حكاية أول رمضان في مصر

13-3-2025 | 13:22
حكاية أول رمضان في مصرالصلاة - صورة موضوعية
وليد فاروق محمد
الشباب نقلاً عن

كان خليفة المسلمين عُمر بن الخطَّاب يتخوَّف دائما من مُتابعة الفتوحات قبل أن يُرسِّخ المُسلمون أقدامهم في المناطق التي دخلوها في العراق والشَّام، خاصَّة بعد عام الرمادة وطاعون عمواس سنة 18هـ ، حيثُ مات عشرات الأُلوف من الجُوع والوباء، ثُمَّ اقتنع بفكرة عمرو بن العاص بضرورة الزحف من الشَّام إلى مصر.  

وقد جاء مع عمرو بن العاص جيش قوامه أربعة آلاف جندى، وقيل 3500 جندى، وبحسب المراجع التاريخية أنهم قاتلوه قتالا شديدا استمر نحو 3 أشهر،  وعندما استعصى عليه الفتح أرسل له الخليفة عمر بن الخطاب الزبير بن العوام ونحو 12 ألف مقاتل، وفتح المسلمون مصر بشكل كامل في العام التالي بعدما تمكنوا من القضاء على آخر معاقل الروم فى الإسكندرية، وشاء الله سبحانه وتعالي ألا يقتصر ارتباط المصريين بشهر رمضان بالاحتفال الدينى فقط، فقد عرف المصريون الإسلام مع أول يوم في رمضان عندما قام عمرو بن العاص بفتح مصر، فشاهدوا جيش المسلمين وهم يصومون ويصلون ويؤدون الزكاة.

فتح مصر

نتوقف مع شيخ المؤرخين المصريين تقي الدين المقريزي الذى ولد في القاهرة عام 764 هجريا وتوفي يوم الخميس 16 رمضان عام 845 هجريا، ومن مؤلفاته كتاب (عقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط) الذي حاول فيه المقريزي أن يكتب عن تاريخ مصر خلال الفترة التي امتدت منذ الفتح العربي إلى مرحلة ما قبل تأسيس الدولة الفاطمية، وحسبما يؤكد فإن الجيش الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص اخترق سيناء وفتح العريش بلا مقاومة، ولم يشتبك الجيش مع جند الروم في قتال حتى وصل إلى مدينة الفرما ذات الحصون القوية، فحاصرها المسلمون أكثر من شهر، وتم الفتح في أول شهر رمضان عام 20 هجريا،  وقد شهد فتح مصر من الصحابة رضي الله عنهم كثيرون، منهم الزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص وعبد الله بن عمرو وخارجة ابن حذافة العدوي وعبد الله بن عمر بن الخطاب وقيس بن أبي العاص السهمي والمقداد بن الأسود وعبد الله بن أبي سعد بن أبي سرح العامري ونافع بن عبد قيس الفهري وأبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عبدة وابن عبد الرحمن وربيعة ابنا شرحبيل بن حسنة وعبادة بن الصامت ومحمد بن مسلمة الأنصاري وغيرهم، وكانت أخلاق هؤلاء العظام وسلوكهم أكبر دليل عملي شاهد من خلاله المصريون عظمة الإسلام..خاصة في رمضان. 

المسجد الأول

رغم أن عمرو بن العاص أمر ببناء مسجد بداية دخوله مصر وهو "سادات قريش" فى مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، بعد الفتح الإسلامى للمدينة، ليكون أول مسجد يتم بناؤه ليس في مصر فقط بل في قارة إفريقيا، وتمت تسميته أيضا مسجد "الشهداء" لأنه شهد وفاة 250 مسلما فى المعركة التى دارت بين المسلمين والرومان، كان من بينهم 20 من صحابة الرسول تم دفنهم أسفل المسجد، لكن دائما يشار لأن أول مسجد بني في مصر هو مسجد عمرو بن العاص، وهو معروف أيضا باسم مسجد الفتح، وبدأ بناؤه في 24 رمضان سنة 20 هجريا بالفسطاط، والاسم جاء من الفسطاط أو الخيمة التي كانت مسكنا لعمرو بن العاص، أي بعد 24 يوما فقط من فتح مصر بدأ المسلمون في بناء المسجد، وقد لاحظ المؤرخ المقريزي أن أول معرفة المصريين بالإسلام كانت عن طريق الصيام بعدما تصادف فتح مصر مع دخول شهر رمضان.. وبعدها بأيام قرر عمرو بن العاص بناء مسجده ليس لأداء الفرائض الدينية فحسب، بل كان مسجدا جامعا لأمور الدنيا والدين، حيث كانت توجد به محكمة لفض المنازعات الدينية، وبيت للمال، كما كانت تعقد فيه حلقات دروس لكبار العلماء بعد ذلك أمثال الإمام الشافعي والليث بن سعد، والعز بن عبدالسلام، الشيخ محمد الغزالي.

قصص وأساطير

  ويروي المقريزي أنه كان من الطبيعي أن يحكي عن جامع عمرو "الجامع العتيق " وأول جوامع مصر الإسلامية الكثير من القصص والأساطير، كما يعتبره الناس من الأماكن التى يستجاب فيها الدعاء، ويقال يوجد علي يسار الداخل من الباب البحري الكبير عمودان متجاوران يزعم الناس أنه لا يمكن المرور بينهما إلا لطاهر، لذلك فإن من دنس بالذنوب والخطايا يقصدونهما بالمرور بينهما ليختبر الإنسان حاله ويزدحمون عليهما بعد صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان ازدحاما شديدا، ولذلك كان هذا المسجد مرتبطا منذ قرون بصلاة التراويح في رمضان، وقد بنى عمرو رضي الله عنه  المسجد.. ثم بنيت حوله مدينة الفسطاط التي هي أول عواصم مصر الإسلامية، وكان بذلك أول مسجد في مصر وإفريقيا، والرابع في الإسلام بعد مسجد المدينة الذى بناه الرسول صلى الله عليه وسلَّم في العام الهجري الأول،  ومسجد البصرة الذى بناه عقبة بن غزوان رضي الله عنه عام 14 هجريا، ومسجد الكوفة الذى بناه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عام 17 هجريا، وأشرف على بناء مسجد عمرو بن العاص أربعة من الصحابة هم أبو ذر الغفاري، أبو بصرة، محمية بن جزء الزبيدي، نبيه بن صواب البصري ، وقام بتحديد القبلة فيه جمهور من الصحابة رضوان الله عليهم، مـنهم: ربيعة بن شرحبيل، عمر بن علقمة القرشي، الزبير بن العوام، المقداد بن الأسود، عبادة بن الصامت، رافع بن مالك، أبو الدرداء، فضالة بن عبيد الله، عقبة بن عامر. وغيرهم من أجلاء الصحابة الفاتحين وافتُتح بأول صلاة جمعة مباشرة فكان بذلك أول مسجد جامع في مصر والقارة الإفريقية ليخرج منه نور الإسلام والإيمان إلي باقي البلدان. 

البناء الفريد

أنشئ هذا المسجد بشكل كامل عام 21هجريا على أرض كانت حديقة تبرع بها "قيسبة بن كلثوم" وكان يشرف على النيل، ومساحته وقت إنشائه 50 ذراعا في 30 ذراعا  وله ستة أبواب، وظل كذلك حتى عام 53 هجريا وتوالت التوسعات فزاد من مساحته "مسلمة بن مخلد الأنصاري" والي مصر من قبل "معاوية بن أبي سفيان"، وأقام فيه أربع مآذن، وتوالت الإصلاحات والتوسعات بعد ذلك على يد حكام مصر حتى وصلت مساحته بعد عمليات التوسيع المستمرة نحو أربعة وعشرين ألف ذراع معماري، وهو الآن حوالي 13200 متر، ويُعدّ أقدم أثر إسلامي باق حتى الآن في مصر والقارة الإفريقية.

وحسبما يشير المؤرخ ابن دقماق في كتابه "الانتصار لواسطة عقد الأمصار" فإن عددا كبيرا من مشاهير الصحابة شارك في تحري قبلة هذا الجامع، إلا انها جاءت منحرفة بعض الشيء عن الاتجاه الصحيح للقبلة، وتزخر المصادر التاريخية بأوصاف تاج الجوامع الذي عمره الصحابة بأداء الصلوات وإلقاء الدروس حتى إن أحد المؤرخين يصفه بأنه "إمام المساجد ومقدم المعابد وقطب سماء الجوامع ومطلع الأنوار اللوامع وموطن أولياء الله وحزبه وطوبى لمن حافظ على الصلوات فيه وواظب على القيام بنواحيه وتقرب منه الى صدر المحراب وخر إليه راكعا وأناب". والحقيقة أن جامع عمرو كان صغيرا عند تشييده إذ لم تتعد أبعاده الأولى 50 ذراعا طولا و30 ذراعا عرضا، كانت كلها ظلة للصلاة بلا صحن مكشوف ولم يكن للجامع محراب مجوف، بينما كانت جدرانه عارية من كل زخرف وله بابان في الضلعين الشمالي والغربي، وآخران يواجهان دار الإمارة الملاصقة لجدار القبلة. وعندما اتخذ والي مصر عمرو بن العاص لمسجده هذا منبرا من الخشب ليخطب في الناس من فوقه كتب اليه الخليفة عمر بن الخطاب يأمره بكسره قائلا: أما يكفيك أن تقوم قائما والمسلمون جلوس تحت عقبيك، فكسره ويقال إنه أعاده بعد وفاة الفاروق عمر بن الخطاب.##

التوسعة

 مع تزايد الهجرات العربية إلى مصر وانتشار الإسلام بين المصريين ضاق الجامع بالمصلين فتعاقب الولاة على توسيعه فترة بعد أخرى حتى توارت تماما كافة المعالم الأصلية للجامع الأول. وفي سنة 53هـ/ 672م قام الوالي مسلمة بن مخلد الأنصاري بزيادة مساحة الجامع وأنشأ أربع صوامع للمؤذنين في أركانه وزخرف جدرانه وسقوفه وأمر بفرشه لأول مرة بالحصر بدلا من الحصباء وجاء الوالي قرة بن شريك فهدم الجامع وأعاد تشييده بمساحة كبيرة في عام 93هـ وظهر المحراب المجوف لأول مرة في عمارة قرة بن شريك. وخلال العصر العباسي زيدت مساحة الجامع حتى وصلت على يدي الوالي عبدالله بن طاهر في سنة 212هـ "827هـ" إلى مساحته الحالية وهي 120 مترا طولا و113 مترا عرضا.

ورغم ذلك لم يبق من الأعمال المعمارية لهذا الوالي سوى بعض زخارف على الخشب نقلت إلى متحف الفن الاسلامي بالقاهرة. وبعد استقرار مساحته شرع الولاة في العناية بزخرفته وتزيينه ولم يأت منتصف القرن الرابع الهجري حتى كان الجامع قد بلغ ذروة الغنى الجمالي مما جعل الرحالة المقدسي يصفه بالفخامة وانه حسن البناء وفي حيطانه شيء من الفسيفساء على أعمدة رخام أكبر من جامع دمشق وهو أكثر مواضع مصر عمرانا، ويحكي لنا الرحالة ناصر خسرو الذي زار الجامع  خلال (1045م - 1047م) في عهد الخليفة المستنصر الفاطمي ووصفه بأنه كان قائما على أربعمائة عمود من الرخام، وكان يوقد في ليالي المواسم بأكثر من أربعمائة قنديل، ويفرش بعشر طبقات من الحصير الملون، وهو مكان اجتماع سكان المدينة الكبيرة، ولا يقل من فيه في أي وقت عن خمسة آلاف من طلاب العلم والغرباء والكتاب الذين يحررون الصكوك والعقود.

لكن رغم العناية الكبيرة التي أولاها الفاطميون لجامع عمرو بن العاص، فإن بناء الجامع أصيب في عام 564هـ (1168م) عندما أقدم الوزير الفاطمي شاور على إحراق مدينة الفسطاط خشية سقوطها بأيدي الصليبيين، وظلت النار مشتعلة بها 54 يوما فتخربت مبانيها وتشعث جامع عمرو بعد أن هجره المصلون ولم تفلح محاولات الحفاظ عليه من قبل الأمراء والسلاطين لانتقال العمران إلى شاطئ النيل بعيدا عن موقع الجامع، وقيض لتاج الجوامع أن يعاد ترميمه بصورة شاملة على يد الأمير مراد بك في العهد العثماني وبالتحديد في عام 1212هـ (1797م) أي قبل مقدم الحملة الفرنسية لمصر بعام واحد. ويقال إن مراد بك فعل ذلك بحثا عن كنز أخبره بعض العرافين أنه مدفون تحت أرض الجامع، ولكن هذه الأعمال المعمارية انهارت بصورة جزئية في عام 1300هـ (1882م) مع الاحتلال البريطاني لمصر، وأعيد بناء الأروقة في الظلتين الجنوبية والشمالية واستغرقت أعمال البناء والزخرفة التي أشرفت عليها لجنة حفظ الآثار العربية حوالي 17 عاما انتهت مطلع القرن العشرين. وخلال ذلك أجريت تنقيبات أثرية في أرض المسجد أسفرت عن كشف القواعد القديمة للأعمدة وهو ما أتاح إجراء ترميم علمي وشامل لإعادة جامع عمرو بن العاص الى هيئته التي كان عليها. ##

حلقات تدريس بإشراف الأزهر

بعد تطوير المسجد مؤخرا، أعاد المجلس الأعلى المصري للآثار في السنوات الأخيرة تأهيل الجامع حتى أصبح اليوم مركزا دينيا مرموقا ومزارا أثريا في ذات الوقت. ومن المعروف أن لهذا المسجد شهرته القديمة في عقد حلقات التدريس، وقد شرع في السنوات الأخيرة في إحياء تقاليدها تحت إشراف علماء من الأزهر وتجدر الإشارة الى إن تقسيم الدروس في العصور الوسطي كان يتم علي حلقات وصل عددها في القرن الرابع عشر الهجري الى أكثر من أربعين حلقة لا تكاد تنفض. وكثيرا ما كان يطلق على أماكن حلقات دروس كبار العلماء بالجامع الزوايا فعرف درس الشافعي بزاوية الإمام الشافعي لانه كان يدرس فيه الفقه وحرص على التدريس بها أعيان الفقهاء والعلماء من أتباع المذهب الشافعي. وحافظ الجامع العتيق الذي صادفه حظ عاثر في الحفاظ على معالمه الأثرية القديمة وعلى مكانته الروحية والدينية ودوره الثقافي بفضل سيرة الصحابة الأوائل الذين عمروه بناء وتدريسا ويحتضن المسجد مكتبة تاريخية غنية بالمخطوطات الإسلامية والكتب الدينية التي تعكس الحضارة والعلم. ##

مصر  أولا  

 علي مدى قرون طويلة ارتبط شهر رمضان فى عقول وقلوب المسلمين بطقوس كثيرة، معظمها مصرية الأصل ، وأول من عرف من المؤذنين فى مصر هو الصحابي الجليل أبو مسلم بن عامر بن المرادى وكان أذانه فى مسجد عمر بن العاص ، وكان ابو مسلم هو مؤذن الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنهما، وأرسله الفاروق مع عمر بن العاص عند فتح مصر، وعندما فتح الله على عمر بن العاص بفتح مصر قام أبومسلم فأذن أول أذان للإسلام فى مصر وأفريقيا كلها، وقد عمد عمرو ابن العاص إلى عشرة مؤذنين فى مصر كان من بينهم ابو مسلم بن عامر بن المرادى رضى الله عنه، والذى ظل المؤذن الأول فى مصر الى أن توفاه الله، ومن بعده توارث الأذان فى مسجد عمرو بن العاص أولاده وأحفاده والذين قاموا بنفس دور والدهم رضى الله عنه وأرضاه بالنداء الى الصلاة .

 ##

أما أول مسحراتى عرفته مصر فكان عنبسة بن إسحاق سنة 228 هـجرية وكان واليا على مصر، ويذهب سائرا على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص وينادي الناس بالسحور، ورغم مكانته حاكما للمحروسة، كان ينزل إلى الشارع سيرا على قدميه، ليطوف أحياء مصر القديمة حاليا، أيضا من مظاهر الاحتفال بشهر رمضان أغنية "وحوى يا وحوى" التى يرددها الاطفال وهم يحملون الفوانيس ..يقول البعض ان الاغنية عرفها المصريون القدماء منذ الاف السنين، وان كلمة "ايوحة" مأخوذة من "ايوح" وهو اسم القمر عند الفراعنة، فكانوا يرددون هذه الاغنية فى مطلع كل شهر، كذلك ارتبطت الأكلات الشعبية الاخرى بشهر رمضان فى مصر، مثل طبق الفول المدمس، والزبادى، والمقبلات المتنوعة، إضافة الى ياميش رمضان ومشروب قمر الدين المصنوع من المشمش، وكانت الكنافة والقطايف موضع مساجلات بين الشعراء فجلال الدين السيوطي له رسالة عنوانها: "منهل اللطايف في الكنافة والقطايف". 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: