درست صورة مصر لدى الأجانب في 81 دولة.. والانطباع الأول (شعب مرح جدا)
موضوعات مقترحة
أبرز الرموز: محمد صلاح في المقدمة يليه الرئيس عبدالناصر ونجيب محفوظ وعادل إمام
فقدت البصر في أولى ابتدائي بعد 28 عملية جراحية.. وكنت الأول طوال سنوات دراستي
الأهرامات أهم مقومات العلامة الوطنية للدولة والمرح أشهر صفات المصريين
حبي لكلية الإعلام نابع من عشقي للإذاعة المسموعة
وصفه الدكتور مصطفى الفقي في مقاله بصحيفة الأهرام بأنه باحث نابه استطاع أن يفتح آفاقا جديدة حول أسرار الكاريزما المصرية، مؤكدا أنه ينتمي لطراز طه حسين في الطموح والتحدي وحب العلم، حيث تجمعهما نفس الظروف وربما نفس الملامح، وإن اختلفت الطريقة.. إنه أحمد عبدالمنعم رحمة، المدرس المساعد بكلية الإعلام جامعة القاهرة، والذي نال مؤخرا درجة الماجستير عن رسالة علمية شديدة التميز، حيث سعى لقراءة انطباعات الأجانب من 81 دولة عن مصر والمصريين، وكانت النتائج مدهشة، فقد استطاع أن يقدم قراءة جديدة عن صورة مصر الذهنية في الخارج.. في السطور التالية التقينا الباحث المجتهد في حوار شامل حول سيرته الذاتية الملهمة.
دعنا نبدأ من سيرتك الذاتية.. ماذا تحمل بطاقة التعريف الخاصة بك؟
أنا من مواليد الثالث والعشرين من إبريل لعام 1994، بقرية شيبة النكارية مركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، وأنحدر من أسرة متوسطة الحال لأب كفيف كان يعمل بوزارة التربية والتعليم، وقد رحل عن عالمنا وأنا عمري 8 أعوام، وأم لم تكمل تعليمها، وأنا الابن الأوسط في إخوتي الخمسة، والحقيقة أن أثر والدتي عليّ كان وسيظل عظيما -فبالرغم من كونها لم تحصل على الشهادة الابتدائية- إلا أنها كانت تدفعني نحو التفوق والقمة في الدراسة والأنشطة المختلفة، وتكبدت من أجل ذلك العناء وصبرت وثابرت معي، وتحملت مشقة السفر يوميا من الزقازيق إلى القاهرة أثناء دراستي بكلية الإعلام، مما كان دافعا رئيسيا لي على الاستمرار في التفوق وتحمل مسئولية تحويل حلمها إلى حقيقة.
رحلتك مع كف البصر كيف بدأت؟ وإلى أي مدى كانت سببا رئيسيا في الإصرار على التفوق وتحقيق النجاح؟
والدي -رحمه الله-، كان كفيفا أيضا، وأنا أصبحت كفيفا عندما كنت في الصف الأول الابتدائي، حيث إنني ولدت مبصرا وطفلا طبيعيا مثل بقية الأطفال، لكن تعرض لحادث فقدت على إثره البصر، وما حدث أنني كنت ألعب مع مجموعة من الأطفال على الجسر في بلدتي، فسقط أحد الأطفال في بركة المياه، وتعرض للغرق، وكل الأطفال هربوا بسرعة من المكان، لكنني حاولت أن أنقذ هذا الطفل ولم يكن في استطاعتي أن أنزل إلى المياه، فبحثت عن أي شخص يقدم لهذا الطفل يد المساعدة، وبالصدفة وجدت رجلا شهما استجاب لاستغاثتي وحضر مسرعا وأنقذ الطفل، في هذه اللحظة وجدت رجلا ضخما يتعامل معي بعنف وضربني بشدة حتى تعرضت للإغماء، حيث ظن أنني ألقيت ابنه في الترعة، وعندما أفقت وجدت نفسي في المستشفى وأهلي من حولي لكن تعرضت شبكية العين لتهتك شديد من كثرة الضرب حتى أصبت بالجلوكوما، وأجريت في عيني 28 عملية جراحية لم يُقَدَّر لها جميعا النجاح. وهكذا أكملت حياتي كفيفا، وحولت لمدارس النور للمكفوفين، وظللت أحافظ على تفوقي العلمي، حتى أنني كنت الأول خلال سنوات الدراسة في الشهادة الإعدادية، وفي الثانوية كنت الأول على مستوى الجمهورية "مكفوفين" بمجموع 99%، وواصلت رحلة التفوق حتى أنني كنت الأول على قسم العلاقات العامة وعلى دفعتي بكلية الإعلام جامعة القاهرة. ## ##
لماذا فضلت الالتحاق بكلية الإعلام رغم أنه كان بإمكانك قبول منحة الجامعة الأمريكية كونك من أوائل الجمهورية وقتها؟
حبي لكلية الإعلام كان نابعا من حبي للإذاعة المسموعة، فمنذ طفولتي وأنا أعشق الاستماع لجهاز الراديو الذي أهدته لي والدتي، وأكثر الإذاعات المفضلة البرنامج العام وصوت العرب والشباب والرياضة، لكن أكثرها تفضيلا البرنامج الثقافي، حيث تربيت على المسرحيات الأجنبية المترجمة مثل مسرحيات تشارلز ديكنز ووليم شكسبير ودستوفيسكي، والحقيقة أنني من خلال هذه الأعمال كنت أبني صورا ذهنية عن الشعوب، وكان ذلك هو السر في اختيار موضوع رسالتي للماجستير، ومع الوقت الهواية تطورت إلى الكتاب الصوتي، فأنا أستمتع بقراءة كتب كبار الكتاب والمفكرين مثل يوسف إدريس ويحيى حقي ونجيب محفوظ وطه حسين ونبيل فاروق وغيرهم، لهذا فضلت كلية الإعلام لأن ميولي فكرية وأدبية. ورفضت منحة الـAUC حتى لا ألتحق بمناخ دراسي غريبا عن طباعي.
وصفك الدكتور مصطفى الفقي في مقاله بالأهرام بأنك باحث نابه يفتح آفاقا رحبة لمكونات الشخصية المصرية.. ما الذي دفعك لدراسة هذا المجال الخاص بالصورة الذهنية لمصر لدى شعوب الدول الأخرى؟
بالطبع أنا فخور بإشادة الدكتور مصطفى الفقي وحديثه الطيب حول رسالتي وإضاءاته العلمية أثناء مناقشته لي ضمن لجنة التحكيم على الرسالة، كما أنني فخور أيضا بجهود الأستاذ الدكتور سامي عبدالعزيز والأستاذة الدكتورة كاريمان فريد بقسم العلاقات العامة بالكلية. والحقيقة أنني عندما طرحت فكرة دراسة العلامة التجارية للدولة أو "البراند"، اندهش بعض الأساتذة من الفكرة، وكانت النتيجة أنني تأخرت 3 سنوات كاملة حتى أستطيع أن أقوم ببلورة الفكرة وإقناعهم بها. وقد رجعت لأكثر من 600 مرجع علمي للتأكيد على فكرة أن الدول لم يعد يتم التعامل معها على أنها إدارة سياسية واقتصادية فقط، وإنما كل دولة لها "براند" أو علامة وطنية تميزها عن غيرها، حيث تتشكل العلامة الوطنية للدولة من اللغة والتاريخ والدين والثقافة وغيرها من المكونات.
كيف استطعت أن تقرأ صورة مصر الذهنية لدى الشعوب الأجنبية؟ وكم دولة خضعت للبحث؟
دراستي استهدفت قياس وتحليل الصورة الذهنية للدولة المصرية بمختلف أبعادها المعرفية والحسية والعاطفية والقيمية وانعكاساتها على مكانة الوطن لدى الشعوب الأخرى، وكإجراء علمي ومنهجي قمت بتصميم نموذج استبيان ومقاييس اختبار دقيقة، وخاطبت الشعوب الأخرى في 81 دولة بقارات العالم المختلفة، وكانت أصعب قارة بالنسبة لي أمريكا اللاتينية، لكنني في النهاية تواصلت مع أشخاص مختلفين في هذه الدول بعد معاناة طويلة حتى حققت الهدف المطلوب.##
ما أبرز النتائج التي توصلت إليها بعد قياس وتحليل الصورة الذهنية لمصر لدى الأجانب؟
النتيجة العامة أن شعوب العالم لديها صورة إيجابية عن مصر، وقد قسمت هذه الصورة إلى صورة معرفية حيث يرى الأجانب مصر من خلال التراث والجمال الطبيعي والعادات والتقاليد والأزياء والمأكولات، وصورة عاطفية حيث يسيطر على الأجانب نظرات الإعجاب والحب والتقدير لمصر.
ما أبرز الرموز والشخصيات والأماكن التي تأتي في ذهن الشعوب الأخرى بمجرد ذكر اسم مصر وفقا لدراستك؟
الأهرامات أكثر ما يأتي في خيال الأجانب عندما نذكر اسم مصر، إلى جانب بعض الشخصيات المؤثرة، حيث جاء اللاعب محمد صلاح في المقدمة، يليه الزعيم جمال عبدالناصر ثم عادل إمام ونجيب محفوظ وطه حسين، أما أكثر المدن التي تحدثوا عنها فهي القاهرة وشرم الشيخ والأقصر وأسوان، ومن المعالم الشهيرة أبو الهول وأبو سمبل ومكتبة الإسكندرية وقصة الخروج.
ما السمات التي يراها الأجانب في الشعب المصري وفقا للاستبيان الذي أجريته؟
الأجانب يرون أن الشعب المصري يتميز بكاريزما أو جاذبية خاصة، وأكثر السمات المتداولة عنهم المرح، حيث ترى الشعوب الأخرى أن المصريين شعب مرح جدا، هذه النتيجة أكدها 84% من المشاركين، وهذا يتفق مع ما قاله المقريزي من أن الشعب المصري مرح بطبعه وقادر على أن يحول أي مأساة إلى ملهاة، واتفق معه جمال حمدان أيضا في تشريحه لشخصية مصر، أما عن بقية السمات فتمثلت في الود وكرم الضيافة.
ما مصدر تشكيل هذه الصورة الذهنية عن مصر والمصريين؟ وهل تختلف عن الصورة الإعلامية التي تشكلها وسائل الإعلام عن الدولة؟
الأصدقاء والمعارف والسوشيال ميديا ووسائل الإعلام الدولية أهم مصادر تشكيل الصورة لدى الأجانب عن مصر، والحقيقة أن الصورة الذهنية التي لدى الشعوب تختلف تماما عن الصورة الإعلامية التي لدى وسائل الإعلام الدولية سواء كانت صحفا أو قنوات أو محطات، فالانطباع الذي يكونه الأجانب عن مصر إيجابي جدا عكس الصور الإعلامية في نقاط كثيرة، وهذا معناه أن الشعوب لم تعد متلقيا سلبيا، فالجمهور يبحث ويشكل انطباعاته من مصادر مختلفة بالفعل.
يرى البعض أنك تشبه الدكتور طه حسين في ملامحه وطموحه ودقة بصيرته.. هل تأثرت بسيرة حياته وكفاحه؟
ربما تكون الظروف متشابهة، لكن يظل الدكتور طه حسين نموذجا ملهما لي في التحدي والإيمان بالذات، ذلك أن تجربته تثبت لي أنه يمكن تحقيق الحلم مهما كان بعيدا، وأنا قرأت له العديد من المؤلفات واختلفت معه في بعض الآراء الدينية، كما أختلف معه في وصفه للعمى بـ"الآفة" في سيرته الأيام، حيث استشعرت في تعبيراته نوعا من السخط، لكنه يظل شخصية عظيمة جدا وأحد أركان الصورة الذهنية لمصر كما أوضحت في رسالتي.
ماذا عن حياتك الأسرية؟ وكيف أثرت إيجابيا في مشوارك؟
أنا متزوج من زميلة لي كانت تدرس معي بالقسم، وحصلت على الماجستير أيضا في نفس التخصص، وهي بالنسبة لي أغلى ما أملك، حيث تقدرني وتقف بجانبي وخير سند لي في حياتي، والحقيقة أنه لم يكن بيني وبينها قصة حب، وإنما إعجاب وتقدير، فهي إنسانة متدينة وعلى قدر عالِ من حسن الخلق والمبادئ والقيم، وهي سر نجاحي.