في قلب مدينة الأقصر؛ حيث ينسج التاريخ خيوطه مع نسمات النيل العليلة، يتربع مسجد أبو الحجاج الأقصري كجوهرة معمارية وروحية تتوهج في شهر الصيام.
موضوعات مقترحة
هذا المَعلم، الذي يمتد تاريخه إلى العصر الأيوبي، ليس مجرد بناء من الحجر، بل هو رمز للإيمان العميق وملتقى للأجيال؛ حيث يحتضن المصلين في رمضان يروي لهم حكايات الماضي بصمت شامخ.
مسجد أبو الحجاج الأقصري
قصة إنشاء مسجد أبو الحجاج الأقصري
في عام 658 هـ (1286 م)، وضع الصوفي الزاهد يوسف بن عبد الرحيم، المعروف بأبي الحجاج الأقصري، حجر الأساس لهذا المسجد العريق على الجانب الشمالي الشرقي لمعبد الأقصر.
يعكس تصميم المسجد الذي يتكون من مساحة مربعة صغيرة مغطاة بسقف خشبي سحر العمارة الفاطمية القديمة، مما يجعله تحفة تاريخية تتناغم مع محيطها الأثري.
ودُفن أبو الحجاج داخل مسجده؛ ليصبح ضريحه فيما بعد نقطة جذب للمريدين والزائرين عبر العصور.
ويغطي الضريح قبة، مكونة من قاعدة غير منتظمة الأبعاد، وتتدرج حتى تصل إلى الشكل الدائري المعروف للقباب.
مسجد أبو الحجاج الأقصري
ترميم مسجد أبو الحجاج يكشف عن أثر مصري قديم
لم يتوقف المسجد عند لحظة تأسيسه، فقد شهد توسعات وترميمات عبر الزمن، وفي القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أعيد بناؤه وتجديده، ثم أُضيف إليه مسجد جديد بنفس الطراز.
مسجد أبو الحجاج الأقصري
وفي عام 2009، أشرفت هيئة الآثار المصرية على ترميم شامل بتكلفة 7 ملايين جنيه، لتكشف عمليات الترميم عن جدران معبد رمسيس الثاني المطلية، ليكتسب مسجد أبو الحجاج الأقصري طبقة جديدة من العمق التاريخي.
مئذنة مسجد أبو الحجاج.. صوت للإيمان عبر الزمن
يبلغ ارتفاع مدخل المسجد 12 متراً، ويخلو من الزخارف الهندسية والنباتية، واللوحات الخطية المعروفة في العمارة الإسلامية، فيما يعلو المسجد شريط من الشرفات المبنية بالطوب الأحمر، وأعلى المسجد مئذنة مبنية بالطوب اللبن، هي من أقدم مكونات المسجد، إذ تعود إلى عصر أبي الحجاج نفسه.
مسجد أبو الحجاج الأقصري
وتشبه مئذنة مسجد أبي الحجاج مآذن الصعيد القديمة ذات الطراز الفاطمي، ومنها مئذنة قوص، ومئذنة إسنا، ومئذنة مسجد الجيوشي بالقاهرة، ويبلغ ارتفاعها 14 مترًا و15 سنتيمترًا.
يمتزج في تصميم المئذنة الفريد الطابع الفاطمي مع مآذن الصعيد القديمة؛ حيث تتكون من ثلاثة طوابق، تأخذ شكل المربع عند القاعدة ومقواه بأعمدة خشبية، ثم الشكل الأسطواني في الأعلى، مزينة بنوافذ تطل على سماء الأقصر.
مسجد أبو الحجاج الأقصري
هذه المئذنة ليست مجرد ركن معماري يضاف إلى المسجد التاريخي، بل هي صوت للإيمان يصدح بالآذان عبر قرون من الزمن، تدعو المسلمين إلى الصلاة في كل وقت ومع حلول رمضان.
رمضان في مسجد أبو الحجاج.. عبادة وفرحة أجيال
مع حلول شهر الصيام، يتحول المسجد إلى قلب نابض بالروحانية؛ حيث يتوافد الأهالي مع أسرهم لأداء صلاتي العشاء والتراويح، حاملين معهم شغف العبادة ودفء التقاليد الرمضانية؛ بينما يملأ الأطفال ساحة المسجد الفسيحة بالفرح واللعب والحيوية، منتظرين آباءهم في أجواء تجمع بين التأمل الروحي والبهجة الرمضانية.
مسجد أبو الحجاج الأقصري
ولعل هذا الارتباط العميق بين أهل الأقصر ومسجد أبو الحجاج؛ جعل منه على مدار تاريخه وجهة روحانية يتغذون فيها على وجبة إيمانية لا غنى عنها في الشهر الفضيل.
ليصبح المسجد في رمضان، مرآة تعكس تراث الأقصر الروحي والثقافي؛ حيث يجد الزائرون -سواء من المريدين أو السائحين- لحظات من السكينة وسط صفحات التاريخ؛ لتتحول زيارته في هذا الشهر المبارك إلى رحلة عبر الزمن، تمتزج فيها الروحانية بالإرث الحضاري وتاريخ المصريين التليد.
مسجد أبو الحجاج الأقصري
مسجد أبو الحجاج الأقصري