بعد أن توقفت حرب طوفان الأقصى، وبدأ الفريقان في تنفيذ شروط وقف إطلاق النار، وتبادل المحتجزين والمعتقلين من الجانبين، رأينا أمورًا عجب العجاب، فضلًا عن أن هؤلاء قوم مُطَّلٌّ (بنو صهيون)، يماطلون ويُسوِّفون ويضعون العراقيل بغرض إفشال هذا الاتفاق.
إلا أننا عندما ننظر إلى شاشات التلفاز التي تبث وقائع تسليم المحتجزين في غزة لإدارة الصليب الأحمر، وعندما نرى حال هؤلاء الأسرى في أبهى صورة من أناقة الملبس، وتمام الصحة، وراحة النفس والطمأنينة، وكأنهم يقولون للعالم: انظروا إلينا وشاهدوا ما فعله معنا رجال المقاومة من حسن وفادة وحسن استقبال، وكأن لسان حالهم يقول: دعونا ها هنا لا نريد أن نعود سيرتنا الأولى. أليس تقبيل الرؤوس خير دليل وخير شاهد على حسن المعاملة؟
حتى الأسرى الذين قتلتهم آلة الحرب الصهيونية الغادرة التي لا تفرق في القتل بين صغير أو كبير، رجل أو امرأة. عندما حان وقت تسليمهم لذويهم عبر الصليب الأحمر، أكرمهم رجال المقاومة، فكفنوهم ووضعوهم في توابيت إكرامًا لآدميتهم في مشهد مهيب.
وكأنهم يقولون للعالم ولجميع منظمات حقوق الإنسان التي تعاملت معهم ومع قضيتهم بازدواجية معايير وكيل بمكاييل وقسمة ضيزى باطلة، كأنهم يقولون لهم: ها نحن نعطيكم دروسًا في الإنسانية وفي إكرام الإنسان بما هو كذلك، فنحن نعامل الإنسانية ممثلة في شخوصنا.
فما لا نرضاه لأنفسنا لا نرضاه للآخرين حتى وإن كانوا على غير ديننا، هكذا علمنا ديننا الإسلامي الحنيف، كيفية معاملة الأسرى وعدم الإسخان والإمعان في تعذيبهم وقتلهم.
والشيء بالشيء يُذكر، رأينا بأم أعيننا على شاشات التلفاز وما خفي كان أعظم، رأينا على الجانب الآخر، الجانب الصهيوني، الخسة والنذالة في أبشع صورها في معاملة المعتقلين الفلسطينيين لا فرق بين شيخ أو شاب، رجل أو امرأة، رأينا أبشع صور التنكيل بهم من سحل وضرب وجلد، فمن مات فهو شهيد ومن خرج من بين أيديهم خرج بعاهات مستديمة أو بأمراض نفسية نتيجة هول ما تعرض له.
ليس هذا فحسب، بل شاهدنا من تغيرت ملامحهم تمامًا، فخرجوا كأنهم هياكل عظمية، حتى ذويهم لم يستطيعوا التعرف عليهم.
نعم شاهدنا هؤلاء الغدرة وهم يجرفون الجثث، جثث الشهداء وهم يدفنونهم في التراب بواسطة الجرافات، لا احترام لآدمية أحد، طريقة دفن إن دلت على شيء فإنما تدل على همجية هؤلاء وبربريتهم ونازيتهم، وشناعاتهم التي فاقت همجية المغول والتتار.
وللأسف الشديد، وكالمعتاد المنظمات الحقوقية الدولية عَمِيتْ أبصارها، وصَمَّتْ آذانها، وخرست ألسنتها، حتى وإن تحدث صوت أو صوتات تقوم القيامة عليه، إما بالسب أو الطرد من القاعات. نعم إنه حكم الجاهلية الأولى بل فاق ذلك وزاد.
إن ازدواجية المعايير الدولية في ملف حقوق الإنسان في التعامل مع قضايانا العربية والإسلامية، وأهمها القضية الفلسطينية يستوجب وقفات ووقفات من دولنا العربية التي تمثل شعوبنا في هذه المنظمات، فلا ينبغي الشجب والإدانة فقط، بل بالمقاطعة واتخاذ إجراءات حازمة ضد هذه المنظمات الدولية التي تكيل بمكيالين.
ورأينا ذلك أيضًا فعندما اتخذت مصر قرارها بعدم تهجير أهل غزة وإعداد خطة لإعمارها، ماذا فعل العرب جميعهم؟ وقفوا مع مصر، وعندما رأى العالم هذه الوقفة القوية، وعندما رأوا هذا الرفض القاطع، أيدونا لماذا؟! لا حبًا لنا ولأهل غزة، وإنما خوفًا على مصالحهم في مصر والشرق الأوسط. رأينا تراجع هذا الترامب عن مخططه الشيطاني. فلماذا أيها العرب لا نكون دومًا على قلب رجل واحد فنحن قوة لا يستهان بها فإذا ما اتحدنا فسيحسب لنا الجميع مليون حساب.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان