«بيلزمان» عراب مخطط تهجير أهل غزة.. قراءة تحليلية في مشروع «ريفييرا» الشرق الأوسط

27-2-2025 | 16:00
;بيلزمان; عراب مخطط تهجير أهل غزة قراءة تحليلية في مشروع ;ريفييرا; الشرق الأوسطجوزيف بيلزمان - أستاذ الاقتصاد بجامعة جورج واشنطن - الزميل محمد الطماوي
محمد الطماوي
الأهرام العربي نقلاً عن

برز البروفيسور جوزيف بيلزمان - Joseph Pelzman - في الآونة الأخيرة كأحد الشخصيات المؤثرة في صياغة السياسات الاقتصادية المتعلقة بالشرق الأوسط، تُعزى إليه خطة جريئة لإعادة إعمار قطاع غزة، والتي تبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتقوم على تهجير سكان القطاع وتحويله إلى منطقة اقتصادية مزدهرة، يستعرض هذا التحليل سيرة بيلزمان، تفاصيل خطته، وتداعياتها المحتملة.

جوزيف بيلزمان لمن لا يعرفه هو أستاذ الاقتصاد والعلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن، ورئيس مركز التميز لدراسة اقتصاد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (CEESMENA)، يُعرف باهتمامه البحثي بالاقتصادات الانتقالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا، نشر العديد من الأبحاث والدراسات التي تركز على التنمية الاقتصادية وإعادة الإعمار في مناطق النزاع.


نشر بيلزمان دراسة بعنوان خطة اقتصادية لإعادة بناء غزة

في عام 2024، نشر بيلزمان دراسة بعنوان "خطة اقتصادية لإعادة بناء غزة: نهج BOT"، حيث اقترح نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص (Build-Operate-Transfer) كآلية لتمويل وإدارة مشاريع إعادة الإعمار في غزة - An Economic Plan for Rebuilding Gaza: A BOT Approach-، تهدف الخطة إلى تحويل غزة إلى مركز اقتصادي مزدهر من خلال تطوير البنية التحتية وتعزيز القطاعات الحيوية.

تم الكشف عن تفاصيل هذه الدراسة لأول مرة في أغسطس 2024، خلال مقابلة أجراها بيلزمان مع المؤرخ الإسرائيلي الدكتور كوبي باردا في بودكاست بعنوان "أمريكا، بيبي!"


مقابلة أجراها بيلزمان مع المؤرخ الإسرائيلي كوبي باردا

في هذه المقابلة، أوضح بيلزمان أن الهدف من دراسته هو تقديم منظور "خارج الصندوق" لإعادة إعمار غزة بعد انتهاء الحرب، مشيرًا إلى أن الدمار الواسع في القطاع يجعل من الصعب إصلاحه بالوسائل التقليدية، وبالتالي يقترح البدء من الصفر.

وتستند رؤية بيلزمان الاقتصادية للقطاع على ثلاثة قطاعات رئيسية: السياحة، الزراعة، وقطاع التكنولوجيا، وتشمل خطة بيلزمان إخلاء القطاع بالكامل، مع إعادة تدوير الخرسانة لاستخدامها لاحقًا، وعدم بقاء أي بناء عمودي أو منشآت تحت الأرض مثل أنفاق حماس. وستعتمد غزة في خطته على الطاقة الشمسية، مع وجود نظام سكك حديدية وموانئ جوية وبحرية، بحيث تصبح مستقلة عن إسرائيل في احتياجاتها من الطاقة.

ويقدر بيلزمان أن تكلفة إعادة إعمار غزة ستتراوح بين 1 إلى 2 تريليون دولار، على أن يستغرق إتمامها من 5 إلى 10 سنوات، ويتصور بيلزمان وجود مطاعم وفنادق ومرافق فاخرة على الجانب الغربي من القطاع المطل على البحر، بالإضافة إلى مبان سكنية من 30 طابقًا على الجانب الشرقي، ومناطق زراعية ودفيئات في وسط القطاع.

وفيما يخص النظام المالي بعد الإعمار، يرى بيلزمان أنه لا حاجة للسيطرة المالية التقليدية أو استخدام المال الورقي، حيث سيتم استخدام شبكة إلكترونية للتبادل المالي تكون جزءًا من النظام الاقتصادي الذي يراقب تدفق الأموال من الخارج، وتشمل خطة بيلزمان أيضًا تركيزًا على التعليم، من خلال تطوير مناهج تهدف إلى محاربة التطرف، مع الاستفادة من تجارب بعض الدول في برامجها التعليمية للمراحل المختلفة.

ورغم محاولاته تقديم الخطة باعتبارها "نهجًا اقتصاديًا مبتكرًا"، إلا أنها تكشف عن إشكاليات جوهرية تتعلق بالهوية الوطنية، والانتهاكات القانونية، والتبعات الجيوسياسية الخطيرة التي قد تنجم عنها، فبعد تحليل دقيق لخطة بيلزمان، بات من السهل كشف ثغراتها وإفشالها، ليصبح مخطط تهجير أهل غزة المعروف بـ 'ريفييرا الشرق الأوسط' في مهب الريح، ومنها الآتي:

خلفية اقتصادية أم غطاء لمشروع تهجير؟

    تبدو خطة بيلزمان في ظاهرها وكأنها مبادرة لإعادة إعمار غزة من منظور اقتصادي يعتمد على نموذجBOT (Build-Operate-Transfer)، وهو مفهوم شائع في تمويل البنى التحتية، لكنه هنا يستخدم كأداة لإخفاء سياسة تهجير ممنهجة، فبينما يطرح بيلزمان تطوير قطاعات السياحة والزراعة والتكنولوجيا، فإنه يربط ذلك بإخلاء القطاع بالكامل، مما يعني محو الوجود الفلسطيني من غزة لصالح نموذج استثماري يخدم قوى خارجية.

إذا نظرنا إلى تجارب تاريخية مماثلة، نجد أن تبرير "إعادة الإعمار" كمقدمة لتهجير السكان ليس جديدًا، بل تم استخدامه في سياسات استعمارية سابقة، حيث كانت الحجة الاقتصادية وسيلة لإضفاء شرعية على إزاحة السكان الأصليين، وهنا، يعيد بيلزمان استخدام الخطاب نفسه، لكن بغطاء أكاديمي واقتصادي حديث.

الكلفة المالية الضخمة: هل هي واقعية أم دعاية؟

قدّر بيلزمان تكلفة المشروع بين 1 إلى 2 تريليون دولار، وهو رقم ضخم للغاية، في حين تقدر الأمم المتحدة التكلفة بـ 54 مليار دولار، خاصة في ظل الواقع السياسي والاقتصادي الحالي، فمن سيمول هذه الخطة؟ وهل يوجد مستثمرون مستعدون لضخ هذا الحجم من الأموال في مشروع يعتمد على محو مدينة بأكملها من الوجود؟

إذا كان الهدف تحويل غزة إلى مركز اقتصادي مستقل، فمن غير المنطقي أن يتم ذلك عبر تدميرها بالكامل أولًا، لا سيما أن العديد من الدول تمكنت من تحقيق نهضة اقتصادية دون الحاجة إلى مسح هويتها التاريخية والسكانية.

الأبعاد القانونية والأخلاقية: انتهاك صارخ للقانون الدولي

وفقًا للقانون الدولي، فإن التهجير القسري يعد جريمة حرب، وهو ما يجعل خطة بيلزمان غير قابلة للتطبيق من منظور قانوني، فإخلاء قطاع غزة بالقوة أو عبر أي وسائل ضغط اقتصادي أو سياسي سيكون بمثابة انتهاك لاتفاقيات جنيف ومواثيق حقوق الإنسان.

الأخطر من ذلك، أن الخطة تهدف إلى إزالة كل أثر للفلسطينيين من القطاع، وهو ما يمكن تصنيفه ضمن سياسات "التطهير العرقي"، التي سبق أن أثارت إدانات دولية في حالات أخرى عبر التاريخ.

التأثير الجيوسياسي: هل يمكن أن تقبل الدول الإقليمية بهذه الخطة؟

من الناحية السياسية، لن تمر الخطة دون رد فعل عربي ودولي قوي، خاصة من دول الجوار الفلسطيني مثل مصر والأردن، التي تدرك أن تنفيذ مثل هذه السياسات قد يؤدي إلى توترات إقليمية واسعة.

علاوة على ذلك، فإن تهجير سكان غزة يطرح تساؤلات حول مصيرهم: هل سيتم توطينهم في الضفة الغربية؟ أم سيتم توزيعهم على دول أخرى؟ وما الضمانات التي تحول دون تحويلهم إلى لاجئين دائمين بلا حقوق واضحة؟.

استغلال خطاب "مكافحة التطرف"

جزء من طرح بيلزمان يعتمد على ضرورة "إصلاح التعليم" في غزة للقضاء على التطرف، وهي حجة تتكرر في السياسات الغربية عند التعامل مع المناطق المتأثرة بالصراعات، لكن هذا الخطاب غالبًا ما يكون مدخلًا لإعادة تشكيل الهويات الثقافية والوطنية لصالح سياسات الهيمنة، مما يثير الشكوك حول نوايا الخطة الحقيقية.

خطة مرفوضة اقتصاديًا وسياسيًا وأخلاقيًا

بناءً على ما سبق، يمكن القول إن خطة بيلزمان ليست سوى غطاء اقتصادي لمشروع تهجير قسري يفتقد إلى أي مشروعية قانونية أو أخلاقية، كما أن التكاليف الضخمة المطروحة تجعلها غير واقعية، فضلًا عن التداعيات الجيوسياسية الكارثية التي قد تنجم عنها.

إذا كان الهدف حقًا هو تحسين الأوضاع الاقتصادية في غزة، فهناك حلول أكثر عدالة وإنصافًا وهو تبني خطة مصر لإعادة الاعمار، تبدأ برفع الحصار المفروض على القطاع، وتمكين الفلسطينيين من إدارة اقتصادهم بحرية، بدلًا من اقتراح مشاريع تهجير تحت مسميات تنموية زائفة.

دور مصر في إفشال الخطة

ولطالما كانت مصر لاعبًا رئيسيًا في القضية الفلسطينية، وبرزت بقوة في التصدي للمخططات التي تستهدف تهجير سكان غزة أو تصفية القضية الفلسطينية تحت أي غطاء، وقد أظهر الرئيس عبد الفتاح السيسي موقفًا حاسمًا ونافذًا في مواجهة خطة بيلزمان التي يرعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ أكد مرارًا رفض مصر القاطع لأي محاولة لفرض واقع جديد في القطاع عبر التهجير القسري، مشددًا على أن الأمن القومي المصري مرتبط بشكل وثيق باستقرار غزة وبقاء أهلها في أراضيهم.

وقد لعبت الدبلوماسية المصرية دورًا محوريًا في إحباط المشروع، من خلال تحركاتها الإقليمية والدولية، وإيصال رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن هذه الخطة لن تمر، وأن أي محاولة لفرضها ستُواجه بموقف مصري صارم، كما عززت القاهرة جهودها في ملف التهدئة وإعادة الإعمار بطريقة تحفظ حقوق الفلسطينيين، بعيدًا عن المشاريع المشبوهة التي تهدف إلى تغيير هوية القطاع وتفريغه من سكانه.

لقد أثبتت مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي أنها الحصن المنيع أمام أي مخطط يستهدف طمس الهوية الفلسطينية أو تهديد الاستقرار الإقليمي، لتبقى القضية الفلسطينية في صميم أولويات الدولة المصرية، بعيدًا عن أي تسويات مفروضة بالقوة أو استراتيجيات تهجير مغلفة بشعارات اقتصادية زائفة.


ويتصور بيلزمان وجود مطاعم وفنادق ومرافق فاخرة على الجانب الغربي من القطاع المطل على البحر

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: