في العصر الرقمي الراهن، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة محورية في العديد من المجالات، من بينها الحروب، حيث يُستخدم في تحليل البيانات، توجيه الأسلحة، وتصميم إستراتيجيات الهجوم. ومع تطور هذه التقنيات، أصبحت المخاوف بشأن استخدامها في الأغراض العسكرية تزداد بشكل كبير، خاصة عندما يتم استهداف المدنيين مثلما حدث في حرب الإبادة الجماعية التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة وأسفرت عن استشهاد أكثر من 48 ألفًا وإصابة 112 ألفًا منذ أكتوبر 2023. وما يثير القلق بشكل خاص هو الدعم الذي قدمته بعض شركات التكنولوجيا الكبرى لجيش الاحتلال، من خلال تزويد إسرائيل بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما عزز من قوة هجماتها الوحشية.
تقارير إعلامية كاشفة
وفقا لتقارير موسعة نشرتها وسائل إعلام أمريكية وبريطانية مثل واشنطن بوست وأسوشيتد برس والجارديان، فإن شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة ساعدت إسرائيل في تعقب وقتل المزيد بسرعة أكبر في غزة ولبنان بشكل غير معلن من خلال ارتفاع حاد في خدمات الذكاء الاصطناعي والحوسبة، ما أدى ارتفاع أعداد القتلى بين المدنيين الأبرياء.
واعتمد جيش الاحتلال الإسرائيلي الذكاء الاصطناعي لفلترة كميات ضخمة من المعلومات الاستخباراتية والاتصالات التي تم اعتراضها، والمراقبة للعثور على الكلام أو السلوك البشري ومعرفة تحركات الأفراد. وتشير التقارير إلى أنه بعد عملية طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، زاد استخدام جيش الاحتلال لتكنولوجيا مايكروسوفت وOpenAI بشكل كبير.
كما زودت شركة جوجل جيش الاحتلال الإسرائيلي بأحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي منذ الأسابيع الأولى للعدوان على غزة.
الذكاء الاصطناعي والحروب الحديثة
في الحروب المعاصرة، يُستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد في تحديد الأهداف وتنفيذ الهجمات بواسطة أنظمة الطائرات بدون طيار (الدرونز) والأسلحة الذكية. هذه التقنيات قد تكون مفيدة في تقليل الخسائر البشرية على الجبهة، لكنها في الوقت نفسه تحمل تهديدات كبيرة للأبرياء، إذ قد لا تتمكن هذه الأنظمة من التفريق بين الأهداف العسكرية والمدنية بشكل دقيق.
في حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على غزة، استُخدم الذكاء الاصطناعي بشكل موسع، حيث كانت الطائرات المسيرة والأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي تستهدف المدنيين والمناطق السكنية، مما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف من الأبرياء وتدمير البنية التحتية بشكل عدواني سافر. يضاف إلى ذلك أن هذه الهجمات لم تكن دقيقة في العديد من الأحيان، مما يعكس فشل هذه الأنظمة في اتخاذ قرارات صحيحة في ظل الظروف المعقدة.
مساهمة شركات التكنولوجيا في تأجيج الحروب
ما يزيد من تعقيد هذه القضية هو الدور الذي لعبته بعض شركات التكنولوجيا الكبرى في دعم العدوان الإسرائيلي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. إذ قامت العديد من الشركات التي تتمتع بتقنيات متطورة بتزويد القوات الإسرائيلية بالأدوات التكنولوجية التي تستخدم في الحروب. فعلى سبيل المثال استخدمت القوات الإسرائيلية بجميع تشكيلاتها الجوية والبرية والبحرية منتجات مايكروسوفت خلال العدوان، بل إن وزارة دفاع الكيان الصهيوني كلفت مايكروسوفت بالعمل في مشاريع حساسة وسرية للغاية.
الدعم الذي قدمته بعض شركات التكنولوجيا لجيش الاحتلال، هو سابقة جديدة في الحروب والصراعات المسلحة، ويثير تساؤلات حول مسئولياتها الأخلاقية.
إن سماح هذه الشركات لاستخدام تقنياتها في الحرب ضد المدنيين العُزل يثير القلق، ويُعتبر تواطؤًا بل ومُشاركةً مباشرة في قتل الأبرياء وتدمير قطاع غزة بأكمله.
بما أن هذه الشركات تعتبر القوى الرائدة في مجال التكنولوجيا، كان ينبغي أن تتحمل مسئولياتها الأخلاقية وترفض تقديم الدعم لهذا النظام الصهيوني.
كما تثير نتائج التحقيقات التي أجرتها وسائل الإعلام تساؤلات حول دور وادي السيليكون في مستقبل الحروب الآلية، وسط توقعات أن تنمو شراكة كبريات شركات التكنولوجيا مع الجيش الإسرائيلي.
ضرورة المساءلة الدولية
للحد من هذه الجرائم، يجب أن يتم تحديد أطر قانونية وتشريعية لضبط استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب. وينبغي على المجتمع الدولي وضع قوانين صارمة تمنع الشركات التكنولوجية من تزويد الأنظمة الاستيطانية بهذه الأدوات التدميرية. يجب أن تكون هذه الشركات مسئولة عن تبعات منتجاتها، وضمان عدم استخدامها في الأعمال الحربية ضد المدنيين.
إن التقدم التكنولوجي، وعلى رأسه الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية في العديد من المجالات، لكنه أصبح سيفًا ذا حدين عندما يُستخدم في الحروب ضد الأبرياء. وفي النهاية، يتعين على المجتمع الدولي، والشركات الكبرى، والمسئولين الحكوميين، ضمان أن تظل التكنولوجيا أداة للبناء لا الهدم، وأن تُستخدم لتحقيق السلام، لا تدمير الأرواح.