تقدم "بوابة الأهرام" على مدار شهر رمضان المبارك سيرة مختصرة لعدد من النساء في عهد النبي، صلوات الله عليه وسلامه. وفي حلقة اليوم، نتعرف على سيرة عطرة لامرأة عظيمة من تاريخنا الإسلامي، وهي السيدة أسماء بنت عميس بن مغنم رضي الله عنها، المعروفة بالبحرية الحبشية.
موضوعات مقترحة
وتقدمها نجوى شبل، الواعظة بالأزهر الشريف، فيما يلي:
إسلامها: قيل إنها أسلمت مع زوجها جعفر قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم، فكانا من الأربعين السابقين إلى الإسلام.
فضلها: إنها مهاجرة الهجرتين، ومصلية القبلتين، وهي إحدى الأخوات المؤمنات الأربع اللائي حصلن على وسام الإيمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال: "الأخوات مؤمنات: ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأختها أم الفضل بنت الحارث، وأختها سلمى بنت الحارث امرأة حمزة، وأسماء بنت عميس أختهن لأمهن".
صاحبة الهجرتين: أخرج البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه قال: دخلت أسماء بنت عميس على أمِّ المؤمنين حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر رضي الله عنه على حفصة وأسماء عندها، فقال حين رأى أسماء: مَن هذه؟ قلت: أسماء بنت عميس، قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم. قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقُّ برسول الله صلى الله عليه وسلم. فغضبت وقالت: كلا والله! كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار البعداء والبغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وايم الله، لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى أذكر ما قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأسأله، ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه. فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا. قال: "فما قلتِ له؟" قالت: قلت كذا وكذا.
قال: "ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان". قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأهل السفينة يأتوني أرسالًا يسألوني عن هذا الحديث: ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو بُردة: قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث: "ولكم الهجرة مرتين: هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إليَّ".
أسماء مع جعفر: تزوجت أسماء جعفر بن أبي طالب، القرشي الهاشمي الشهيد الطيار، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما هاجر إلى الحبشة أقام في بلاد النجاشي، وأقامت معه زوجه أسماء الوفية الصابرة، تؤازره وتخفف عنه، وتتحمل معه أحزان الغريب، وحنين المهاجر إلى بلاده. ولما عاد جعفر، وكان ذلك أثناء فتح خيبر، تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتنقه، وقبَّل بين عينيه، وقال: "لا أدري بأيهما أفرح؛ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟".
ويوم مؤتة، قاتل جعفر حتى قُطعت يداه والراية معه، فلم يُلقها. ولما قُتل، وُجد به بضع وسبعون جراحةً ما بين ضربة سيف وطعنة رمح، كلها فيما أقبل من بدنه.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قادة مؤتة الشهداء: "لقد رفعوا في الجنة على سرر من ذهب". وكان عمر جعفر حين قُتل إحدى وأربعين سنة.
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لما أتت وفاة جعفر، عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتاه نعي جعفر، دخل على امرأته أسماء بنت عميس، فعزاها فيه، ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول: "وا عمَّاه". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على مثل جعفر فلتبكِ البواكي". ودخله من ذلك همٌّ شديدٌ حتى أتاه جبريل، فأخبره أن الله قد جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم، يطير بهما مع الملائكة.
بعد استشهاد جعفر: قال ابن إسحاق عن أسماء بنت عميس، قالت: لما أصيب جعفر وأصحابه، دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقد دبغتُ أربعين منًّا (جلدًا)، وعجنت عجيني، وغسلت بنيَّ، ودهنتهم ونظَّفتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائتني ببني جعفر". فأتيته بهم، فشمَّهم وذرفت عيناه. فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: "نعم، أصيبوا هذا اليوم".
قالت: فقمتُ أصيح، واجتمع إليَّ النساء، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله، فقال: "لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعامًا؛ فإنهم قد شُغلوا بأمر صاحبهم". وقال صلى الله عليه وسلم لأمهم أسماء بنت عميس: "أتخافين عليهم العيلة وأنا وليُّهم في الدنيا والآخرة؟". ثم أمر الحلاق فحلق رؤوسهم.
عن أسماء بنت عميس، قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر، فقال: "لا تحدِّي بعد يومك هذا". فكانت أسماء مخصوصة بذلك؛ لأنه من المعلوم أن المرأة تحدُّ على زوجها أربعة أشهر وعشرًا.
أسماء مع أبي بكر: لما انقضت عدة أسماء من جعفر، زوَّجها النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر، وكان شديد الغيرة عليها. فأقبل يومًا داخلًا عليها، فإذا نفر من بني هاشم جلوس في بيته، فكَرِه ذلك، ووجد في نفسه، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، وقال: لم أرَ إلا خيرًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله قد برَّأها من ذلك". ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: "لا يدخلنَّ رجل، بعد يومي هذا، على مُغِيبَة، إلا ومعه رجل أو اثنان".
ولما مات أبو بكر، غسلته زوجته أسماء بوصية منه.