نتقلب في هذه الحياة وتتقلب معنا قلوبنا، نتجمع تارة في وضح نهارها فرحًا بنصيبنا منها أو نتفرق بين أقبيتها وسراديبها المظلمة تارة أخرى، نتفق في وجهات نظرنا فنسكن ساحاتها بكل سلام وود، أو نتنازع أمورنا التي نناقشها فيما بيننا بكل عنف وحدّة، وفي نهاية المطاف ستظل لأغلبنا أمنية واحدة، أمنية صادقة غالية، أمنية تخرج بمفردها من بين تلال أفكارنا التي تسكن بنا في الأعلى وتقيم بين قمم أحلامنا، أمنية نرغب من خلالها في نيل رضا من خلقنا، ونعيمًا من عنده لا يبلى في جناته العلى.
لعلك مثلي ما زلت تبحث عن ذلك لاهثًا، تتطلع لعبور طريق يمكنك من أن تنفذ منه إلى أبواب رحمة ربك، بعد أن أتعبتك محاولاتك المتكررة ببذل جهودك المضنية للحفاظ على من مزقوا بالأحزان قلبك، من تحالفوا معًا ضدك، من مارسوا بكل ما أوتوا من قوة ضغوطهم القاسية عليك، انتزعوا منك سبل راحتك كرهًا، ارتضوا هوانك، عذبوك بسيء طباعهم التي لا ولم تتغير، هددوا سلام نفسك وكادوا أن يقضوا على هدوء روحك.
الأغرب من ذلك أنهم من جاءوا بأنفسهم إليك معاتبين، منددين بقرارك الصائب الذي اتخذت، ودون حياء منهم راحوا يتساءلون: لم فعل بنا كل هذا؟ لماذا تجنبنا وآثر رحيله عنا؟ تناسوا أنهم من سعوا لتدميرك زمنًا، أقدموا على ظلمك وتجاهلوا أنين قلبك، مضوا في طريقهم مكررين محاولاتهم الظالمة والغاشمة لقهرك وخلق مناخ مناسب للنيل منك؛ بقتل إحساسك الصادق، وبسحق مشاعرك الراقية، نسوا أنهم من زجوا بك في بحر خذلان لا ينحسر، بحر حوى بين مياهه أمواجًا لا تكف ولا تتوقف، أمواج من حقد مطلق تحاول إغراقك بفوضاها المزعجة.
كم واجهت من مشكلات أطاحت ببعض أمنياتك، كم صارعت الآخرين بسمو خلقك الذي ميزك ورفع قدرك، لقد تمكنت بإيمانك ويقينك من إجهاض كل محاولاتهم المستميتة لصبغتك بصبغة غير صبغتك، بعد أن أدركت أنهم سيبددون طاقتك وحسب، وأن هذا سيتكرر كلما وجدوك تقتسم من النجاح نصيبًا موفورًا لك ولأجلك.
أنت كما عهدتك من قبل متزنًا لم تتغير، تتخير بنفسك علاقاتك الآن، فكم ضحيت من قبل بعلاقات كادت أن تفسد عليك حياتك، تهدد يقينك الكامن بأعماقك، يقينك الذي ألهمك بنوره وأخبرك بأن المعاملة الطيبة لا بد أن تقابلها معاملة طيبة مثلها، وعندما لم يحدث هذا قررت أن تنحي هؤلاء السيئين جانبًا فهم أصبحوا لا يمثلونك أبدًا.
لقد سعيت بإيمان قوي منك، بيقين لا يلين أو يتزحزح، حاولت بكل طاقتك ونجحت في الحفاظ على أقصى وأعظم درجات إيمانك، سارعت بخطاك الواثقة نحو طريق سوف يضمن لك حصولك على رسائل طمأنينة من ربك، رسائل نابعة من مدى صدق إيمانك وثقتك بمدى عطاء ربك، بمحبة مشروطة منه تطمئنك بتحقيق أمنيتك ما دمت متبعًا لهداه سبحانه وتعالى، ممتثلًا لأوامره الموجهة إليك.