تقدم "بوابة الأهرام" على مدار شهر رمضان المبارك سيرة مختصرة لعدد من النساء في عهد النبي، صلوات الله عليه وسلامه. وفي حلقة اليوم، نتعرف على سيرة عطرة لامرأة عظيمة من تاريخنا الإسلامي، وهي السيدة زينب بنت النبي ﷺ رضي الله عنها وأرضاها.
موضوعات مقترحة
تقدمها أسماء أحمد عوض الله الواعظة بالأزهر الشريف فيما يلي:
هى سيدة من سيدات بيت النبوة، إنها صاحبة القلادة؛ السيدة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم.
اللي ضربت لنا أروع الأمثال في الوفاء، وفي الإيمان والثبات على الطاعة.
مولدها ونشأتها:-
السيدة زينب هي البنت الكبرى للنبي ﷺ اتولدت قبل بعثة النبي ﷺ بعشر سنين كان عمر النبي ﷺ وقتها ٣٠ سنة، وأمها السيدة خديجة بنت خويلد.
السيدة زينب نشأت في بيت مليان بالسعادة والمودة والرحمة، بدأت السيدة زينب تكبر وهي شايفة أمها بتجتهد في توفير الراحة والسعادة لأبيها، وشافت أباها إزاي بيتعامل مع أمها بكل الحب والاحترام والتقدير، فنشأتها كانت نشأة سوية.
اتعلمت من صغرها إزاي الحياة الزوجية بتكون سعيدة، وايه المفروض على الزوجين عشان يخلوا حياتهم سعيدة.
ربتها أمها السيدة خديجة على الأخلاق الحسنة فجمعت بين جمال الخُلق والخلقة.
زواجها:-
كبرت السيدة زينب وبقت شابة جميلة فذهبت خالتها هالة بنت خويلد إلى أمها السيدة خديجة بنت خويلد وطلبت يد السيدة زينب إلى ابنها "أبي العاص بن الربيع"، وكان أبو العاص من خيرة شباب قريش شرفًا وخلقًا، وكان ميسور الحال كريمًا.
ولما سألها النبي ﷺ عن رأيها احمرت خجلا وابتسمت، فكانت الموافقة والرضا من الجميع، ومن شدة فرح السيدة خديجة بزواج ابنتها خلعت قلادتها وأعطتها هدية للسيدة زينب، وتزوجت السيدة زينب أبا العاص بن الربيع، عشان تبدأ أعظم قصة حب ووفاء عرفها التاريخ.
قصة حب بترد على كل شخص بيزعم أنه لازم يكون في قصة حب قبل الزواج.
فالسيدة زينب بدأت حياتها الزوجية ولم يكن بينها وبين زوجها أي قصة حب قبل الزواج بل نشأت قصة حبهما بعد زواجهما.
السيدة زينب تعاملت مع زوجها زي ما أمها السيدة خديجة اتعاملت مع النبي ﷺ.
فأطاعت زوجها واجتهدت في توفير الراحة والسكينة له، فشاف فيها خير زوجة فأحبها وتمكن حبها من قلبه فأكرمها واحترمها، وقامت حياتهم على السعادة والهنا، وازدادت سعادتهم لما ربنا سبحانه وتعالى رزقهم بطفل وطفلة جميلين؛ هما: علي - اللي مات وهو صغير - وأُمامة؛ اللي النبي ﷺ كان بيحملها في صلاته.
إسلامها:-
بعد كده بدأ نزول الوحي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأمره ربنا سبحانه وتعالى أن ينذر عشيرته الأقربين ويدعوهم إلى الإسلام، فآمنت السيدة خديجة ودعت بناتها، وعرضت عليهم الإسلام فآمنت السيدة زينب مع أخواتها السيدة رقية وأم كلثوم وفاطمة.
وكان إسلامها أثناء سفر زوجها فلما رجع قال لها معاتبا: هلا أخبرتني قبل؟ فقالت: لقد بُعث أبي نبيا وما كنت لأكذبه، وقد أسلم معي ابن عمي علي وصديقك أبو بكر وابن عمتك عثمان وأخوتي وأمي، فهلا أسلمت معنا؟ فرد: لا أريد أن يقال أني خذلت قومي، فهلا عذرت وقدرت؟ فقالت: ومن يعذر إن لم أفعل؟.
السيدة زينب مغضبتش على زوجها، بل احتوت غضبه، وهو كمان ما حاول أبدا أن يُجبرها على ترْك دينها الجديد؛ لأنه كان بيحبها حبًّا عظيمًا، كمان كان بيحترم أباها الذي لم يكذب يومًا.
واستمرت حياة السيدة زينب مع أبي العاص، هي على إيمانها، وهو على كفره، هي تؤدي واجباتها الزوجية وتدعو له، أن يهديه الله إلى الحق والإسلام، وهو يعاملها بكل احترام وتقدير.
اختبار الحب الصادق:-
تعرض حب السيدة زينب وزوجها أبي العاص لاختبار حقيقي لما طلبت منه قريش أن يطلقها ويزوجوه بمن يشاء، عشان يضيقوا على النبي ﷺ.
لكن تفتكروا زوجها ممكن يتخلى عنها؟
طبعا لأ ده رفض عرضهم وقال لهم: «لا والله، إنِّي لا أفارق صاحبتي، وما أحبُّ أنَّ لي بامرأتي امرأة من قريش»، فبقيت زينب عند زوجها كلٌّ على دينه.
ما أشده على النفس:-
هاجر النبي وبناته والمسلمون إلى المدينة، فرارًا من بطش قريش ومؤامراتها، وفضلت السيدة زينب في مكة في حماية زوجها، وكان لسه الأمر بالفراق بين المسلمة والكافر لم ينزل بعد.
وتمر الأيام على هذا الوضع بعد هجرة النبي ﷺ إلى المدينة، وبعد كده كانت غزوة بدر.
قريش تتجهز لمحاربة النبي ﷺ وتلاقي السيدة زينب زوجها أبو العاص بن الربيع يودعها حتى يذهب إلى أبيها مش عشان يعلن إسلامه بل ليحاربه.
أنتم متخيلين صعوبة الأمر إللي وقع على السيدة زينب، زوجها وحبيبها في مواجهة أبيها.
وتسير قريش إلى "بدر" لحرب الرسول ويسير فيهم أبو العاص بن الربيع.
فبكت السيدة زينب، وقالت: إني أخشى من يوم يُيتم فيه ولدي أو أفقد أبي.
انتهت بدر بانتصار المسلمين.
فتسأل السيدة زينب: ماذا فعل أبي؟ فقيل لها: انتصر المسلمون.
فتسجد شكراً لله، ثم سألت: وماذا فعل زوجي؟ فقالوا: أسره حموه، فقد وقع أبو العاص أسيرا.
فقالت: سأرسل في فدائه.
وفاء صاحبة القلادة:
أخذت قريش تبعث في فداء أسراهم، وبعثت السيدة زينب أغلى ما تملكه وهي "قلادة" ذهبية - أهدتها إليها أمها يوم زفافها - حتى تفدي بها زوجها من الأَسْر، وصلت القلادة لعند النبي ﷺ، وعندما رأها النبي ﷺ تذكر زوجته الراحلة السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ، وتفيض عيناه بالدموع فهي من ساندته في أصعب الأوقات وأشد الأزمات، فيتأثر الصحابة، ويتمنوا أنهم يعملوا أي حاجة يقدروا يَدخلوا بها السرور على قلب النبي ﷺ، وإذ بالنبي ينظر إليهم ويقول: "إن هذا الرجل ما ذممناه صهرا فإن رأيتم أن تُطلِقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها" يعني تُفرجوا عن زوجها وترجعوا ليها قِلادتها.
فيقولون في صوت واحد: قد فعلنا يا رسول الله.
ولكن هو النبي ﷺ ليه ما أخذ هذا القرار بنفسه، ليه يترك الأمر لأصحابه، النبي ﷺ كان بيستسمح أصحابه، لأن النبي ﷺ عايز يعلمنا عدم استغلال النفوذ والمناصب، وبيعرفنا إن الأمر أصبح حقا للمسلمين مينفعش يتصرف فيه بدون إذنهم.
وبعد ذلك أعطى النبي ﷺ القلادة إلى أبي العاص ويقول له: قل لزينب ألا تفرط في عُقد خديجة، ثم أسر إليه بأن الله أمرني أن أفرق بين مسلمة وكافر، فهلا رددت إلي ابنتي، فوعده أبو العاص أن يفعل.
فراق الأحبة:-
رجع أبو العاص من الأسر وفرحت السيدة زينب وتجهزت لاستقباله، ولكن تفاجأت بزوجها وهو يخبرها بما قد حدث بينه وبين النبي ﷺ وأنها قد حُرمت عليه، وسوف تتجهز لتذهب إلى النبي ﷺ في المدينة وفاءً لعهده مع النبي ﷺ.
أخذت السيدة زينب تتجهز للرحيل وقلبها يعتصر ألمًا على فراق حبيبها، ولكن ما دام الأمر متعلقا برضا ربنا سبحانه وتعالى وطاعته، فعليها أن تقول سمعا وطاعة، ولم تجد أمامها غير أن تدعو الله عزوجل أن يجمع بينها وبين زوجها مرة ثانية ويأتيها مسلمًا.
وعَرضت هند بنت عتبة على السيدة زينب مساعدتها في تجهيزها فرفضت السيدة زينب وأنكرت إنها بتتجهز خوفًا منها.
ولمّا انتهت من جهازها، جاء أخو زوجها كنانة بن الربيع فحملها على بعير له فركبته وهي في هودج، فخرج بها نهارًا حاملا قوسه معه يحرسها.
عرفت قريش بخروج السيدة زينب وخرجوا وراها عشان يلحقوها، وكان أول من سبق إليها رجل يُدعى هبار بن الأسود وآخر اسمه نَافِع بن عبد قيس، فأخافها هبّار برمح له وهي في الهودج فسقطت عن هودجها، وكانت حاملاً، فأسقطت حملها.
وتفاوض أبو سفيان مع كنانة بأنه يرجع بها إلى مكة وينطلق بها سرًا ليلاً لئلا يتحدث أهل مكة بذلك ( أن ابنة محمد تخرج من بيننا سالمة وهو اللي قتل أبناءنا في غزوة بدر)، ففعل كنانة ورجع، ثم سار بها ليلا، وسلّمها لزيد بن حارثة ورجلٌ آخر كان النبي ﷺ أرسلهما لاصطحابها إلى المدينة.
بشائر العودة:-
فضلت السيدة زينب بالمدينة تربي أولادها وتدعوا الله كل يوم أن زوجها يأتيها مسلما.
وتمر الأيام والسنين، ويخرج أبو العاص في تجارة له إلى الشام، وفي طريق العودة تقابله سرّية لرسول الله فتأخذ ما معه من أموال ولكنه يهرب من أيديهم. ولم يجد من يحتمي به في المدينة سوى السيدة زينب فيطرق بابها ففتحته مستبشرة سائلة بما تتمناه
جئت مسلما؟
فقال:- بل جئت هاربًا.
فقالت لا تخف فقد أجرتك.
ثم ذهبت به أثناء صلاة المسلمين للفجر وقالت:« أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع».
فوافق النبي ﷺ على ذلك وأوصاها قائلًا: "أي بُنية أكرمي مثواه.. ولا يخلص إليكِ فإنكِ لا تحلين له مادام مشركًاً".
ثم أرسل النبي ﷺ إلى السرية الذين أخذوا مال أبي العاص، وقال لهم:« أيها الناس إن هذا الرجل ما ذممته صهرًا، وإنه حدثني فصدقني، ووعدني فوفى، فإن قبلتم أن تردوا إليه ماله؟ فقالوا بلى.
جبر الله لقلبها:-
رجع أبو العاص إلى مكة بماله ومال الناس، فلما أعطى لكل صاحب مال ماله وقف ثم قال: "يا معشر قريش هل بقى لأحد منكم عندي مال؟
قالوا: لا، جزاك الله خيرا قد وجدناك وفيا كريما.
قال: "فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله.
والله ما منعني من الإسلام عند رسول الله ﷺ إلا تخوّفي أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم"، ثم خرج من مكة إلى المدينة مهاجرًا، وذهب إلى النبي ﷺ وقال له يا رسول الله أجرتني بالأمس واليوم جئتك مسلمًا.
ثم استأذن النبي ﷺ أن يراجع زينب، فذهب به النبي ﷺ إلى السيدة زينب وقال لها: إن ابن خالتك يستأذنني في أن يراجعك.
فاحمر وجه السيدة زينب وابتسمت، فأخبر النبي أبا العاص وزينب أنهما عادا زوجين كما كانا، وها هي السعادة تدخل إلى بيت السيدة زينب من جديد بفضل استجابة ربنا سبحانه وتعالى لدعائها ورجع الزوجان المتحابان مرة ثانية بعد فراق طويل.
وكملت السيدة زينب مهمتها في إسعاد زوجها وتربية أولادها.
وفاتها:-
لكن السعادة لم تدم كثيرا، فبعد مرور سنة من رجوعها هي وزوجها، توفيت السيدة زينب ـ رضي الله عنها ـ في العام الثامن من الهجرة، متأثرة بالنـزف اللي لازمها عندما سقطت من على البعير أثناء هجرتها، وتأثر زوجها أبو العاص بوفاتها تأثرًا شديدًا، فبكى عليها وأبكى مَن حوله، وحزن عليها رسول الله والمؤمنون حزنًا عظيماً.
وكان أبو العاص بعد وفاتها حزينًا وكان النبي ﷺ عندما يراه يرق لحاله، وكان يقول له هون عليك يا أبا العاص فيقول: لا أطيق الدنيا بغير زينب يا رسول الله.
وحقا قال فلم تمر السنة إلا وأبو العاص قد لحق بزوجته السيدة زينب وتوفى.