د.حسن عبد الله.. مصري ضمن أكبر خبراء العالم في تصميم المدن الذكية

27-2-2025 | 15:18
دحسن عبد الله مصري ضمن أكبر خبراء العالم في تصميم المدن الذكيةد.حسن عبد الله
وليد فاروق محمد
الشباب نقلاً عن

منذ أيام أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا بإعادة تشكيل المجلس الاستشاري لعلماء وخبراء مصر، ومن بين الأسماء التي تم اختيارها يبرز د.حسن عبد الله ضمن نخبة من أفضل العقول المصرية في كل المجالات، وهو النائب الأول رئيس جامعة إيست لندن East London  ورئيس عمداء الكليات على مستوى الجامعة، وهو في الأصل خريج كلية الهندسة جامعة المنوفية ثم سافر في رحلة عملية رائعة لإنجلترا .. وهناك اختاروه ضمن ٣٠ شخصية في لجنة تقييم 150 جامعة بريطانية، كما أنه يتخصص في مجال شديد الأهمية وهو تصميم المدن الذكية وساهم فى العديد من المشاريع والأبحاث الدولية، قصة نجاح مصرية في لندن عاصمة الضباب نتوقف معها في الحوار التالي.   

نبدأ من خبر القرار الجمهورى الصادر مؤخرا بانضمامك لمجلس علماء مصر، ماذا يعنى لك هذا الاختيار والتكريم؟ 

مؤكد شرف لي لأنه تكليف رفيع لخدمة الوطن، وإن شاء الله يوفقنا المولي عز وجل لما فيه الخير، وسنعمل جميعا في المجلس الاستشاري وبالتنسيق مع كل مؤسسات الدولة لتحقيق رؤية مصر المستقبلية لكي تصبح رائدة في العديد من المجالات مثل الصناعة والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، وأتمني تقديم خلاصة خبرتي الطويلة في مجالي العلمي لمصر كجزء من رد الجميل لوطني . 

نعود للوراء.. ماذا عن طفولتك وعائلتك ومدى تأُثيرهم على شخصيتك ؟ 

أنا من مواليد مدينة سرس الليان بالمنوفية، والدي كان يحفظ القرآن الكريم منذ صغره وكان حريصا أن أكون مثله وكذلك أخي د.محمد شفيق عبد الله وهو أستاذ جراحة شهير، وكنا نسافر للخارج منذ الصغر للعمل وكسب الخبرات، وحصلنا عل مكافآت تفوق، وسرس الليان بها المركز العالمي لليونسكو وكان له دور كبير في نشر الثقافة، وقد تأثرت به كثيرا .   

هل كنت تهوى دراسة الهندسة والأرقام منذ صغرك، وهل كان هدفك دراسة الهندسة فى الجامعة وأن مجموعك الكبير فى الثانوية العامة كان له تأثير فى قرارك؟ 

الشغف بهندسة خلق الكون والطبيعة كان له دور في عشقي لهذا المجال منذ صغري، وكنت أحب الفيزياء والهندسة الفراغية، وكذلك رغبة الأسرة في أن يكون أحد الأبناء طبيبا والآخر مهندسا.. والحمد لله حققنا أمنيتهم هذه.

د.حسن عبد الله
 

بعد تخرجك عملت بالجامعة، كيف جاءتك فرصة السفر للخارج لاستكمال دراساتك العليا؟

منذ صغري كنت أحلم بالسفر للخارج، للاطلاع علي أحدث ما وصل إليه العلم، وخلال الدراسة أتيحت لي فرصة عظيمة بالتدريب في شركات عالمية عملاقة، منها شركة فرنسية عملاقة كانت تقوم بمشروع مترو القاهرة، وبعد حصولي علي البكالوريوس بتقدير امتياز بدأت في مراسلة جامعات أمريكية ويابانية وإنجليزية، وكانت لدي فرصة السفر لليابان وكندا..  وفي الوقت نفسه وجدت إعلانا في جريدة الأهرام عن توافر بعثات للدراسة بالخارج للخريجين المتميزين، وتواصلت مع مكتب رئيس مجلس إدارة المؤسسة الأستاذ الراحل عبد الله عبد الباري وقابلته، وطلب مني الحصول علي موافقة من جامعة أجنبية لدراسة الدكتوراه، وبالفعل حصلت على واحدة من جامعة بريطانية وقدمتها له، وبالتالي استكملت أوراقي، وكان هذا له أثر كبير جدا في تغيير مسار حياتي، وبعد عام من السفر قامت الجامعة بسبب تفوقي بتغطية تكاليف الدراسة.. بل وتم ضمي لهيئة التدريس، بجانب عملي في أبحاث الدكتوراه، وكذلك السفر لمشاركة البحث مع جامعات بأمريكا واليابان.

د.حسن عبد الله

احك لنا عن رحلتك فى الغربة من بدايتها، مؤكد واجهتك صعوبات، كيف تغلبت عليها؟

الحقيقة كانت رحلة مليئة بالتحديات الشاقة والكفاح، خاصة إثبات الذات في مجتمع متقدم، ووسط ثقافة مختلفة، بجانب كيفية المحافظة علي الهوية المصرية والإسلامية وفي الوقت نفسه التأقلم والنجاح، كنت أعمل لأكثر من 15 ساعة يوميا، والحصول علي عمل في إنجلترا سواء بالجامعة أو الشركات للأجانب لابد أن يكون الشخص أكثر تميزا 3 أضعاف الإنجليزي، وأن يكون متخصصا بشكل فريد لكي يقنعهم بأحقيته، ولذلك الرحلة لم تكن سهلة إطلاقا، وكانت المنافسة شديدة، خاصة أنني كنت من أصغر الحاصلين علي درجة الأستاذية في الجامعات البريطانية، وكنت أقود مراكز بحثية دولية بتمويل من المجموعة الأوروبية بالشراكة مع مراكز عالمية مثل جامعة طوكيو وشركات دولية رائدة في التصميم والتكنولوجيا، وتدرجت حتى وصلت لدرجة عميد كليات الهندسة ثم نائب رئيس الجامعة ثم المسئول الأكاديمي، وبفضل الله نشرت ما يزيد على 200 بحث وكتاب في مجالات بحثية مختلفة وفريدة من نوعها. 

د.حسن عبد الله

تعتبر من أبرز المتخصصين عالميا فيما تعرف بـ "المدن الذكية"، عندما نتكلم عن هذا المصطلح دائما نفكر فى المجتمعات الثرية التى تعتمد على التكنولوجيا، هل يمكن بناء مدن ذكية للفقراء أو متوسطى الدخل؟

ببساطة.. المدن الذكية هي تلك المجهزة بتقنيات المعلومات والاتصالات والابتكارات الحديثة بهدف تحسين جودة الحياة لسكانها وتحقيق طفرة في الخدمات والبنية التحتية، وهي تتسم بالاستخدام الفعال لنظم البيانات والتحليلات لتعزيز الاستدامة والكفاءة، بجانب إمكانية التواصل المستمر والنقل الذكي والأمان السيبراني والاستدامة البيئية والحوكمة الالكترونية والتشجيع علي الابتكار، وهي تساعد علي تعزيز النمو وتحسين جودة حياة السكان بما فيها الهواء والمياه والكهرباء وغيرها مما يحافظ علي الصحة، بجانب الطاقة النظيفة، بجانب التواصل الفعال مع طبقات المجتمع المختلفة، وتعزيز الحياة الثقافية والاجتماعية، والمدن الذكية الفعالة هي التي تجمع المدنية والصناعة والمواطنين معا لتحسين الحياة من خلال حلول متكاملة، مبانيها وتصميمها وتخطيطها تقوم علي أن تصبح صديقة للبيئة، وبهذا المعني المدن الذكية مفهوم لا يتوقف فقط عند المجمعات السكنية الثرية.. بل هو مفهوم حياة لكل الطبقات.

لك مساهمات متميزة فى تطوير مدينة لندن، كيف يمكن تطوير مدن تاريخية بشكل يجعلها أكثر اعتمادا على التكنولوجيا مع الحفاظ على طابعها التاريخى والتراثى، وهل يمكن تكرار الأمر نفسه مع مدينة مثل القاهرة ؟

تطوير مدينة مثل لندن يقوم علي خطة استراتيجية تشمل تحديد أولويات لكي يمكنها التعامل بكفاءة مع التغيرات مثل زيادة السكان بجانب التطورات التكنولوجية الكبيرة.. مع الحفاظ علي الهوية التاريخية للمدينة، فهم 30 مليون رحلة تتم للمدينة سنويا عبر كافة وسائل المواصلات، ونحو 3 ملايين زائر للمدينة يوميا، وهو ما يسبب ضغطا علي كل مرافقها، بجانب تغيرات المناخ والاقتصاد، وأول مشروع قامت به الحكومة وعلي وشك الانتهاء منه كان تطوير البنية التحتية وشبكات الصرف الصحي تحت نهر التيمس يتكلف نحو 4 مليارات و500 جنيه إسترليني بطول 25 كم، وهو يجمع المخلفات للحفاظ علي نظافة البيئة مع الاستفادة من تكنولوجيا الاستدامة بتحويلها لمصادر كافة، بجانب مشروع النقل الذكي عبر ربط شرق لندن مع غربها عن طريق قطار كهربائي صديق للبيئة، وهو يسير لمسافة 100 كم منها 37 كم نفق تحت مدينة لندن وبالتحديد المركز المالي، وهو ما ساهم في خفض الفترة الزمنية لهذه الرحلات عادة لأكثر من النصف، بجانب تطوير شبكات الطاقة النظيفة للصناعة، وكذلك تطوير شبكة المعلومات ورفع كفاءتها باستخدام الذكاء الاصطناعي، مع تطوير شبكات تكنولوجية لسهولة المرور .. خاصة أن التعطل في شبكات المرور كان يكلف نحو 5 مليارات جنيه إسترليني سنويا، بجانب مشروعات أخرى تشمل التوسع السكني والإداري في مناطق خارج العاصمة والتي تحيط بها، مع توصيلها بقلب لندن بمواصلات سريعة وسهلة، وكل ذلك يتم بالمحافظة علي التراث والمباني والمتاحف والشوارع القديمة عبر زيادة كفاءتها وأجهزة التحكم الذاتي، وكل ما سبق نعم يمكن تطبيقه في القاهرة بوضع خطة استراتيجية تحدد الأولويات في حدود الميزانية المتاحة.   

الذكاء الاصطناعى أصبح سائدا فى مجال البناء والتشييد، هل سيؤدى الاعتماد على الروبوتات بشكل كبير إلى التخلى عن العمالة البشرية ؟  

بالفعل الذكاء الاصطناعي أحدث ثورة كبيرة في كل المجالات مثل الصحة والتصنيع والتعليم وغيرها، وفي مجال الانشاءات هناك طفرة لاستخدام الروبوتات، ولدينا معمل في الجامعة بهذا المجال مما يزيد الدقة ويقلل التكاليف، وبالفعل هذا يقلل نسبة العمالة، وهذا واقع ومستقبل صعب تجاهله.

شاركت ضمن مجموعة عمل بريطانية مسئولة عن وضع الخطط للحكومات، ورأت فى تقريرها أنه توفيرا للمهارات المطلوبة يحب أن يقضى الطالب الجامعى ٢٠% من وقته فى الجامعة و٨٠% من وقته فى الشركات والمصانع، هل يمكن تطبيقه فى مصر؟ 

بالفعل كان لي الشرف في تطوير خطة لها أهمية استراتيجية لتطوير المهارات المطلوبة في الصناعة عبر خطة شاملة، وبالفعل النظام يتطلب أن يقضي الطالب معظم وقته التعليمي في الدراسة العملية لتطبيق ما درسه، كما يتقاضي راتبا من هذه الشركات والمصانع، ولذلك نحن نسمي هذا النظام learn and earn أي ادرس واكسب، وهو سد عجزا كبيرا في الصناعة، وهذا النظام يجب تطبيقه في مصر علي مستوي كبير، خاصة مع تطورات الصناعة وشبكة الطرق، والتصنيع هو كلمة السر في التنمية والازدهار سواء لسد الاحتياجات المحلية أو لجذب الاستثمارات والعملة الأجنبية، بجانب توفير فرص عمل كثيرة ذات كفاءة، وحاليا نقوم بمشروع لإعادة تأهيل خريجين يحملون شهادات في تخصصات أصبحت غير مطلوبة لكي يدرسوا ويعملوا في تخصصات مختلفة لها الأولوية في المستقبل.     

من خلال عملك فى وضع خطط تطوير شركات سيارات عالمية، قلت إننا لابد أن نبدأ فى مصر فى صناعة جزء  من السيارة، مرسيدس مثلا لا تصنع كل شىء، فى رأيك، ما الصعوبات التى تؤخر ذلك؟ 

شركة فورد الأمريكية لا تقوم بتصنيع كل مكونات السيارات الخاصة مثلها مثلما يعتقد البعض، لكن هناك جهات كثيرة تقوم بذلك حسب مواصفات دقيقة تضعها الشركة، وهذه الشركات بها نسبة عمالة كبيرة، ولا يوجد عائق في مصر لاتباع هذه المنظومة عبر تطوير البحث العلمي في هذا المجال، علي سبيل المثال .. مركز بحوث شركة مرسيدس في أوروبا تصل ميزانيته لأكثر من 4 مليارات يورو، ومصر لا ينقصها شيء للدخول في هذا المجال .

حاليا أنت مدير لجامعة ايست لندن، ما شعورك وأنت المصرى الأول الذى يشغل هذا المنصب؟

كان توفيقا من الله أولا وأخيرا، وأكيد سعادتي كبيرة بهذه المسئولية، وهذا ليس بجديد علي مصر لأن أبناءها متواجدون في كل المناصب العلمية المرموقة عالميا، والحمد لله تم اختياري منذ سنوات ضمن ٣٠ شخصية في إنجلترا ضمن لجنة لتقييم ١٥٠ جامعة بريطانية، وجاء ذلك تقديرا لدوري في تطوير البحث العلمي، بجانب الدور القيادي في إدارة جامعة يدرس بها 40 ألف طالب من 160 جنسية مختلفة، بجانب المشاركة في استراتيجيات تطوير منظومة التعليم في بريطانيا والإمارات.  

بمناسبة تطوير منظومة التعليم .. ما الاستراتيجية الأفضل فى رأيك لتطبيقها فى مصر؟

الحقيقة تطوير التعليم يتطلب عدة ركائز في مقدمتها تطوير طرق التعليم نفسها، وكذلك التدريس التطبيقي الذي يساعد علي تنمية الفكر والبحث والابتكار ووضع حلول للمشاكل، بجانب تطوير آليات التدريس في عصر التطور التكنولوجي والرقمنة، وأيضا التكنولوجيا التفاعلية والتحليلية في البحث العلمي، هذه أمور مهمة لتطوير إنسان مصري قادر علي صناعة المستقبل، كذلك لابد من ربط التعليم بالمجتمع ليصبح له دور فعال في تطويره، مع تدريب الأساتذة الدائم علي كل ما سبق، وتوفير بيئة تعليمية متطورة، مع قياس أداء المؤسسات التعليمية حسب المعايير المتعارف عليها في الدول المتقدمة لأن ذلك يساعد علي المنافسة ورفع الجودة  

أخيرا، مؤكد من اللحظات المميزة فى مسيرتك حديثك عن مصر مع ملك بريطانيا، كيف ترى الدور الذى يقوم به العلماء المصريون فى الخارج باعتبارهم القوة الناعمة وثروة مصرية يجب الاستفادة منها ؟

لقائي مع الملك تشارلز كان شيقا بالفعل، فقد دعوته لزيارة الجامعة لافتتاح مستشفي تدريبي مجهز بأحدث التقنيات الحديثة في التشخيص والعلاج عبر الذكاء الاصطناعي، وكانت هذه أول زيارة رسمية يقوم بها الملك فور توليه عرش المملكة المتحدة، وبعد جولته بالمستشفي دار بيني وبينه حديث أعرب فيه عن سعادته بما شاهده وقال لي: "كيف قمت بهذا الإنجاز العظيم؟".. فقلت له: "أنا مصري.. والمصري عندما يضع هدفا يعمل مع فريق العمل علي تحقيقه بكفاءة"، فكان سعيدا بهذه الإجابة وقال لي: إنه زار مصر وقضي بها أجمل أوقات حياته، فطلبت منه زيارتها قريبا، ونحن كسفراء لمصر بالخارج ننتهز كل فرصة لكي نؤكد أننا مصريون بكل فخر واعتزاز .. وكل المصريين الذين يعملون بمراكز مرموقة في الخارج مصر في قلوبهم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: