يعانق صوته سماع المصريين عندما يتلو في السابعة صباحًا عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، ويسكن صوته قلوبهم عندما يرفع أذان المغرب في رمضان، معلنًا ساعة الإفطار؛ ليستعيد المصريون مع صوت الشيخ محمد رفعت روحانيات الشهر الفضيل، فيوقظ في النفوس حنينًا إلى أيام كانت البيوت تعج بالمحبة والقرآن والتواشيح.
موضوعات مقترحة
لم يكن الأذان للشيخ رفعت أو تلاوة القرآن مجرد صوت، بل كان رمزًا لعصرٍ ذهبي؛ حيث كان يجتمع الناس في الليالي الرمضانية ليستمعون إليه، تاركين خلفهم صخب الحياة؛ ليغوصوا في بحر من السكينة والإيمان.
في رحلة عبر الزمن، تأخذكم «بوابة الأهرام» خلال السطور التالية؛ إلى حقبة الأربعينيات؛ لنغوص خلالها طقوس الشيخ محمد رفعت في رمضان، تلك الروح التي لا تزال تعيش في ذاكرة الأجيال.
ليالي المُحبين للشيخ محمد رفعت
«كانت ليالي للمحبين من الأقارب والجيران.. وكأن الله فتح له باب التوفيق» بفخر تصف الحاجة هناء حسين رفعت، حفيدة الشيخ محمد رفعت، جلسات جدها الرمضانية.
وتضيف في حوارها مع «بوابة الأهرام»، أنه في ثلاثينيات القرن الماضي، حين كانت الإذاعة في مهدها، ولم يظهر التلفاز بعد، كان الناس يبحثون عن الروحانيات في التجمعات البسيطة؛ حيث لم تكن هناك شاشات تسرق الأنظار، بل كانت الأسماع تتعلق بصوت الشيخ محمد رفعت، الذي كان يحيي الليالي الرمضانية بقراءته وتواشيحه دون مقابل.
منزل الشيخ رفعت ملاذ للجميع
في حي السيدة زينب بالقاهرة، كان منزل الشيخ محمد رفعت ملاذًا للروح والجسد، فالمنزل المكون من ثلاثة أدوار كان يعج بالحياة؛ حيث خصص الدور الأول للزوار والمحبين، والباقي لأهل البيت.
لم يكن فتح المنزل للزوار والمحبين مقتصرًا على رمضان، بل كان عامرًا طوال العام؛ «كان جدي يفتح أبواب المنزل للجميع؛ حتى إن البعض كانوا يدخلونه للطعام دون رؤية جدي.. فقط ليأخذوا البركة"، تروي الحاجة هناء، موضحة أن الطعام كان جزءًا من الكرم، لكن «البركة» كانت الهدف الأسمى للزائرين والمحبين.
خلوة خاصة للشيخ رفعت
«لم يكن رمضان وحده موعدًا للعبادة بالنسبة للشيخ رفعت، بل كان على صلة دائمة بالله في خلوته الخاصة»، كما تؤكد حفيدته.
وتتابع كان يناجي ربه، ويقرأ القرآن، ويردد الأدعية مع زملائه من الصوفية والنقشبندية، وكان يختم القرآن ويراجع تلاوته لتثبيتها، في طقس روحي يعكس عمق إيمانه.
مائدة إفطار الشيخ رفعت
رغم حب الشيخ للطعام، كان يعاني من مشاكل في المعدة، مما جعله يبتعد عن الأكلات «الدسمة»؛ لكن «طاجن البامية» كان استثناءً؛ "البامية معشوقته على مائدة الإفطار في رمضان"، تقول هناء، مستذكرة رواية والدها حسين عن تفضيلات جدها المتواضعة.
أذان المغرب بصوت الشيخ محمد رفعت
ومن أشهر ما ارتبط بصوت الشيخ محمد رفعت رفع أذان المغرب على مقامي «السيكا» و«الرَّست». «حتى لو سمعته في غير شهر رمضان.. ستشعر بنفس الروحانيات» تضيف الحاجة هناء، مؤكدة أن صوت جدها أصبح رمزًا للإفطار.
مسجد فاضل باشا.. مستقر الشيخ رفعت
على مقربة من ميدان السيدة زينب، يقع مسجد فاضل باشا، الذي ارتبط به الشيخ رفعت ارتباطًا وثيقًا؛ حيث بدأت رحلته في كُتَّاب «بشتك» عند عمر الخامسة، وحفظ القرآن الكريم بعمر الخامسة عشرة.
«كان مسجد فاضل باشا الأقرب إلى قلبه»، تقول الحاجة هناء؛ متابعة أنه حتى في أيامه الأخيرة، حين أصيب بـ«الفواق - الزُغطة» وامتنع عن الإذاعة، ظل يقرأ في فاضل باشا وسط محبيه الذين تقبلوا تعبه بحب.
«عاش هنا».. تكريم لتاريخ حافل
وثّقت مبادرة «عاش هنا» مسجد «فاضل باشا» كأحد أبرز المعالم المرتبطة بالشيخ محمد رفعت.
«كان له في فاضل باشا دكة خاصة لم يفارقها»، تروي بنبرة شجن حفيدة الشيخ رفعت، مشيرة إلى أهمية الحفاظ على تراثه.
أسرة الشيخ محمد رفعت
وبصوت يعانق الحنين، تتذكر الحاجة هناء أبناء الشيخ محمد رفعت، كل من محمود الذي توفي صغيرًا، ومحمد، وأحمد، وبهية، وحسين.
وتشير إلى أن للشيخ رفعت الكثير من الأحفاد، منهم نبيل ورفعت ومحمد وزينب، وهي ابنة حسين الكبرى، وكان لها أخوة هم أحفاد الشيخ رفعت كل من بهاء ووفاء وعلاء «كلهم توفاهم الله»، تقول بحسرة.