"السياحة البيئية"، هي بالفعل أغلى سياحة في العالم مقارنة بكافة أنواع النشاط السياحي، وهي سياحة مكلفة لعشاقها، في المقابل، تحقق عوائد سخية لأهلها والعاملين بنطاقها، ولكن هل هي، في بلدنا، تحقق بالفعل المتوقع منها؟ بمعنى آخر، هل دخلت الخدمة الكاملة والشاملة بما يتناسب مع ثراء مواردنا الطبيعية، وكثافة ما تمتلكه من كنوز، لا يمتلكها أحد على الكوكب؟
ولحساسية هذه السياحة، هناك بعض النقاط حولها، حيث تعد عناصرها الطبيعية وأحياؤها المائية مع طيورها، فائقة الندرة والتميز، يكفي أن نعلم أن نمو 1 سنتيمتر من الشعاب المرجانية يستغرق نحو 15 عامًا، كما أن تعرض بعض الأحياء المائية للدمار، أو نفوق الطيور النادرة، بسبب التلوث، يشكل خسارة فادحة لا حدود لها.
وإذا كانت "السياحة" تجتهد لزيادة أعداد السائحين، فإن "البيئة"، تتحسب لتنظيم حركة النمو وكثافة الأنشطة حتى لا تؤثر سلبًا على منظومة الحياة الطبيعية والفطرية على الشواطئ، والمحميات البحرية وأعماق البحار التي تتمتع بندرتها وخصوصيتها مقارنة بمناطق أخرى، كما في محمية "رأس محمد"، ومحمية "نبق"، وجزر عديدة تعد موئلًا طبيعيًا للسلاحف البحرية ذات الحساسية العالية، والدلافين، مثل جزيرة "صمداي" بالبحر الأحمر التي أصبحت أشهر محمية للدلافين على مستوى العالم، وكذلك جزيرة "الجفتون" وغيرها عند مدخل خليج العقبة، والبحر الأحمر.
وحفاظًا على محمياتنا الطبيعية المكتظة بتنوع عناصرها وندرة كائناتها، نشأ تحالف جديد بين "البيئة" و"السياحة"، و"المجتمع المدني"، يهتم بضبط منظومة الحراك البحري، وينسق للنشاط السياحي، والاستمتاع بالأحياء البحرية، فوق وتحت سطح المياه عند خليج العقبة ومياه البحر الأحمر، والبداية من مدينة "شرم الشيخ"، لتبدأ بعدها مرحلة تطبيق المنظومة من طابا، إلى جنوب البحر الأحمر ومرسى علم، مرورًا بالغردقة ورأس محمد ونبق ودهب ونويبع.
ضبط الحركة وتنظيم الأنشطة السياحية ورياضات الغوص لا يعني التضييق على السائحين أو الحد من استمتاعهم بالموارد المتنوعة للحياة البحرية، بل هو تنظيم لكثافة الحركة السياحية والبيئية والرياضية والترويحية، فهو إضافة للنشاط السياحي والتنموي على المدى المستدام، بعد أن تزايد حجم الحركة والسائحين وهواة الغوص.
هذا التحالف بدأ الأسبوع الماضي، وانطلق من فسطاط البيئة بالقاهرة، أطرافه وزارتا البيئة والسياحة، ومحافظة جنوب سيناء، ومعهم اتحاد الغرف السياحية، وخبراء الغوص، والهدف مواكبة نمو الحركة والأنشطة والخدمات، باستخدام التطبيقات الرقمية، لتيسير الاستمتاع بالبيئة والرياضات البحرية، وتتوافر 4 مستويات للنشاط تعتمد على الموارد الطبيعية، حيث تكتظ الشواطئ بالسباحة والاستمتاع بمياه سطح البحر في المستوى الأول، يليها الغطس تحت سطح المياه فقط وهو ممارسات الهواة – Snorkeling، والمستوى الثالث هو رياضة "الغوص – Diving" للمحترفين في أعماق المياه، أما الرابع فهو التنوع الفطري والتكامل البيولوجي بين الأحياء والكائنات البحرية والشعاب المرجانية، أو ما يطلق عليه التنوع البيولوجي، وكثيرًا ما تتاح هذه المستويات والممارسات معًا في وقت واحد، وتنمو ويتزايد مريدو هذه الأنشطة بشكل مذهل، فقد بلغ عدد رحلات الطيران إلى مطار "الغردقة"، يوم الاثنين 3 مارس الحالي، 113 رحلة طيران تقل 22 ألف سائح، وشهد مطار "مرسى علم" حوالي 53 رحلة في يوم واحد خلال سبتمبر الماضي.
وتم التوصل إلى هذا التحالف عبر تطبيق “إيكو مونيتور – Eco Monitor” وهو حصيلة جهود استغرقت 6 سنوات، وبدأ بتدريب 1000 غواص مرحلة أولى، تليها مراحل للوصول إلى تدريب ومشاركة 3 آلاف غواص على أنشطة الرصد لحماية الموارد الطبيعية.
وتمكنت د. ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، من جذب قطاع الغوص السياحي الخاص ليشارك في حماية البيئة برصد البيئة وكائناتها وموائلها، وتوضح الوزيرة، أننا نشاهد كثافة للحركة السياحية من سباحة ونشاط للغوص ومراكب أخرى للغطس، أدت كثافتها إلى هجرة بعض الأحياء البحرية مثل الدلافين، ومع تطبيق التنسيق لهذه الأنشطة، عادت الأحياء البحرية والدلافين إلى طبيعتها، وهذا ما نستهدفه من التطبيق الجديد الذي يرصد ويراقب وينسق وينظم كافة الأنشطة، دون أن يمنع أصحابها من ممارستها، كما يتيح للسائحين حجز التذاكر، وإصدار التصاريح للغواصين المحترفين إلكترونيًا، بسهولة وسرعة مع ضمان كفاءة إدارة المنظومة الطبيعية.
ميدانيًا، يسعى التحالف الحالي إلى تنشيط السياحة البيئية وإنعاش حركتها، وتشريعيًا فإن السياحة البيئية تراوح نفسها، حيث ما زلنا، منذ أعوام، نترقب صدور التشريعات والقوانين المرنة، لكي تنطلق وتحقق عائدًا لمصر وناسها وكائناتها وطبيعتها، ففي سيناء لدينا 5 محميات طبيعية جميعها داخل جنوب سيناء، وهي طابا، أبو جالوم، سانت كاترين، نبق، رأس محمد، وهي ثروة بيئية وسياحية من المفترض أن تضع مصر من بين أهم الدول الجاذبة للسياحة البيئية، كما يحدث في أستراليا والبرازيل وتايلاند.
الدستور حفظ لهذه السياحة مكانتها المعتبرة اليوم وللأجيال القادمة، كما يعتزم "مجلس النواب" مناقشة قانون "تنظيم النفاذ إلى الموارد الأحيائية والاقتسام العادل للمنافع الناشئة عن استخداماتها"، بقي أن نطالب بضم هذا القانون إلى "قانون البيئة الموحد"، لكي نحقق العائد المناسب لتلك الكنوز التي وهبها الله سبحانه دون أن نبذل جهدًا، فهل نبذل القليل من الجهد بالإسراع في إصدار هذا القانون الموحد، لكي نفرج عن هذه الكنوز لنا وللعالم؟
[email protected]