بينما تتسارع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للابتعاد عن الحلفاء التاريخيين، سواء في الاتحاد الأوروبي أو دول حلف شمال الأطلسي "الناتو"، حذّر خبراء من أن قدرة بريطانيا على الاعتماد على الولايات المتحدة للحفاظ على ترسانتها النووية "أصبحت موضع شك" في الوقت الحالي، وفق القاهرة الإخبارية.
موضوعات مقترحة
مع هذا، يبدو أيضًا أن العمل مع الدول الأوروبية لاستبدال الوجود والدعم النووي الأمريكي "سيكون مكلفًا وسيستغرق وقتًا"؛ كما أشار تقرير لصحيفة "ذا جارديان" البريطانية.
واتخذ النقاش الدائر حول مستقبل نظام "ترايدنت"، وهو نظام الصواريخ النووية البريطاني القديم الذي تطلقه الغواصات، منعطفًا جديدًا دراماتيكيًا في الأسابيع الأخيرة، وسط مخاوف من احتمال انسحاب الرئيس الأمريكي من حلف شمال الأطلسي.
وضع حرج
تشير "ذا جارديان" إلى أنه بالفعل أثيرت مجموعة من المخاوف بشأن برنامج الصواريخ النووية البريطاني، الذي تبلغ تكلفته السنوية ثلاثة مليارات جنيه إسترليني، ولا سيما فيما يتصل بكفاءته وفعاليته، بعد فشل إطلاق اختبار ثان أحرج لندن بشدة في العام الماضي.
وكانت التكاليف تحديًا طويل الأمد، لكن استبدال غواصات "فانجارد" التي تحمل الصواريخ النووية في الوقت المحدد كان له الأولوية على الالتزام بميزانية أقل.
وتمتلك بريطانيا أربع غواصات نووية من الطراز نفسه تم بناؤها في تسعينيات القرن العشرين، وتعّد اثنتان منها في حالة غير جيدة، وكادت إحدى الغواصات تغرق في نوفمبر 2023 بعد تعطل أحد أجهزة قياس العمق الخاصة بها.
ويسعى داونينج ستريت إلى التقليل من المخاوف التي ظهرت في وقت سابق من هذا الأسبوع، بعد أن طرحت شخصيات دبلوماسية -بمن في ذلك السفير البريطاني السابق لدى الولايات المتحدة ديفيد مانينج- سيناريو إنهاء التعاون النووي الأنجلو أمريكي.
ومع ذلك، انضم إلى الدعوات التي تطالب بريطانيا بوضع خطط بديلة وزير الخارجية البريطاني الأسبق مالكولم ريفكيند، الذي بدأ المحادثات في التسعينيات بين المملكة المتحدة وفرنسا بشأن التعاون في مجال الأسلحة النووية.
ونقلت "ذا جارديان" عن ريفكيند قوله: "من الضروري حقًا أن تعمل بريطانيا وفرنسا معًا بشكل أوثق، لأنه إذا أصبحت موثوقية أمريكا موضع شك، فإن أوروبا قد تصبح عاجزة في مواجهة العدوان الروسي".
وأضاف: "إن مساهمة أمريكا الآن لابد وأن تكون موضع شك إلى حد ما، ليس اليوم أو غدًا، بل على مدى السنوات القليلة المقبلة، وبالتأكيد طالما ظل ترامب وأمثاله في السلطة في واشنطن".
المظلة الفرنسية
الأسبوع الماضي، أصر متحدث باسم رئاسة الوزراء البريطانية على أن رئيس الوزراء كير ستارمر ينظر إلى الولايات المتحدة كحليف موثوق به، قائلًا: "إن الردع النووي للمملكة المتحدة مستقل تمامًا من الناحية التشغيلية".
وعلى النقيض من فرنسا التي عرضت مظلتها النووية لحماية أوروبا، فإن المملكة المتحدة متشابكة إلى حد كبير مع أمريكا عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على أسلحتها النووية، التي صُمّمت وصُنّعت وتمت صيانتها في الولايات المتحدة بموجب اتفاق متجذر عام 1958.
ووفقًا لبحث أجرته جامعة برادفورد، كان لدى بريطانيا 50 صاروخًا متبقيًا اعتبارًا من عام 2008 بعد عمليات شراء من مخزون أمريكي.
وحسب هانز كريستنسن، مراقب القوات النووية لصالح الاتحاد الأمريكي للعلماء -وهو مركز أبحاث أمريكي- فإن بريطانيا "تحب أن تصف وضعها النووي بأنه مستقل ولكنها بالطبع ليست كذلك على الإطلاق".
وقال: "قد يكون بوسع بريطانيا إطلاق الأسلحة بشكل مستقل عن الولايات المتحدة، لكن تحت ذلك فإن البنية التحتية بأكملها التي تغطي حجرات الصواريخ، والصواريخ نفسها، يتم تزويدها كلها من قِبل الأمريكيين".
ويؤكد محللو الدفاع في البلاد ضرورة التخطيط لسيناريو تصدع العلاقات عبر الأطلسي إلى الحد الذي ترفض فيه الولايات المتحدة تزويد المملكة المتحدة بالصواريخ.
مع هذا، تطوير بديل لصاروخ "ترايدنت" أو تكييفه للاستخدام بدون الولايات المتحدة سيكون "معقدًا للغاية" ومكلفًا. فقط هناك أفكار تشمل النظر في طرق لتمكين بريطانيا من إطلاق الأسلحة النووية عن طريق الجو بدلًا من البحر، وهذا سيحتاج إلى تطوير رأس حربي ثانٍ بالكامل، ما يتطلب تجهيز كل شيء، من مرافق التجميع الجديدة إلى تخطيط القوى العاملة.
وهناك عوامل أخرى تلعب دورًا أيضًا، بما في ذلك انفتاح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على المحادثات بشأن توسيع مظلتها النووية لتشمل بقية أوروبا، وتعليقات المستشار الألماني المقبل المحتمل، فريدريش ميرز، بأن ألمانيا قد تدفع تكاليف الطاقة النووية في فرنسا وبريطانيا.
وتشبثًا بالأمل، يأمل البريطانيون أن تمتلك فرنسا قدرات مماثلة لصاروخ "ترايدنت" يمكن تعديلها بسهولة، لكن هذا يتطلب أن تكون الحكومة والمؤسسة النووية الفرنسية على استعداد لتقاسم هذه التصاميم مع المملكة المتحدة.