10-3-2025 | 13:16

يحدث مع بداية شهر رمضان، أسمع عددًا ليس قليلًا من الناس (والأئمة) ينتقدون ويتهمون من يتدافع من الشباب إلى المساجد وإلى الصف الأول وإلى قراءة القرآن، بأنهم لا يفعلون ذلك لوجه الله تعالى، بل ويؤكدون أن هذا ظاهره نفاق اجتماعي. ويدللون على صحة اتهامهم بانخفاض أعداد المصلين بعد شهر رمضان، وبعده هجر المصاحف وندرة صلاة القيام في بيوت الأغلبية أو تكاد تختفي، مع تزامن اختفاء كثير من أعمال الخير التي يحرص الجميع عليها علانية في رمضان.

تقريبًا هذه التهمة تلاحق أيضًا طلاب الثانوية العامة، أو الطلبة في الكليات الصعبة حين تقترب الامتحانات النهائية، ويكون "النفاق" وشمًا على جباههم كلما اقتربوا من الله أكثر، وتضرعوا إلى الله لكي ينجحوا ويتفوقوا في الاختبارات. وتنهال عليهم نفس الاتهامات أنهم يلجأون إلى الله أوقاتًا قليلة ثم يبتعدون في أغلب الأوقات.


لا أعرف من أين أتى كل هؤلاء بالتأكيد على نفاق البعض، فهل اطلعوا على قلوبهم؟ النفاق معناه القيام بشيء غير الذي تؤمن به، أو فعل أشياء مخالفة لما تخفيه داخلك، وهو أمر مختلف تمامًا عن حالات التقرب إلى الله في رمضان وأيام الاختبارات. بل على العكس، فالشباب يؤمنون بالله الواحد الأحد، ويؤمنون بأن الله قادر على مددهم بالنجاح والتفوق، وهو سبحانه قادر على غفران ذنوبهم في رمضان ومضاعفة حسناتهم وإدخالهم في رحمته. وهم بذلك يبتعدون عن أحد أشهر تعريفات النفاق التي تقول: "المنافق ليس له شيء من اليقين في الله"، لأنهم بالفعل عندهم من اليقين ما يجعلهم يتجهون إلى الله وحده لا شريك له بالدعوات والصلوات وقراءة القرآن.
ونأتي إلى نقطة لماذا يتزاحمون على الصف الأول في رمضان ويملأون المساجد، بينما بعد رمضان بالكاد لا نراهم؟ لأنهم يلتمسون الخير والبركة في رمضان، يلتمسون مضاعفة الحسنات في رمضان، يلتمسون كل خيرات شهر رمضان، فأغلبنا لو استطاع أن يأخذ إجازة من العمل أو الدراسة في شهر رمضان، لفعل.

وهناك من يؤجل إجازات العام كله من أجل هذا الشهر الفضيل، لأنه بالتأكيد لن تتاح له الإجازات طوال العام، فيريد ادخارها لهذا الشهر الفضيل. أي أن خصوصية هذا الشهر تجعل الجميع يتسابقون إلى الخيرات فيه دون سواه.

 ومن الصعب أن يستمروا على هذا السباق طوال العام، لأن النفس البشرية تميل إلى الراحة من فترة لأخرى، ولا يمكن أن تظل في سباق دائم مستمر، فلا بد من راحة. وهم بذلك يتبعون الطبيعة البشرية، فحين شعر أحد الصحابة بأنه في حضرة النبي يشعر بالجنة والنار، وحينما يفارقه ينسى ويمارس حياته العادية مع الزوجة والأولاد والجيران وقضاء الحوائج.

فقد روى مسلم عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة الأسيدي قال: وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبوبكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله، ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا. قال أبوبكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبوبكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله: "وما ذاك؟" قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" ثلاث مرات. رواه مسلم.

والمعنى أي لا يكون الرجل منافقًا بأن يكون في وقت على الحضور والتدبر والتفكر وأداء حقوق الله، وقراءة القرآن ومحاولة اللحاق بالصف الأول، وفي وقت آخر على الفتور وقضاء حوائج نفسه ومخالطة أولاده وزوجه وأمواله. إن هذا ليس نفاقًا، ولكنه اتجاه إلى الله وحده، كمن يعتكف في رمضان فقط، رغم أن الاعتكاف مباح طوال العام. 

وأهمس في أذن بعض الخطباء والشيوخ المتشددين، لا تقسوا على الشباب ولا ترموهم بما ليس فيهم، فهم عرفوا أن هناك إلهًا واحدًا يلتجئون إليه ليحقق أمنياتهم وأحلامهم، فذهبوا متضرعين يرجون رحمته ويخشون عذابه، ويطلبون منه ما يرغبون، ثم شغلتهم الحياة لتدبير أمورهم، فهم ليسوا منافقين ولكنهم ساعة وساعة.

أكس: @AhmedTantawi
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة