عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه".
يعني نشر الرحمة بين العباد والتآزر فيما بينهم، ويعني التعاطف والتعاون وبذل الخير والمعروف والإحسان لمن هو في حاجة إليه، ويكفي الرحمة قدرًا وشرفًا أنها صفة من صفات الله عز وجل، واسم من أسماء الله تعالى، ولنا في رسول الله أسوة حسنة والصحابة الكرام.
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: مر النبي "صلى الله عليه وسلم" على امرأة تأخذ طفلها فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا "صلى الله عليه وسلم": "أترون هذه طارحة ولدها في النار؟" قلنا: لا يا رسول الله، وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال: "الله أرحم بعباده من هذه بولدها". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله ادع على المشركين، قال: "إني لم أُبعث لعانًا وإنما بُعثت رحمة للعالمين". وقال: "لو كنت أدعو عليهم لَطُرِدوا من رحمة الله تعالى، وأصبحت من القاطعين عنهم الخير"، وأكد على أنه قد بُعث رحمة.
وعن رحمة الصحابة رضي الله عنهم: سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات ليلة بكاء صبي، فأتى إلى أمه فقال لها: "ويحك إنك أم سوء، ما لي أرى ابنك لا يهدأ منذ الليلة من البكاء؟" فقالت: يا عبد الله إني أفطمه عن الطعام فيأبى ذلك، قال: ولِمَ؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للمفطوم، قال: وكم عمر ابنك هذا؟ قالت: كذا وكذا شهرًا، فقال: ويحك لا تعجليه عن الفطام، فلما صلى الصبح وهو لا يستبين للناس قراءتهم من البكاء قال: بؤسًا لعمر بن الخطاب كم قتل من أولاد المسلمين، ثم أمر مناديًا فنادى: لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام وكتب بذلك.
الرحمة بالجاهل:
رحمة النبي صلى الله عليه وسلم: لما جاء أعرابي فبال في ركن من المسجد فزجره الناس أي نهروه، ماذا فعل النبي "صلى الله عليه وسلم"؟ أمر بماء وصبه عليه، وفي رواية أن أعرابيًا قال: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا، فقال النبي "صلى الله عليه وسلم": "لقد تحجرت واسعًا". وعن أنس رضي الله عنه أن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: "إني لأدخل في الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأخفف من شدة وجد أمه". وصورة أخرى: أن امرأة كانت تقوم على نظافة المسجد ففقدها رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، فسأل عنها فقالوا: ماتت يا رسول الله، قال: "أفلا أخبرتموني؟" فكأنهم صغروا أمرها، فقال: "دلوني على قبرها فدلوه فصلى عليها ثم قال: إن هذه القبور مملوءة بالظلمة على أهلها وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم"، فجاء قبرها فصلى عليها.
ورحمته "صلى الله عليه وسلم" بالمساكين والمنكسرين، عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه: "كنت أضرب غلامًا لي بالصوت لعله بسبب خطأ عظيم وقع منه، فسمعت صوتًا من خلفي: اعلم أبا مسعود، فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو النبي "صلى الله عليه وسلم"، فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، إن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، فقلت: لا أضرب مملوكًا بعد أبدًا".
وعن عائشة رضي الله عنها: "قدم أناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقالوا: نعم، قالوا: ولكن والله ما نقبل، فقال النبي "صلى الله عليه وسلم": وكيف أفعل بكم إن كان الله نزع منكم الرحمة؟ واعلموا أيها الإخوة أن بيوتنا لا بد أن تسودها الرحمة ويملؤها الرفق لنهنأ بها، ونسعد فيها، والبيت الذي يعلو فيه الصراخ ويسمع فيه السب والشتم واللعن وتكثر فيه الخلافات بين الزوجين، ويضرب فيه الأبناء والبنات لأتفه الأسباب، هذا بيت لا يطاق فيه عيش، ولا يطيب به سكن، وقد ارتحلت البركة منه.
وما أجمل حديث النبي "صلى الله عليه وسلم" الذي قال فيه: "إذا أراد الله عز وجل بأهل بيت خيرًا أدخل عليهم الرفق والرحمة".
والرحمة باليتيم، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه، فقال: "أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح على رأسه وأطعمه من طعامك يلين قلبك وتدرك حاجتك".
ورحمة النبي "صلى الله عليه وسلم" بالحيوان كان لها نصيب في رحمته، قال النبي "صلى الله عليه وسلم": "والشاة إن رحمتها رحمك الله".
وقال: " الراحمون يرحُمهم الرحمنُ ، ارحموا أهلَ الأرضِ يَرْحَمْكم من في السماءِ".