف جاير أندرسون، الذي يتكون من منزلين، بيت محمد بن حاج سالم وبيت السيدة آمنة بنت سالم. يعتبر هذان المنزلان من الآثار الإسلامية النادرة والثمينة التي تعود إلى العصر المملوكي والعثماني.


يضم الشارع أيضا سبيل أم عباس، وهو سبيل كان مخصصا لتوزيع مياه الشرب النقية على المارة طلبا للثواب واستجلابا للدعاء. يقع السبيل عند تقاطع شارع الركبية وشارع السيوفية مع شارع الصليبة أمام حمام الأمير شيخو بالقاهرة.

 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: