سوريا لكل أبنائها

15-3-2025 | 17:20

ستظل جريمة الساحل السورى، مجزرة طائفية بامتياز، لا يمكن تبريرها بالفلول، أو ببقايا النظام السابق، لأن قتل أكثر من ألف فى يوم واحد، منهم 800 من المدنيين والأسر العلوية، الموجودة فى هذه المنطقة انتقاما من الأسد وفلوله، إشارة إلى أن سوريا لا تزال تغلى، وأن الحس الطائفى هو الذى يحكم مسارات السياسة هناك حتى الآن.

معاناة السوريين لم تنته، ولم تبدأ أول أمس بعد، لكنها بدأت منذ أكثر من نصف قرن، عندما تحكم فى سوريا غلاة المتعصبين باسم القومية، كانوا فى البداية من البعثيين، بعد انقلاب صلاح جديد وحافظ الأسد.
فى الستينيات تحول الجيش والحزب إلى الطائفية، ثم العائلة، وتحكموا فى سوريا باسم العلمانية، ولم يكن ذلك صحيحا على الإطلاق، كما أنه اليوم ليس صحيحا أن سوريا تخلصت من الطائفية، لكن الانتقال تم إلى مجموعة من السنة، يمثلون الطائفة الأكبر فى سوريا، التى ظلت سنوات طويلة تشعر بالمظلومية التاريخية والاضطهاد، لدرجة أن أغلبهم هاجروا إلى دول الخليج، وتركوا سوريا.

وعندما كنت تقابل سوريا فى المهجر يقول لك، البلد ليس لنا، لا نستطيع أن نفتح كشكاً للتجارة دون أن يكون لك شريك علوى، واستمرت هذه الأوضاع.

ونحن نتصور أن سوريا المعاصرة، لن تستطيع أن تتخلص بسهولة من هذا الحس الطائفى عسكريا، لكنها تحتاج إلى مصالحات ضخمة، وإلى أن يتعاون الجميع لترميم سوريا، وليشعروا جميعا بالخوف مما يخطط لسوريا، فسوريا واسطة العقد وانفجارها، أو ضياعها يؤثر فى كل دول الشرق الأوسط، خصوصا العالم العربى.

سيظل جيلنا يذكر أن أمثولة العقد الثانى من هذا القرن، الواحد والعشرين، كانت سوريا برغم المجازر والحرب التى استمرت فى غزة، وعلى جبهات عديدة فى المنطقة العربية،  لكنها كانت الأكثر حزنا وألما، قتلا وتهجيرا.

نصف الشعب السورى تم تهجيره، فى كل ربوع الأرض فى الشرق الأوسط والعالم، وأصبحت ظاهرة الهجرة السورية هى الأبرز، والأكثر وضوحا، بل الأطول عمرا، هى حرب أهلية استدعت العالم والإقليم كله فى سوريا.

ثم كان التغيير على يد جماعة سنية أهل النصرة لها ارتباطات بكل التنظيمات الإسلامية فى سوريا وجوارها، وعلى الرغم من التخوفات التى صاحبت هذا التغيير، لكن تصريحات الرئيس الشرع كانت متزنة إلى حد كبير، أو حاول لملمة الأحداث، وعدم تسارع الثأرات، خصوصا بعد انكشاف عملية التعذيب فى سجونه، ولعل صور  السجون التى انتشرت فى كل العالم وثقت الجرائم المتعددة التى تعرض لها السوريون بمختلف طوائفهم.

فوجئنا فى الأسبوع الثانى من رمضان، بمجزرة الساحل السورى، التى راح ضحيتها أكثر من ألف سورى، مجزرة بشعة تعرض لها المدنيون والعسكريون فى الساحل، خصوصا من الطائفة العلوية فى معاقلها، والأخطر أن المعركة كشفت أن هناك مخططا لتفجير سوريا وتفكيكها، فقد كانت عملية ممنهجة وخطة ليس للانتقال فقط، لكن مصحوبة بالمجازر البشعة المخيفة، لكل أهل الشام، وعلى الرغم من أن الحكم السورى الراهن لم يفاجئنى، فقد كان متوقعا بعد خلع نظام عمره نصف قرن، أن الانتقال يحتاج بل يتطلب المعالجة بالحكمة والصبر والاستيعاب والتواصل.

اعترف معظم السوريين، أن الحوار الذى أدارته الحكومة الانتقالية، لم يلب طموحاتهم، بل لم يكسر مخاوفهم من المستقبل، الصورة المعقدة فى سوريا، لا تزال لم تكشف عن خفاياها بعد، إسرائيل تعمل على تفتيت الشام، بل الاستثمار فى الأقليات، تغازل الكرد والدروز، وتظهر أنها محام وحامى الأقليات.

تقول المعلومات إن إسرائيل تريد نقل نصف مليون فلسطينى من قطاع غزة، إلى مناطق الشمال والشرق السوريين، وإسرائيل استولت على جبل الشيخ الإستراتيجى، بما جعل دمشق فى الوضع الساقط عسكريا وسياسيا، وأتاح حرية الحركة لها فى الجنوب السورى، وعمق البقاع اللبنانى وإسرائيل.

إنها تصبغ عناصر الحماية على الأقليات، ارحموا سوريا والسوريين، من الحروب والمجازر، وأن تظل بلادهم ساحة وليست دولة، الحكم السورى يجب أن ينتبه لما يخطط له وللسوريين، وليس أمامه حل عسكرى يأتى من الخارج، بل تصالح حقيقى بين الطوائف، وعودة سوريا لكل السوريين، لتكون بيتا للعلوى والسنى والشيعى والكردى والمسيحى، باطمئنان فى دولة للعدل، وسوريا التى نحلم بها، هل تجد من يمد لها يده بسلام وبشرف، فى زمن عز فيه الشرف؟

كلمات البحث
الأكثر قراءة