مئوية كلية العلوم

25-2-2025 | 12:32

في مثل هذه الأيام قبل 100 سنة، أعلنت كلية العلوم عن وجودها في الساحة العلمية بالجامعة المصرية، والتي أصبحت حكومية عام 1925 وليست أهلية كما كانت عند إنشائها عام 1908. 

كان إنشاء كلية العلوم يعني الرغبة في النهوض العلمي، وتخصيص العلم الأساسي في كلية مستقلة له، وأن ينفك الرباط مع مدرسة المهندسخانة التطبيقية، والتي كانت تضم الأقسام العلمية من الفيزياء والكيمياء إلى الرياضيات والفلك وغيرها.

كانت البداية بأعداد قليلة من الأساتذة المصريين وكثرة من الأساتذة الأجانب، لذلك كان طبيعياً أن يكون أول عميد لها أجنبياً. وفي عام 1936، وصل د.علي مصطفى مشرفة إلى منصب العمادة بالانتخاب، وكان حدثاً عظيماً وقتها في كلية العلوم، وتولى المنصب خمس مراتٍ بالانتخاب حتى أصبح وكيلاً للجامعة. 

فالدكتور مشرفة هو أول مصري اشترك في أبحاث نظرية النسبية والتطبيقات الرياضية لها، ووصفه أينشتاين بأنه أبرز العلماء في العالم في الفيزياء الرياضية والذرة. كان له الفضل في دعم تعيين المرأة معيدة بالكلية والجامعة، فقد وقف بجانب حق سميرة موسى الأولى على دفعتها في التعيين بالكلية رغم رفض الأجانب لذلك! كان الثاني بعد د. مشرفة هو د.حسن أفلاطون مؤسس قسم الحشرات بالكلية وأول أستاذ كرسي له، وكذلك أسس متحفها الثمين. د.حسن أفلاطون "أبوالبنات" فابنته هي الفنانة التشكيلية العظيمة إنجي أفلاطون، وكان يعتبر الاقتصادي د.إسماعيل صبري عبدالله زوج ابنته الأخرى هو الابن له. ومن الطريف أن لقب أفلاطون أطلق على جده من زملائه لكثرة أسئلة الطالب النابغة، فاعتمده محمد علي اسماً رسمياً له وقال، كما يقول د.حامد عيد، لا مانع أن يكون لدينا أفلاطون!

والثالث هو العلامة د.أحمد زكي، فهو بجانب أنه أسس أكاديمية البحث العلمي ووضع أساس المركز القومي للبحوث، ولكن في أحوال الصحافة فهو كان من سادة القلاع بها، ومن يدخل مجلة الهلال بمؤسسة دار الهلال سيجد له صورة كبيرة كرئيس تحرير لمدة أربع سنوات، فهو من المجددين لها، ثم انتقل ليؤسس مجلة العربي الكويتية أحد أهم المجلات الثقافية العربية.

أما الشخصية الرابعة فهو د. أحمد رياض ترك، وهو أحد المصريين قبل د. زويل الذي يترشح رسمياً، وفق موقع الجائزة، لنيل نوبل في الكيمياء عام 1967 ولم يحصل عليها؟!

أجيال عديدة وأسر كاملة كانت تجتمع يوم الجمعة لتستمتع ببرنامج عالم البحار الذي كان يقدمه العلامة د.حامد جوهر، بالتليفزيون المصري، كان برنامجاً علمياً، ولكن بلغة وصور جاذبة لكل الأعمار، أسسه العالم الجليل بقسم الحيوان وتدين له كل متاحف الأحياء البحرية بمصر بالفضل، فهو المؤسس الأول لها.

ومنذ شهور قليلة للغاية، احتفل قسم الرياضيات بأحد عظماء هذا العلم ليس على مستوى مصر بل والعالم، وهو د.عطية عاشور بمناسبة مئوية الميلاد، وقد كان لي حظ الحوار معه، وقد أسس د.عطية العديد من الأكاديميات الرياضية وله إسهامات كبيرة في علم الجبر، وكان تلميذاً لأحد أعظم أساتذة الرياضيات مع د. مصطفى مشرفة، وهو العالم د.محمد مرسي أحمد الذي ألف كتاباً هاماً عن الخوارزمي وعُيِّن عميداً للكلية في الخمسينات ثم رئيساً للجامعة.

أصبحت كلمة "كوب" أو المؤتمر الأممي العالمي للبيئة يرددها الكثير خاصة بعدما عُقِدَ مؤتمرها الأسبق في مصر، ولكن لا يعرف الكثيرون أن علماء الكلية هم من مؤسسي هذا العلم والمؤتمر وعلى رأسهم د.مصطفى كمال طلبة الذي يعود له الفضل في إدخال كلمة الدبلوماسية البيئية في عالم السياسة الدولية مع زميله أو الثنائي له د. محمد القصاص أول من أدخل لفظ التصحر في نادي البيئة المصري والعربي.

حينما يُذكر العلم النووي والفيزياء النووية يُذكر اسم د.محمد النادي، فبعد تخرجه بالأربعينيات من القرن الماضي حصل على الدكتوراه في الفيزياء النووية لذلك ساهم في تأسيس هيئة الطاقة النووية، وعمل بها وكان الرئيس عبدالناصر يهتم بهذا العلم تحديداً وعلماؤه خاصة بعدما نشر الدكتور النادي أبحاثاً مهمة بمجلة نيتشر العالمية، يعتبر الدكتور محمد النادي صاحب الفضل في نشر تخصص الفيزياء النووية بالجامعات المصرية، وإرسال البعثات للخارج في هذا التخصص وربما تكون د.سميرة موسى والتي توفيت شابة في حادث غامض أوائل الخمسينيات بأمريكا من أوائل من عمل بالتخصص والاهتمام بالفيزياء النووية والذرة وتأسيس أبحاث لاستخدامات الطاقة الذرية سلمياً، ولكن المفارقة أن البعض من أساتذة العلوم أو الفيزياء لا يحب الحديث عنها أو نسب إنجاز لها إن وُجِدَ كما يقولون؟ ويتناسون أنها توفيت شابة، وأنها تفوقت لتحصل على الترتيب الأول بكلية العلوم، ويتم تعيينها رغم أنف الأساتذة الرجال الأجانب والمصريين؟ فهل هذا يمثل موقفاً ذكورياً كما يحدث دائماً عند الحديث عنها أو عن إنجازات المرأة بكلية العلوم على قلتها؛ ولذلك لا نجد منهن أسماء للعمادة.

ولأننا في معية المرأة، فنذكر جهود د.لطيفة النادي مؤسسة معهد علوم الليزر بالكلية، ومن قدمت د.أحمد زويل للأوساط العلمية في مصر في نهاية الثمانينيات ثم العظيمة د.رشيدة الزيدي أول من فازت بجائزة علمية من السيدات من اليونسكو ولوريال، وقد حاورتها في معملها بالكلية قبل سنوات.

لم يشغل العلم الدقيق علماء كلية العلوم عن الاهتمام بالقضايا الوطنية، فقد كان للدكتور مشرفة مواقف وطنية وسياسية، ود.رشدي سعيد الذي يطلق عليه البعض أبوالجيولوجيا وأبحاث النيل وكذلك، ود.عبدالعظيم أنيس وما تركه للثقافة وعلماء آخرون بوكالة ناسا والمراكز الأوروبية. 

ونتمنى من د.محمد سامي في مئوية الجامعة أن تزخر مداخل الكلية بصور عمدائها وعلمائها الكبار، وأن يدرس الطلاب الجدد تاريخ أساتذتها الذين ما زالت تسطع بهم سماء العلم في مصر والعالم منذ مئة عام.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة