حسنًا فعل مجلس الشيوخ أن فتح ملف قضية التصدير في جلسته التي عقدها أمس.. وأصاب المستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، الحقيقة عندما وصف التصدير بأنه أصبح قضية أمن قومي، وحين تتلاقى إرادة المؤسسة التشريعية والحكومة حول قضية مهمة مثل التصدير، فعلينا أن نستبشر برؤية جديدة وسياسة مختلفة تضع قضية التصدير في مكانها الصحيح.. والمكان الصحيح هو نقل قضية التصدير من دائرة الأقوال والإستراتيجيات الورقية إلى دائرة الفعل وتحقيق الأرقام التي تليق باسم مصر وتعكس حقيقة الإمكانات الاقتصادية الكبيرة التي يتمتع بها هذا الوطن.
في عالم اليوم تقاس قوة الدول بحجم إنتاجها، ويتحدد تطور البلدان بقيمة صادراتها.. فلا تقدم بلا إنتاج ولا نهضة دون صادرات، ومصر على مر العصور تسعى لأن تلحق بركب الإنتاج، فإذا بها تتحول إلى أكبر الدول المستوردة. ومن المفارقات أن الأجداد الفراعنة حفروا طرق زراعة القمح وحصاده على جدران المعابد، بينما الأحفاد اليوم من أكبر المستوردين للقمح في العالم.
قضية التصدير في حاجة إلى سياسات واضحة وإجراءات متكاملة يتم من خلالها نشر ثقافة الإنتاج والتصدير بين كل مكونات المجتمع، وقبل كل ذلك لا بد من وجود مظلة تشريعية راسخة توفر مناخًا جاذبًا ومشجعًا للتصدير. وأعني بالمناخ الجاذب وجود خطوط ائتمان وتمويلات خاصة من البنوك والمؤسسات المالية لخفض تكلفة الإنتاج.. وتوفير مراكز خدمات للمصدرين، خصوصًا صغار المنتجين، لتقدم لهم دورات تدريبية متطورة في التسويق والنفاذ إلى الأسواق الخارجية، كما تقوم بتوفير دراسات السوق للمصدرين. ثم لا بد من وجود شركات تسويق متطورة تتولى القيام بعملية التصدير بجانب شركات الإنتاج نفسها، وذلك لمساعدة الشركات الصغيرة التي لا تستطيع القيام بجولات ترويجية في الخارج. ويصاحب ذلك استخدام رشيد للرسوم الجمركية للحد من الواردات وتشجيع توطين الصناعة الوطنية. ولعل هذا ما تفعله أمريكا منذ مجيء ترامب للبيت الأبيض، حيث قام بفرض رسوم جمركية على منتجات تستوردها أمريكا بينما هناك منتج محلي لها، وهو ما دفع بعض مصانع السيارات مثلًا إلى نقل إنتاجها من المكسيك إلى أمريكا لتفادي الرسوم الجمركية الكبيرة.
لا يكفي أن تقول الحكومة إنها تستهدف زيادة الصادرات إلى 100 مليار دولار أو 150 مليارًا خلال فترة زمنية معينة دون أن توفر الخدمات اللوجستية أو تهيئ المناخ الداعم للإنتاج.. فكم هي الخطط والإستراتيجيات التي تم الإعلان عنها لزيادة الصادرات على مدار العقود الماضية، بينما ظلت أرقام الصادرات في مستواها المتواضع رغم الزيادة الطفيفة التي تحققت خلال السنوات الماضية.
مصر لديها فرصة كبيرة لتحقيق قفزات في أرقام التصدير، فهي ترتبط بالعديد من الأسواق والتجمعات الدولية في إفريقيا مثل الكوميسا، وفي منطقة دول البريكس التي تجمع عددًا كبيرًا من الأسواق الكبرى مثل الصين وروسيا، مما يساعد على النفاذ بالمنتجات المصرية إلى هذه الأسواق. ناهيك عن الأسواق التقليدية لمصر في المنطقة العربية وأوروبا والتي يمكن زيادة الصادرات إليها أضعافًا مضاعفة.
الخروج برؤية واضحة بعد مناقشات مجلس الشيوخ والحكومة بداية الطريق لوضع مصر على خريطة التصدير الحقيقي، حينها سنتحدث عن مشاكل مصر وأزماتها الاقتصادية على أنها من الماضي.. فالتصدير هو أبوالحلول لأمهات المشاكل.. التصدير يعني حصيلة دولارية وتدفقات نقدية، وبالتالي تتلاشى أزمة نقص الدولار وترتفع قيمة الجنيه المصري وتتراجع الأسعار.. التصدير يعني الإنتاج وفتح المزيد من المصانع والشركات، وبالطبع يترتب على ذلك توفير فرص عمل جديدة للشباب وحل مشكلة البطالة.. التصدير يعني أيضًا توفير احتياجات السوق المحلية وعدم الاعتماد على الخارج، وبالتالي تحقيق الاستقرار المجتمعي والأمن الغذائي.
مصر تستطيع ولديها إمكانات إنتاجية كبرى.
[email protected]