وسط أزقة سيدي بشر المليئة بأصوات الباعة والمشاة، تدفع «سوريا علي السيد» عربتها الحديدية في معركة يومية، تخطوها بخطواتٍ واثقة، حاملةً أسطوانات الغاز على عربتها، وتوصيلها إلى الشقق السكنية على كتفها.
موضوعات مقترحة
وبينما يحتمي كثير من الصائمين في بيوتهم من شمس رمضان الملتهبة، ترفض السيدة الستينية، أن تستسلم؛ رغم «قسوة عملها»، ولا تلتفت إلى «نظرات الاستغراب» من عملها في الشارع؛ لتصبح «أم السبعة أبناء» ليست مجرّد موزع لأسطوانات البوتاجاز، بل رمزًا للكفاح الذي يدعو إلى الفخر.
ستينية تحمل أسطوانات البوتاجاز لأهالي الإسكندرية
من طفولة بلا ذكريات إلى مهنٍ لا تناسب السيدات
تبدأ حكاية السيدة سوريا في حي بولاق أبو العلا في القاهرة؛ حيث عاشت طفولةً قاسيةً اختبرت فيها أنواعًا من العمل لم تكن تتخيلها امرأة.
«شيلت نشارة الخشب على الكارو.. صلحت شكمانات العربيات.. اشتغلت سباكة.. لم أتقيد بقواعد المجتمع اللي صنفت الشغلانات دي للرجال فقط»، بلهجةٍ تحمل الفخر تتحدث السيدة سوريا إلى «بوابة الأهرام».
لم تكن هذه المهن الشاقة على سيدة، هي المهن الوحيدة التي عملت بها السيدة الستينية، بل عملت أيضًا في صناعة حلوى المولد، وطباعة كروت الأفراح، حتى استقر بها الحال في مهنة تعد الأصعب بين التي مارستها «توزيع أسطوانات الغاز».. «اخترتُها لأنها الحل الوحيد قدامي علشان أكل عيالي» تتحدث الأم سوريا.
ستينية تحمل أسطوانات البوتاجاز لأهالي الإسكندرية
منذ 40 عامًا.. «الغاز» مصدر رزق
لم تكن السيدة سوريا تعلم أن حاجتها لملء أسطوانة غاز عام 1982 ستكون بداية مسارٍ جديد، يغير حياتها.
«ما كانش معايا ثمن تعبية الأنبوبة.. فاقترح عليّ الجيران أجمع الأنابيب الفارغة بمقابل.. ومن هنا بدأت» تروي السيدة بداية عملها.
استمرت الرحلة لأكثر من أربعة عقود، حملت خلالها آلاف الأسطوانات إلى شقق الإسكندرية العليا، خاصة بعد وفاة زوجها عام 2007، لتصبح المعيلة الوحيدة لأبنائها السبعة؛ لتؤكد بفخر «علمتهم كلهم.. وجوزتهم من شقايا وتعبي»
ستينية تحمل أسطوانات البوتاجاز لأهالي الإسكندرية
يوم سوريا.. يبدأ مع فجر أيام رمضان
حتى في رمضان، يبدأ يوم السيدة سوريا قبل الفجر؛ فتذهب إلى المخزن لصرف نحو 20 أسطوانة، توزعها بعربتها الحديدية، ثم تعود لاستلام الفارغة.
وتقول ضاحكة: «بعد الفطار أتابع مباريات الزمالك.. أنا زملكاوية حتى النخاع»، موضحة أنه رغم عمرها، ترفض أن تتباطأ؛ حيث تعمل من السادسة صباحًا حتى صلاة العشاء قائلة: «العمل سرُّ شبابي».
ستينية تحمل أسطوانات البوتاجاز لأهالي الإسكندرية
من بداية ساخرة إلى «الست سوريا»
في السابق كانت سوريا هدفًا لسهام الكلمات والنظرات الساخرة؛ لاختيارها مهنةٍ تناسب الذكور، إلا أن إصرارها على «لقمة العيش» وعدم الالتفات إلى العبارات الساخرة قلب الموازين.
«النهاردة يساعدونني في شيل الأنابيب» بفخر تتحدث السيدة الستينية.. وينادوني: «يا ست سوريا.. عاوزين أنبوبة».
ستينية تحمل أسطوانات البوتاجاز لأهالي الإسكندرية
إلى الشباب.. رسالة من مكافحة ستينية
«الحياة عايزة معافرة كل يوم.. ما تستنوش حد يساعدكم» توجّه سوريا علي السيد رسالة إلى الشباب والسيدات، قائلة: إن المرأة قادرة على فعل كل شيء، حتى حمل الأسطوانات!.
«ولادي السبعة شهاداتهم عالية.. ودا نجاحي الحقيقي» تختم الأم الستينية حديثها بفخر عن إنجازها الشاق.
ستينية تحمل أسطوانات البوتاجاز لأهالي الإسكندرية
ستينية تحمل أسطوانات البوتاجاز لأهالي الإسكندرية
ستينية تحمل أسطوانات البوتاجاز لأهالي الإسكندرية
ستينية تحمل أسطوانات البوتاجاز لأهالي الإسكندرية