ربحٌ في مهب الريح.. فــــخ «الاستثمار الرقمي».. ماذا بعد سقوط منصة الاحتيال FBC؟

8-3-2025 | 18:19
ربحٌ في مهب الريح فــــخ ;الاستثمار الرقمي; ماذا بعد سقوط منصة الاحتيال FBC؟فخ الاستثمار عبر الإنترنت
محمد الطماوي
الأهرام العربي نقلاً عن

في عالم يسوده الشغف بالاستثمار السريع وتحقيق المكاسب السهلة، تتسلل كيانات مظلمة تزين للضحايا أوهام الثروة والربح المضمون، مستغلة حاجتهم لتحقيق أحلامهم المالية، أحدث هذه المخططات الاحتيالية كانت منصةFBC، التي أوهمت الآلاف بأنها بوابة الاستثمار الناجح، قبل أن تتحول إلى كابوس مالي أطاح بمدخراتهم، وأوقعهم في شراك النصب تحت غطاء التكنولوجيا والاستثمار الرقمي.

لكن ما لبثت هذه المنصة أن سقطت سريعًا تحت مجهر الجهات الأمنية، حيث نجحت وزارة الداخلية في توجيه ضربة قاصمة لأفراد الشبكة الإجرامية، وإلقاء القبض على القائمين عليها، مما بعث برسالة قوية مفادها أن الدولة لن تتهاون مع مَن يعبث بأموال المواطنين أو يستغل طموحاتهم المالية لتحقيق مكاسب غير مشروعة.

وبينما يواجه الضحايا صدمة الخسارة، يثار تساؤل بالغ الأهمية :كيف نحمي المواطنين من الوقوع في فخاخ الاستثمار الرقمي الوهمي؟ وما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها لمنع تكرار مثل هذه الجرائم التي تهدد الأمن الاقتصادي والاجتماعي؟.

يقظة أمنية

في البداية، قال اللواء محمود الرشيدي، مساعد وزير الداخلية الأسبق لأمن المعلومات ومكافحة الجرائم التكنولوجية، إن شبكة الإنترنت الدولية ومواقع التواصل لا تخضع لأي رقابة قانونية أو أخلاقية، مما يجعلها بيئة خصبة وآمنة نسبيًا للعديد من العناصر الإجرامية والتنظيمات الإرهابية والمتطرفة، فضلًا عن أن وكالات الاستخبارات العالمية، يستخدمون هذه التقنيات التكنولوجية في أنشطة إجرامية أو استخباراتية، أو حتى لاستقطاب عناصر لتحقيق أهدافهم المختلفة.

وأضاف أن التوجه الدولي نحو التوسع في عمليات التحول الرقمي ساهم في مضاعفة أعداد مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل، نظرًا لارتباطها الوثيق بمعظم الاحتياجات والأنشطة على مختلف الأصعدة، سواء على مستوى الدول أو المؤسسات أو الأفراد.

وأوضح أن عالمنا الرقمي المعاصر شهد تصاعدًا كبيرًا في الجرائم والأنشطة السيبرانية الضارة، والتي تستهدف تلك التقنيات أو تستغلها في تنفيذ عمليات النصب والاحتيال، والسب والقذف والتشهير، بالإضافة إلى القرصنة المعلوماتية والاختراقات الإلكترونية وغيرها من الجرائم.

وأشار إلى أن هناك نقصًا حادًا في الوعي التكنولوجي لدى الكثير من مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل، إذ يفتقدون إلى إدراك الاستخدامات الآمنة والمشروعة لهذه الوسائل، كما لا يهتمون بتأمين أجهزتهم وبرامجهم أو بحماية معلوماتهم وبياناتهم المالية، ما يجعلهم عرضة للاستغلال.

وأكد أن مجرمي الإنترنت ينصبون شباكهم الإلكترونية عبر الشبكة ومواقع التواصل الاجتماعي، مستهدفين الضحايا من قليلي الوعي والحذر، وكذلك أولئك الذين يسعون وراء الربح السريع دون عناء، حيث يتم استدراجهم للمشاركة في روابط أو تطبيقات خادعة تتيح اختراق حساباتهم، فضلًا عن استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتحليل أنماطهم السلوكية وتحديد أساليب استغلالهم لاحقًا.

وتابع أن عمليات النصب والاحتيال المنتشرة حاليًا عبر ما يسمى بـ"الاستثمار الرقمي" تُدار بأساليب احتيالية متنوعة، مثلما حدث في منصة FBC، حيث يتم استدراج الضحايا بوعود كاذبة لتحقيق أرباح خيالية من خلال استثمارات مالية تبدو مغرية، رغم عدم منطقيتها، ومع ذلك يسقط البعض في الفخ بسبب الطمع، موضحًا طريقة الاحتيال، قال إن مسؤولي هذه المنصات الإجرامية يمنحون المشاركين أرباحًا في المراحل الأولى لكسب ثقتهم، ثم يُغريهم بضخ أموال أكبر، إلى أن يتم قطع الاتصال بهم تمامًا بعد الاستيلاء على أموالهم، مشيراً إلى أن الإنترنت ومواقع التواصل باتت مساحة واسعة لمثل هذه الأنشطة الإجرامية، أكد أنه من الصعب منعها تمامًا إلا من خلال الإبلاغ الفوري عنها.

وحول سبل المواجهة، أوضح أن خط الدفاع الأول لمكافحة هذه الجرائم يكمن في تعزيز الوعي التكنولوجي بمخاطر الإنترنت، ونشر ثقافة الاستخدام الآمن، فضلًا عن القضاء على الأمية الرقمية، وذلك عبر التوعية المستمرة للمواطنين بأساليب تجنب هذه التهديدات أو الحد من خسائرها.

واستطرد قائلًا إنه يتوجب على كل من يقع ضحية لهذه الجرائم أن يبادر فورًا بإبلاغ الأجهزة الأمنية، لاتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط القائمين على تلك المنصات الإجرامية وإغلاقها إن كانت تُبث من داخل الدولة، أما إذا كانت تُبث من خارجها – كما هو الحال مع منصة FBC – فيمكن التنسيق مع شركات الإنترنت لحجبها عن المستخدمين داخل الدولة.

واختتم مؤكدًا على ضرورة تكثيف الأنشطة التوعوية من قبل الدولة، من خلال منصات رسمية على الإنترنت ومواقع التواصل، لتوضيح القنوات الرسمية للاستثمار المالي الرقمي، وتحذير المواطنين من التعامل مع منصات غير موثوقة أو مجهولة الهوية، منعًا لوقوعهم ضحايا لعمليات النصب والاحتيال.

الإجراءات المطلوبة

من جانبه، أكد الدكتور عصام محمد الجوهري، مساعد وزير التنمية المحلية للتطوير والتدريب والتحول الرقمي والمشرف على مركز التنمية المحلية بسقارة، أن التطور التكنولوجي المتسارع جعل الفرص الاستثمارية الرقمية أكثر جاذبية للمواطنين، خاصة مع وعودها بعوائد مالية خيالية وبجهد محدود، لكن في المقابل، تنتشر شبكات النصب الإلكتروني التي تستغل جهل الضحايا أو طمعهم، كما حدث مؤخرًا في واقعة شركة FCB التي خدعت الآلاف عبر منصات وهمية، مما أدى إلى خسائر مادية ونفسية جسيمة، وأثر على الثقة في الاقتصاد الرقمي.

وأضاف أن حماية المواطنين من الوقوع في هذه الفخاخ تتطلب استراتيجية شاملة تبدأ بالتوعية، حيث تعد السلاح الأول لمجتمع واعٍ بحقوقه وبالأمن السيبراني وأدوات الدفع الإلكتروني الرسمية والدولية، موضحًا لهذا الجانب، بضرورة تنفيذ حملات توعوية مكثفة تُبرز علامات الاستثمار الوهمي، مثل الوعود بعوائد غير واقعية تصل إلى 50% شهريًا، وغياب التراخيص الرسمية من هيئات معتمدة مثل الهيئة العامة للاستثمار أو البنك المركزي، والاعتماد فقط على التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون توفير معلومات واضحة.

وتابع أن نشر الثقافة المالية الرقمية مسؤولية مشتركة بين الحكومة ووسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية، مشددًا على ضرورة استهداف فئات كبار السن والشباب الباحثين عن الربح السريع، والترويج لصناديق الاستثمار الشرعية بالبنوك والمؤسسات الرسمية كبدائل آمنة للاستثمار، وأشار إلى أن حادثة FCB أظهرت وجود ثغرات في الرقابة على المنصات الإلكترونية، مما يستدعي تشديد الرقابة وتطوير الأطر القانونية لمكافحة هذه الظاهرة.

وأوضح أن من بين الإجراءات المطلوبة لإنجاز ذلك، إنشاء وحدة متخصصة بوزارة التجارة أو الاستثمار لمتابعة الاستثمارات الرقمية، بالتعاون مع خبراء الأمن السيبراني، وإلزام المنصات بالحصول على تراخيص محدثة مع نشر بياناتها المالية بشكل شفاف، إضافةً إلى تطبيق عقوبات رادعة على المخالفين، مثل فرض غرامات ضخمة أو حظر نشاطهم رقميًا، وتسريع الإجراءات القضائية لتعويض المتضررين، كما فعلت بعض الدول التي تمكنت من استرداد أموال الضحايا عبر تجميد حسابات المحتالين، مشيرًا إلى أهمية الأطر التشريعية، أكد على ضرورة إصدار قوانين منظمة للتعاملات الإلكترونية والتجارة الرقمية، مما يسهم في حماية المواطنين من عمليات النصب والاحتيال.

وحول أهمية التعاون الدولي في مكافحة الجريمة الإلكترونية العابرة للحدود، أوضح أن هذه الجرائم تتخذ أشكالًا مختلفة، مثل شبكات التسويق الشبكي الوهمية، مما يتطلب تعزيز الشراكات الدولية لملاحقة المحتالين وإغلاق منصاتهم، إلى جانب توظيف التكنولوجيا في رصد هذه الأنشطة المشبوهة.

ومضيفًا إلى ذلك، شدد على أهمية استخدام تقنيات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي لرصد الحملات التسويقية الاحتيالية، وتكنولوجيا "بلوك تشين" لتتبع التحويلات المالية واكتشاف الأنشطة غير القانونية، بالإضافة إلى تطوير تطبيقات موثوقة معتمدة من الجهات الرسمية لتقييم مصداقية أي منصة استثمارية.

وأكد أن حماية المجتمع من الاستثمار الرقمي الوهمي مسؤولية مشتركة بين الأفراد والحكومات والمؤسسات المصرفية والإعلامية والتعليمية، موضحًا أن الأفراد يتحملون مسؤولية التحقق من شرعية أي فرصة استثمارية، في حين يجب على الحكومات تحديث أنظمتها الرقابية والقانونية، واستباق أساليب المحتالين من خلال أدوات تكنولوجية ذكية.

واختتم مؤكدًا أنه من خلال هذه الإجراءات، يمكن بناء بيئة استثمارية آمنة تدعم التنمية الاقتصادية وتحافظ على تماسك المجتمع، مع ضرورة استمرار الجهود التوعوية والرقابية لضمان تحقيق هذا الهدف.

التحذيرات الإعلامية

ومن جانب آخر، قال د. محمد خليف، استشاري الابتكار والتحول الرقمي وإدماج الذكاء الاصطناعي، ومقرر لجنة الثقافة الرقمية بالمجلس الأعلى للثقافة، أن منصة FBC استغلت طموحات الأفراد الباحثين عن فرص استثمارية مربحة، مقدمة وعودًا بتحقيق عوائد مالية ضخمة في وقت قصير، مشيرًا إلى أن التقديرات تشير إلى أن الأموال المنهوبة قد بلغت مليارات الجنيهات، مما يعكس حجم الأزمة وخطورتها على الاقتصاد المحلي والثقة في الأنشطة المالية الرقمية.

وأوضح أن هذه الحادثة أثارت موجة واسعة من الجدل حول ضرورة تنظيم سوق الاستثمارات الرقمية، خاصة مع تزايد عدد المنصات التي تعمل في هذا المجال، مؤكدًا أن الحل لا يكمن فقط في فرض قيود صارمة على هذه المنصات، بل في إيجاد توازن بين حماية المواطنين وتشجيع الابتكار في مجال التكنولوجيا المالية.

واستطرد قائلًا إن نماذج استثمارية جديدة، مثل التمويل الجماعي (Crowd Sourcing)، تتيح لأصحاب رؤوس الأموال الصغيرة فرصة المشاركة في مشاريع استثمارية واعدة، مضيفًا أن التمويل الجماعي يعد نموذجًا استثماريًا مهمًا يمكن أن يعزز الاقتصاد الرقمي من خلال تمكين فئات أوسع من المجتمع من الاستثمار والمشاركة في النمو الاقتصادي.

وأشار إلى أن تحقيق الاستفادة الكاملة من هذه الأدوات المالية يتطلب إصدار لوائح تنظيمية خاصة، في ظل تنامي العمليات الاحتيالية، موضحًا أن هذه اللوائح ينبغي أن تتضمن معايير صارمة تلزم المنصات بالإفصاح عن المخاطر المحتملة، وتضمن خضوعها لمراقبة الجهات المختصة مثل البنك المركزي وهيئة سوق المال.

وأكد أن هناك حاجة ملحة لرفع مستوى الوعي المالي والتقني لدى المواطنين، خاصة مع التزايد الحتمي للاعتماد على الخدمات المالية الرقمية، مشيرًا إلى أن هذه الخدمات أصبحت لا يمكن الاستغناء عنها، وتمثل أحد أكبر أمثلة النجاحات التي حققتها مصر في مجال التحول الرقمي.

وتابع أنه لا يمكن الاكتفاء بالتحذيرات الإعلامية بعد وقوع الكوارث المالية، بل يجب أن يكون هناك برنامج وطني لنشر الثقافة المالية الرقمية على نطاق واسع، موضحًا أن هذا البرنامج يجب أن يستخدم الأدوات الرقمية والإعلامية لتوعية المواطنين بكيفية التعامل الآمن مع شبكة الإنترنت والمنصات الرقمية المختلفة.

وأشار إلى أن هذا البرنامج يجب أن يتضمن أيضًا توعية المواطنين بكيفية التحقق من مصداقية المنصات، وفهم المخاطر المرتبطة بها، وطرق الحماية من الاحتيال الإلكتروني، مؤكدًا على ضرورة إدخال مفاهيم التثقيف المالي في المناهج التعليمية، إلى جانب تنظيم دورات تدريبية وورش عمل تستهدف مختلف الفئات العمرية.

وحول دور التكنولوجيا في مكافحة الاحتيال الرقمي، أوضح أن القطاع المالي الرقمي يحتاج إلى توظيف التكنولوجيا في عمليات الرقابة والكشف المبكر عن الأنشطة المشبوهة، مشيرًا إلى أن هناك فرصة أمام الشركات الناشئة المصرية للمساهمة في الحد من هذه التحديات من خلال ابتكار تطبيقات ومنظومات قائمة على الذكاء الاصطناعي.

وأضاف أن هذه التطبيقات يمكن أن تساعد في تحليل الأنماط المالية وتحديد المؤشرات التي قد تدل على وجود عمليات احتيالية، مما يسمح بالتدخل السريع قبل وقوع الخسائر، مؤكدًا أن التعامل مع قضايا الاحتيال الرقمي لا يجب أن يكون مجرد رد فعل على الأزمات، بل يجب أن يكون جزءًا من استراتيجية متكاملة تشمل التوعية والتنظيم والرقابة الذكية.

واختتم تصريحاته قائلًا إن هناك فرصة حقيقية للاستفادة من التكنولوجيا في دعم الاقتصاد المصري، ولكن ذلك لن يتحقق إلا إذا تم وضع إطار قانوني وتنظيمي متين يضمن الحماية دون خنق الابتكار، مشيرًا إلى أن تحقيق التوازن بين التنظيم الدقيق والتحفيز المدروس سيسهم في خلق بيئة آمنة ومستدامة تعزز الثقة في العالم الرقمي وتحمي المواطنين من الوقوع في فخاخ النصب والاحتيال.

استشارة الخبراء

ويرى المهندس زياد عبدالتواب، خبير التحول الرقمي وأمن المعلومات، أن الحماية الفعالة للمواطنين من الوقوع ضحايا لفخاخ الاستثمار الرقمي الوهمي تكمن في تنمية الوعي أولًا وقبل أي شيء، مشيرًا إلى أن هذا الوعي لا يرتبط بالعالم الرقمي وحسب، بل يشمل أيضًا أساليب النصب في العالم الواقعي.

وأضاف أن منطقية عملية الاستثمار ونسب الأرباح وطبيعة ومجال الاستثمار تعد من الأمور الهامة التي يجب على الأفراد الانتباه إليها، موضحًا أن التحقق من تلك المنصات ومصداقيتها يعتمد على عدة عوامل، منها بيانات الاتصال مثل عنوان مقر الشركة وأرقام الهواتف، بالإضافة إلى الترخيص من الجهات المختصة.

وأشار إلى ضرورة التأكد من سريان التراخيص وسلامتها عبر جهات الاختصاص، مؤكداً على أهمية الإبلاغ في حالة وجود أي درجة من الشك في إجراءات التحقق. واستطرد قائلًا إن التحقق يجب أن يشمل أيضًا آراء المستخدمين الآخرين وتقييماتهم للمنصة والخدمات التي تقدمها، موضحًا أنه من الضروري التدقيق في فحص تلك التقييمات، حيث إنه من المحتمل – بل في الغالبية العظمى – أن تكون الحسابات المستخدمة لرفع درجة التقييم هي حسابات وهمية أو لا يمكن الاستدلال على أي بيانات لأصحابها، وقد تكون حسابات مغلقة الواجهة (locked accounts)، موكداً أن الواقعية تعد عنصرًا أساسيًا في أي استثمار، مشدداً على ضرورة وضع احتمال الخسارة لأي مشروع استثماري، لذلك لا يجب أن يقوم أي شخص باستثمار مبالغ مالية تفوق طاقته.

وحول سبل الحماية، أوضح عبدالتواب أن استشارة خبراء الاستثمار والتقنية تعد أمرًا ضروريًا قبل اتخاذ أي قرارات مالية، مشيرًا إلى أنه يجب دائمًا وضع مقولة "الحدأة لا تلقي بالكتاكيت" في الاعتبار، متسائلًا: كيف يمكن تصديق أن استثمارًا ما سيحقق نسبًا مرتفعة جدًا من الأرباح في فترة زمنية قصيرة وبدون أي مجهود؟.

الرؤية الاقتصادية

من جانبها، توضح  د. شيماء محجوب، خبير التخطيط والتنمية المستدامة وسياسات سوق العمل،  أن المنصات المالية الرقمية شهدت في السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في معدل الاستخدام، الأمر الذي أدى إلى تحويل المشهد المالي على مستوى العالم، مضيفة أن الإحصاءات تشير إلى أن سوق المدفوعات الرقمية العالمية قُدّر بنحو 81.03 مليار دولار في عام 2022، مع تقدير المدفوعات الرقمية نفسها بأكثر من 8 تريليونات دولار.

وأكدت أن هذه الأرقام تعكس التأثير التحويلي للمنصات المالية الرقمية على الاقتصاد العالمي، مشيرةً إلى ضرورة الحاجة إلى تدابير أمنية قوية وأطر تنظيمية للتخفيف من المخاطر المرتبطة بها، كما أكدت أنه من المتوقع أن يصل عدد مستخدمي الخدمات المصرفية الرقمية إلى نحو 327.72 مليون مستخدم بحلول هذا العام، مضيفةً أن قطاع الإقراض الرقمي حقق أكثر من 290 مليار دولار عالميًا في عام 2023، وكان من المتوقع أن يتجاوز 500 مليار دولار بحلول العام الحالي.

وأشارت محجوب إلى أن البنوك أصبحت أكثر استعدادًا لمواجهة تهديدات الأمن السيبراني، حيث زادت جهود التصدي لها بنسبة 85٪، مؤكدةً أن هذا التوسع مدعوم بتبني التقنيات المتقدمة مثل التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، والتي أصبحت تدعم الآن ما يقرب من 45٪ من قرارات القروض على منصات الإقراض الرقمية.

واستطردت قائلةً إن هذا النمو السريع في المنصات المالية الرقمية جاء مدفوعًا بالطلب المتزايد على الخدمات المالية المريحة والمُتاحة، خاصةً بين المستثمرين الباحثين عن عوائد مالية مرتفعة وسريعة، وتابعت موضحةً أن هذه المنصات تتيح مرونة أكبر للمستثمرين، حيث يمكنهم إدارة استثماراتهم عن بُعد في أي وقت ومكان، مع تكاليف أقل مقارنةً بالقنوات الاستثمارية التقليدية، فضلاً عن تعدد خيارات الاستثمار المتاحة من الأسهم والسندات إلى العملات المشفرة والعقارات، مما يسهل تنويع المحافظ الاستثمارية.

وحول مخاطر الاستثمار الرقمي، أشارت محجوب إلى أن هناك منصات تعمل دون تراخيص رسمية، مما يجعلها غير خاضعة للرقابة المالية، وهو ما يعرض المستثمرين لمخاطر الاحتيال، وضربت مثالًا بمنصة FBC الرقمية في مصر، مؤكدةً أنها تضمنت منذ البداية العديد من الجوانب التي جعلتها أكثر خطورة من نظيراتها على مستوى العالم.

وأوضحت أن المنصة قدمت وعودًا غير واقعية بتحقيق أرباح ضخمة في فترات زمنية قصيرة، وهو أمر لا يتماشى مع الأداء الفعلي للسوق، وأضافت أن المنصة لم تراعِ معايير الشفافية في تقديم المعلومات، بل اعتمدت على أساليب تسويقية استغلالية، من خلال الترويج عبر مؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي بدلًا من تقديم استراتيجيات قانونية واضحة.

وأكدت محجوب أن الاعتماد الكبير للمنصة على تجنيد مستثمرين جدد لسداد مستحقات المستثمرين السابقين يُعد علامة واضحة على اتباعها لمخطط بونزي Ponzi scheme الاحتيالي، وأشارت إلى أن الحد الأدنى للإيداع في هذه المنصة، والذي بلغ 720 جنيهًا مصريًا، ساهم في استقطاب عدد كبير من المستثمرين الصغار، مما زاد من خطر الخسارة المالية على نطاق واسع.

وحول دور الحكومات في التصدي لمثل هذه الممارسات، أوضحت محجوب أن الحكومات يجب أن تلعب دورًا حاسمًا ليس فقط في منع وتخفيف آثار الاحتيال المالي، وإنما أيضًا في تعزيز القدرة على تعبئة المدخرات المحلية، خاصةً في ظل الحاجة إلى تضييق فجوة الادخار اللازمة لتحفيز الاستثمار المحلي وتحقيق النمو الاقتصادي.

وأكدت أن هذا الدور يتطلب إنشاء وتنفيذ لوائح صارمة للإشراف على المنصات المالية، وضمان عملها وفق أطر الحوكمة والشفافية، مع إلزامها بالحصول على التراخيص والخضوع لعمليات تدقيق دورية لضمان الامتثال للمعايير القانونية. كما أشارت إلى أهمية إطلاق حملات توعية عامة لتثقيف المواطنين حول مخاطر الاحتيال المالي، وتزويدهم ببرامج ثقافة مالية تساعدهم على اتخاذ قرارات استثمارية أكثر وعيًا، مما يساهم في الحد من الوقوع في شِباك الاحتيال الرقمي.

التحليل النفسي

ومن زاوية أخرى، يؤكد الدكتور إبراهيم مجدي، استشاري الطب النفسي، أن الشخصيات السيكوباتية تُعد شخصيات معادية للمجتمع، موضحًا أن الدراسات الحديثة، ومنها دراسة أجراها معهد شيكاغو للدراسات الشخصية السيكوباتية عام 2013، رصدت أن النصابين لديهم نشاط زائد في مناطق المخ المسؤولة عن التفاوض والتواصل مع الآخرين، مما يمنحهم قدرة فائقة على الكذب والخداع والإقناع.

وأضاف الدكتور مجدي أن النصاب يمتلك مهارات استثنائية في التلاعب بالضحايا، مشيرًا إلى أنه يوهمهم بامتلاكه علاقات واسعة مع المسؤولين والمشاهير، إلى جانب التظاهر بالثراء الفاحش من خلال السيارات الفارهة والملابس الفاخرة والساعات الماسية، وأكد أن هذا الأسلوب يعد أداة رئيسية لجذب الضحايا، خاصة أنهم غالبًا ما يكونون سطحيين وينخدعون بالمظاهر الخارجية والكلام المعسول.

وتابع استشاري الطب النفسي بأن ظاهرة النصابين تتكرر بنفس الأسلوب، مستشهدًا باستخدامهم صورًا مع الشخصيات العامة والمشاهير لإضفاء مصداقية زائفة على أنشطتهم الاحتيالية، مما يجعل الضحايا يثقون بهم ويقعون في الفخ.

وأشار الدكتور إبراهيم مجدي إلى أن العامل النفسي يلعب دورًا محوريًا في وقوع الضحايا، موضحًا أن شهوة المكسب السريع تؤثر على الدماغ بشكل يشبه تأثير المخدرات، حيث تنشط مواد كيميائية مثل الدوبامين عند الإحساس بالربح السريع، مما يدفع الضحية إلى اتخاذ قرارات متهورة دون وعي.

وأكد أن الدراسات الحديثة، لا سيما في مجال الاقتصاد النفسي العصبي، أثبتت أن هذا التأثير لا يقتصر على ضحايا توظيف الأموال فحسب، بل يشمل أيضًا المضاربين في البورصة والمقامرين، حيث يرتفع لديهم مستوى الدوبامين مع كل مكسب، مما يجعلهم مدمنين على المخاطرة.

واستطرد الدكتور مجدي موضحًا أن النتيجة الحتمية لهذه الظاهرة هي صدمة الضحية بعد اكتشاف الاحتيال، مما يؤدي إلى تداعيات صحية ونفسية خطيرة، مثل الأزمات القلبية، وجلطات المخ، والاكتئاب الحاد، والاضطرابات النفسية الحادة.

واختتم حديثه ناصحًا المواطنين بالحذر من أصحاب الوعود الزائفة والمظاهر الخادعة، مؤكدًا ضرورة عدم الانسياق وراء الإغراءات المالية غير المنطقية، حتى لا يكونوا ضحية جديدة في مسلسل النصب المتكرر.

الأسرة والمجتمع

في السياق، قالت مي عبدالفتاح، الاستشاري الأسري والتربوي، إن انتشار فخاخ الاستثمار الوهمي يستدعي اتخاذ مجموعة من الإجراءات المشتركة للحد من مخاطره، مشددة على أهمية تعزيز الوعي المالي لدى الأفراد منذ الصغر.

وأضافت أن ذلك يمكن تحقيقه من خلال إدراج مواد تربوية متخصصة في المناهج الدراسية، تعرف الطلاب بأساسيات الاستثمار الرقمي والمخاطر المحتملة المرتبطة به، بالإضافة إلى تعليمهم فن إدارة الأموال واستثمارها بطرق آمنة.

وأوضحت أن دعم الطلاب الذين وقعوا ضحايا لمثل هذه الممارسات أمر بالغ الأهمية، مشيرة إلى أن الحماية الفعالة تبدأ من الأسرة، عبر تنشئة الأطفال على أسس سليمة في التعامل مع الأموال، سواء من خلال الادخار أو الاستثمار التدريجي ضمن نطاق الأسرة، ما يعزز لديهم حس المسؤولية المالية، مؤكدة أن الرقابة الأسرية تلعب دورًا حاسمًا في توجيه الأبناء، سواء من خلال المتابعة المباشرة أو غير المباشرة لأنشطتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، مع تزويدهم بالمهارات اللازمة للتحقق من صحة المعلومات ومصادر الأخبار التي يتعرضون لها.

وتابعت قائلة إن الضغوط الاجتماعية، تدفع البعض إلى البحث عن فرص ربح سريعة، ما يجعلهم عرضة للوقوع في شراك المشاريع الوهمية مجهولة الهوية، مشددة على ضرورة تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر الاستثمار غير المدروس، والاعتماد فقط على المصادر الرسمية والموثوقة في الحصول على المعلومات.

وأضافت مؤكدة أن القيم الدينية والأخلاقية تمثل خط الدفاع الأول في حماية الأفراد، وخاصة الشباب، من هذه المخاطر، لافتة إلى أن تعزيز التوجيه الديني وزرع مفاهيم مثل الأمانة والصدق والعدل والرضا بالربح الحلال، يسهم في بناء وعي حقيقي لدى الأفراد تجاه الاستثمار السليم.

واختتمت عبدالفتاح حديثها بالإشارة إلى أهمية تنظيم حملات توعوية موسعة، تشمل ندوات ومحاضرات داخل المساجد والكنائس، بمشاركة مختصين في الشؤون الدينية والمالية، لتقديم إرشادات عملية حول كيفية تجنب الوقوع في فخ الاستثمار الوهمي واختيار الفرص الاستثمارية الآمنة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: