كرر سموتريتش، الوزير الصهيوني، التهديد بتحويل الحياة في غزة إلى جحيم، وقال إن قطع المساعدات عنها هو "أول" خطوات الجحيم!
وكأن ما حدث في حرب الإبادة والتجويع لم يكن جحيمًا بكل المقاييس، من موت الأطفال الخُدَّج لعدم توافر الحضانات، وتعرض مئات الحوامل للإجهاض أو للولادة بدون تخدير، وموت كبار السن والأطفال جوعًا ومن قسوة البرد بسبب العيش في خيام لا تحمي سكانها لا من حرارة الصيف ولا صقيع الشتاء.
وكأن ليس من الجحيم ما يتنفسه الجميع في غزة من معاناة في كل بيت، من وجع فقد الأحبة من الشهداء والمفقودين والتألم للمصابين، وعذاب مواصلة التنقيب عن الشهداء تحت الأنقاض لاستخراج جثثهم ودفنها، ورؤية بيوت الغالبية العظمى من أهل غزة تتهدم أمام أعينهم ويكافحون ليخرجوا هم وصغارهم ونساءهم وما يستطيعون أخذه بصعوبة من تحت الأنقاض.
وكأنهم لم يعيشوا الجحيم حين أكلوا أوراق الأشجار وحفروا الآبار لاستخراج المياه بعد أن منع الاحتلال وصول المياه إليهم، ثم قام بتدمير بعض هذه الآبار فور اكتشافها، ورأينا أطفالًا يجمعون مياه الأمطار للشرب منها لقلة المياه.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن نصيب الفرد في غزة من المياه هو أقل نصيب في العالم ولا يفي باحتياجات أي إنسان، فضلًا عن وجود أكبر نسبة لمن تعرضوا للبتر في الأطراف في العالم في غزة بسبب حرب الإبادة، وتعرض الجميع لأمراض سوء التغذية مع التناقص الرهيب في الخدمات الصحية، وكل مقومات الحياة لشعب كل جريمته أنه يحافظ على وطنه ويرفض مغادرتها قسرًا ويتشبث بالبقاء بها رغم إغراءات التهجير والتهديد بالمزيد والمزيد من الجحيم إذا رفضوا ترك وطنهم.
قالت سيدة تهدم بيتها واستشهد كل أفراد أسرتها: لدينا قماش أبيض لنكفن أحباءنا وليس لدينا قماش أبيض لراية الاستسلام.
وقال المؤرخ البريطاني لورنس فريدمان: دخول مدينة يختلف عن إبقائها تحت السيطرة.
والثابت واقعيًا وتاريخيًا أن غزة وفلسطين غير قابلة للسيطرة، وما شهدناه من صمود غير مسبوق وكذلك في إفطار جماعي في رفح وفي أكثر من مكان في غزة وسط التدمير البشع والممنهج وعلى الأطلال وفي تحدٍ واضح للاحتلال، وتناول المفطرون الطعام البسيط من بقايا الدقيق الذي احتفظ به البعض وشاركه مع الغير مع ما استطاعوا تجميعه من أطعمة ومشروبات رغم ندرتها وارتفاع أسعارها، وتقاسموه سويًا في تلاحم شعبي رائع ورفض متجدد للتهجير وتأكيد على الحق في العيش في وطنهم واليقين بأنهم سيقومون بتعميره وبإعادة بناء بيوتهم ورفض تحويل غزة إلى "ريفيرا" كما اقترح ترامب.
كتبت صحيفة "واشنطن بوست" أن ترامب، المطور السابق لناطحات السحاب والمنتجعات ونوادي الجولف في أنحاء العالم، نجح في تقليص أحد أكثر الصراعات السياسية المستمرة في التاريخ الحديث إلى مجرد تحدٍ إنشائي.
وكان كوشنر، زوج إيفانكا ترامب ومستشار ترامب في ولايته الأولى ويمتلك شركة تستثمر في العقارات، مهندس خطة السلام في الشرق الأوسط عام 2020 التي لم تُنفذ.
وصف كوشنر سابقًا الصراع العربي الإسرائيلي بأنه ليس أكثر من نزاع عقاري!
وهو أول من طرح تحويل غزة إلى ريفيرا الشرق وأشاد بالقيمة العالية للعقارات المطلة على الشريط الساحلي في غزة واقترح على ترامب نقل السكان منها "لتنظيفها"!
ويؤكد التاريخ أن أمريكا التي تحتمي بها إسرائيل وتستأسد بها تم إجبارها على التفاوض مع كل من فيتنام والصومال وطالبان، ومنذ أيام قال موقع أكسيوس وغيره من الصحف الغربية والعبرية إن أمريكا أجرت مباحثات مباشرة مع حماس للتفاوض بشأن تحرير الأسرى.
وهذا لا يعني قرب نهاية الاحتلال ولكن دليل واضح على فشل سياسة توقع خضوع غزة بسبب تزايد الوحشية الصهيونية.
قالت الصحف العبرية إن اتخاذ القرار بالتعامل الأمريكي المباشر مع حماس لأول مرة يعد انقلابًا على السياسة الأمريكية طوال عقود وتم إبلاغ إسرائيل بها دون انتظار موافقتها وهو ما لم يحدث من قبل.
تريد أمريكا الإفراج عن كل الرهائن ومنهم الأمريكيين، وجدد ترامب التهديد بالجحيم في غزة في الوقت نفسه.
وكتبت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن أسرى فلسطينيين كتبوا على جدران السجن قبل الإفراج عنهم عبارة: لن ننسى، ولن نسامح، ولن نركع.
وقال يسرائيل زيف، المسؤول السابق لشعبة العمليات في جيش الاحتلال: أشعر بالخجل، فقد وصلت إلى مشارف مستوطنة ناحال عوز في 7 أكتوبر وشاهدت كتيبة عسكرية كاملة ترفض الدخول ومواجهة المقاومين الفلسطينيين، بينما يهدد سموتريتش ونتنياهو وغيرهما بالعودة إلى الحرب والقضاء على غزة.
ولا يفهم أحد ماذا يتوقعون أن تكون النتائج؛ فهل يتوهمون أنهم سيفعلون ما عجزوا عن فعله في 471 يومًا؟ وكما قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد في الإذاعة الإسرائيلية: الحرب ليست هدفًا إنما أداة لعملية سياسية وهذا ما تفهمه الحكومة.
وقالت القناة 12 الإسرائيلية إن نتنياهو ضرب الطاولة خلال مداولات محاكمته اليوم وقال أنتم تقومون بجرجرتي منذ ثماني سنوات في هذا الجحيم، ويتلاعب بالمفاوضات للهرب من جحيم محاكمته بتهم الفساد، وللأمانة فليس وحده من يريد تحويل حياة غزة إلى الجحيم فجميع الساسة في الكيان يريدون ذلك بشدة ولكنهم يختلفون فقط في الوسائل واختيار التوقيت والتخوف من فشل جديد يهدد وجود الكيان.