نحو نظام غذائي أكثر عدالة

10-3-2025 | 13:14

يُعدّ النظام الغذائي انعكاسًا مباشرًا للظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأي مجتمع، فبينما تتمتع بعض الدول العربية بوفرة غذائية تصل إلى حدّ السَّفَه والتبذير، يعاني آخرون نقصًا حادًا في الغذاء يصل إلى حدّ الجوع والمجاعة، كما هو الحال في غزة وغيرها من المناطق المتأثرة بالصراعات والفقر. 

هذا التفاوت الصارخ يثير تساؤلات حول مفهوم التكافل الاجتماعي بين المسلمين، خاصة في ظل تعاليم الدين الحنيف التي تحث على الاعتدال في الطعام ومساعدة المحتاجين.

بعض الدول، خاصة في منطقة الخليج، تعاني من معدلات مرتفعة في استهلاك الغذاء. ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة، هناك نسبة هدر غذائي مرتفعة في هذه الدول، تصل إلى 40% من الطعام المُعدّ! هذا الإسراف له أبعاده الصحية الخطيرة، إذ تتصدر بعض الدول العربية قوائم السمنة والأمراض المرتبطة بها، مثل السكري وأمراض القلب، بسبب الأنظمة الغذائية الغنية بالسعرات الحرارية والدهون، خاصة في شهر رمضان.

وفي حين أن 80% من إجمالي الوفيات الناتجة عن أمراض القلب والشرايين في العالم تحدث في الدول النامية، ومن ضمنها دول الشرق الأوسط، فإن إحصاءات الاتحاد العالمي لمرض السكري تقول إن ست دول عربية هي الإمارات والسعودية والبحرين والكويت وسلطنة عُمان ثم مصر؛ تأتي في قائمة البلدان العشرة الأكثر إصابة بهذا الداء على مستوى العالم في المرحلة العمرية بين 20 و79 عامًا. وفي مصر، تبلغ نسبة الإصابة 11% من عدد السكان، ما يعني وجود نحو 10 ملايين إصابة بالسكري في مصر، والمؤسف أن نصفهم يجهلون إصابتهم!

على النقيض من ذلك، هناك دول عربية يعاني سكانها نقصًا حادًا في الغذاء، كما هو الحال في غزة والصومال والسودان واليمن. ووفقًا لتقرير برنامج الأغذية العالمي، فإن 1 من كل 2 أشخاص في غزة يواجه "انعدام" الأمن الغذائي، وتقع الكارثة أشد وطأة على الأطفال، حيث يعانون من معدلات مرتفعة لسوء التغذية، ما يؤثر على نموهم الجسدي والعقلي، بسبب الحصار المستمر ومنع دخول المساعدات، على مسمع ومرأى 2 مليار مسلم وفي شهر رمضان، في الوقت الذي يتكدس فيه معبر رفح بمئات الشاحنات المحملة بالغذاء! وفي الصومال، 6.5 مليون شخص يواجهون خطر الجوع الحاد نتيجة الجفاف والصراعات المستمرة، وصراع "الأشقاء" في السودان يهدد غالبية سكانه بالمجاعة.

في ضوء هذه التفاوتات الحادة، يبرز تساؤل مهم: أين أخوة الإسلام التي يؤكدها القرآن والسنة؟ رغم وجود بعض المبادرات الإغاثية من المنظمات الإسلامية، إلا أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء في العالم الإسلامي لا تزال قائمة، بل وتزداد اتساعًا. ولو تم توجيه جزء بسيط من الطعام المُهدر في الدول الغنية إلى الدول الفقيرة، لكان بالإمكان تقليل معدلات الجوع وإنقاذ حياة الملايين.

الإسلام وضع مبادئ واضحة تحث على الاعتدال في الطعام، قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، ويقول رسولنا الكريم: "ما ملأ آدمي وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه"، كما أكد أهمية التكافل الاجتماعي من خلال فريضة الزكاة والصدقات.

لحل هذه الأزمة، هناك حاجة ماسة إلى تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية عبر صناديق إغاثية مستدامة، بدلًا من الاعتماد على المساعدات المؤقتة، التي ربما لن تصل لأيدي مستحقيها. كما يجب إطلاق حملات توعوية لتقليل الإسراف الغذائي وتعزيز ثقافة التبرع، ويمكن تبني سياسات غذائية ذكية، مثل ربط فائض الطعام في الفنادق والمطاعم بأسواق خيرية تخدم المحتاجين، كما تُطبق في بعض الدول مثل ماليزيا وتركيا.

التفاوت الغذائي بين المسلمين ليس مجرد قضية اقتصادية، بل هو اختبار حقيقي لمدى التزام الأمة بمبادئها. فالإسلام ليس دينًا يدعو إلى "التُّخمة" في مكان و"الجوع" في مكان آخر، بل هو دين العدل والوسطية. لذا، يجب أن نعيد النظر في سلوكياتنا الغذائية، ونترجم أخوة الإسلام إلى أفعال ملموسة، تضمن لكل مسلم وعربي الحق في الغذاء الكافي، بما يليق بكرامته الإنسانية وحقه في الحياة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة