في عالمٍ يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، تظل المرأة شعلةً مضيئةً تلهم الأجيال وتصنع التاريخ. كتاب "أَلْهَمْنَ الْعَالَمَ" للكاتب المثقف د.سراج الدين ياسين سراج الدين ـ الصادر عن المركز الإعلامي العربي ـ يأخذنا في رحلةٍ استثنائية عبر الزمن، لنتأمل في حياة عشر سيداتٍ غيرن وجه العالم بأفكارهن وإصرارهن وعزيمتهن. الكتاب ليس مجرد سردٍ تاريخي، بل هو تحية إجلال لكل امرأةٍ أبهرت العالم وتركت بصمةً لا تُنسى في مسيرة الإنسانية.
يأتي عنوان الكتاب "أَلْهَمْنَ الْعَالَمَ" كإشارةٍ قويةٍ إلى الدور المحوري الذي لعبته النساء عبر العصور. العنوان ليس مجرد كلماتٍ جذابة، بل هو دعوةٌ للتأمل في قصصٍ حقيقيةٍ لنساءٍ تحدين الصعاب، وكسرن القيود، ورفعن راية التميز في مجالاتٍ مختلفة. يسلط الكتاب الضوء على نماذجٍ نسائيةٍ استثنائية، من الملكة حتشبسوت إلى أوبرا وينفري، مرورًا بماري كوري والأم تريزا، ليؤكد أن عظمة المرأة ليست وليدة العصر الحديث، بل هي حقيقةٌ راسخةٌ في تاريخ البشرية.
يبدأ الكتاب بالحديث عن الملكة حتشبسوت، التي حكمت مصر القديمة بسلامٍ وازدهار، وتركت إرثًا معماريًا لا يزال يُعتبر من عجائب العالم، ثم ينتقل إلى الملكة كليوباترا، المرأة التي حكمت مصر بذكاءٍ وحنكة، وأصبحت رمزًا للقوة والجمال.. هذه النماذج التاريخية تثبت أن المرأة كانت دائمًا قادرةً على قيادة الأمم وترك بصمةٍ لا تُنسى.
في العصر الحديث، يسلط الكتاب الضوء على ماري كوري، العالمة البولندية التي حصلت على جائزة نوبل مرتين، واحدة في الفيزياء والأخرى في الكيمياء، لتصبح أول امرأةٍ تحقق هذا الإنجاز العلمي الفذ. كما يتحدث عن الأم تريزا، التي كرست حياتها لخدمة الفقراء والمحتاجين، وأصبحت رمزًا للإنسانية والتضحية.
ولا ينسى الكتاب النساء اللواتي تركن بصمةً في المجال السياسي، مثل إليانور روزفلت، السيدة الأولى للولايات المتحدة، التي كانت داعمةً قويةً لحقوق الإنسان، ومارجريت تاتشر، المرأة الحديدية التي قادت المملكة المتحدة بصلابةٍ وحزم. كما يتناول حياة الملكة فيكتوريا، التي حكمت بريطانيا في عصرٍ شهد توسعًا هائلًا للإمبراطورية البريطانية، والملكة إليزابيث الثانية، التي أصبحت رمزًا للاستقرار والتفاني في العصر الحديث.
وفي مجال الأدب، يسلط الكتاب الضوء على أجاثا كريستي، ملكة الرواية البوليسية، التي تركت إرثًا أدبيًا لا يزال يُقرأ حتى اليوم. وأخيرًا، يتحدث عن أوبرا وينفري، الإعلامية الأمريكية التي أصبحت واحدةً من أكثر النساء تأثيرًا في العالم، بفضل إصرارها وقدرتها على إلهام الملايين.
اربط هنا بين فكرة هذا الكتاب العميقة وبين يوم المرأة العالمي، الذي يُحتفل به في الثامن من مارس من كل عام. هذا اليوم ليس مجرد مناسبةٍ للاحتفال، بل هو فرصةٌ للتأمل في الإنجازات التي حققتها النساء عبر التاريخ، والدعوة إلى مزيدٍ من المساواة والعدالة. كتاب "أَلْهَمْنَ الْعَالَمَ" يقدم لنا نماذجٍ نسائيةٍ عظيمة، تذكرنا بأن إنجازات النساء ليست مجرد صفحاتٍ في كتب التاريخ، بل هي شعلةٌ مضيئةٌ تلهم الأجيال القادمة.
قدم المفكر الكبير مصطفى الفقي إشادةً بالكتاب والكاتب، مشيرًا إلى أن د. سراج الدين هو سليل عائلة سياسية عريقة تحمل إرثًا كبيرًا من الفكر والقيادة. وأشاد الفقي بأسلوب الكاتب الراقي وثقافته الواسعة، مؤكدًا أن هذا الكتاب يعد إضافةً قيمةً للمكتبة العربية، ويستحق أن يُقرأ من قبل كل من يهتم بالفكر الاجتماعي والسياسي.
أهدى د. سراج الدين الكتاب إلى والدته الدكتورة عواطف سراج الدين، السيدة التي تعتبر رمزًا للعمل الاجتماعي والتربوي، ولها بصمة كبيرة في مجال خدمة المجتمع. كما أهدى الكتاب إلى زوجته فوقية، التي وصفها بالجميلة، والتي كانت داعمًا قويًا له في مسيرته، وإلى ابنته الصغيرة نازلي، التي تمثل مستقبل العائلة الواعد. هذا الإهداء يعكس قيم الأسرة المصرية الأصيلة، حيث يبرز دور المرأة القوي والمؤثر في تشكيل شخصية الكاتب ومسيرته. في رأيي، هذا الإهداء لم يكن مجرد كلمات عابرة، بل كان تعبيرًا صادقًا عن الامتنان والحب، مما أضاف بعدًا إنسانيًا وجماليًا للكتاب.
لا يسعني هنا إلا أن أتوجه بتحيةٍ خاصةٍ للكاتب المتميز د. سراج الدين ياسين، الذي نجح في تقديم فكرةٍ عميقةٍ بأسلوبٍ سلسٍ وجذاب. أسلوبه في السرد والتحليل يتميز بالتمكن والرشاقة، مما يجعل الكتاب ليس مجرد قراءةٍ تاريخية، بل تجربةً ثقافيةً غنية. الكاتب استطاع بذكاء أن يقدم لنا قصصًا معروفةً بطريقةٍ جديدة، تدفعنا إلى التأمل في عظمة هؤلاء النساء، وفي الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في تشكيل المستقبل.
"أَلْهَمْنَ الْعَالَمَ" ليس مجرد كتابٍ يروي قصصًا تاريخية، بل هو دعوةٌ للتأمل في قوة المرأة وقدرتها على تغيير العالم. الكتاب يذكرنا بأن التاريخ لم يُصنع فقط بالرجال، بل أيضًا بنساءٍ كسرن الحواجز، وتحدين الصعاب، وتركن إرثًا لا يزال يُلهم الملايين.
في النهاية، الكتاب تحيةٌ لكل امرأةٍ أبهرت العالم وتركت بصمةً في تاريخ الإنسانية. وهو تذكرةٌ بأن عظمة المرأة ليست وليدة العصر الحديث، بل هي حقيقةٌ راسخةٌ في تاريخ البشرية. فتحية إجلال لكل امرأةٍ أبهرت وألهمت وتوهجت كالنجم في السماء، ورسمت بفخر ملامح الإنسانية وفجر المستقبل.