حكايات من الواقع: بقايا إرادة

23-2-2025 | 13:08
حكايات من الواقع بقايا إرادةأرشيفية
خالد حسن النقيب

حياتى كانت تبدو طبيعية لا أبالى بشيء حتى قدرت لى الأقدار امتحانًا مريرًا كان على أن أعبره صابرًا محتسبًا وأمشى طريقًا وعرًا لا أجد له نهاية غير أنى أواجه ما اقترفته فى حق نفسى عجزًا واستسلامًا إلا من بقايا إرادة ألتمس بها النجاة من لجة إدمان ألم بى وأوقعنى فى تيه تتلاشى معه حياتى و حياة أسرتى.

موضوعات مقترحة

قبل بضعة أشهر كنت أمتلك زمام نفسى، ناجحًا فى تجارتى لدى من نعم الدنيا كثير، أعمانى المال والولد والزوجة الصالحة ولكنها صحبة السوء أحاطت بى ووجدتنى معهم منقادًا لمخدر لعين فرض سطوته على وشيئًا فشيئًا أدمنته وبت أسيرًا له حتى أنى ما عدت أدرى بحالى وضاع مالى واختل بيتى فقد ضاقت بى زوجتى وفرت من حياتى الضائعة هى وابنى ولم يبقى لى من تجارتى شيئا لينتهى بى الطريق فى مستشفى للتعافى من الإدمان و أخ يصغرنى بسنوات كنت له الأب من بعد والدنا لم يتخلى عنى آلى على نفسه أن يرد لى المعروف وأخذنى قسرا لمستشفى خاص حتى أتعافى من علتى و تحمل مسئولية احتياجات بيتى من بعدى.

مرت شهور التعافى ثقيلة مريرة إلا أنى تمكنت ببقايا إرادة من استعادة نفسى وتخلصت من سيطرة الإدمان وخرجت بالفعل من المستفشى لا أجد لى ماوى غير بيت أخى أستتر فيه وأحاول أن ابدأ حياتى من جديد و مشيت طريقا شاقا استعيد فيه تجارتى كما استعدت نفسى وكم شقيت فى مواجهة الناس الذين اختلت ثقتهم فى وشيئا فشيئا بدات العمل وكنت أريد استعادة بيتى وزوجتى وابنى ولكن زوجتى لا تثق فى عودتى ولم تعد  تريدنى.

لا أدر ماذا أفعل حتى تثق أنى بت إنسانا غير الذى غادرته وفرت منه، حاول شقيقى إقناعها ولكنها تخشى على إبننا من ضعفى وعودتى مرة أخرى للإدمان وترى أن من أضاع نفسه وثروته استسلاما للمخدرات حتما لابد وأن يعود إليها.

هل حقا يمكن للضعف الإنساني أن يتملك منى مرة أخرى ويعيدنى إلى مستنقع الشر والإدمان؟

أعرف أن حالات كثيرة مشابهة لحالتى عادت وضعفت لكنى أعى ذلك جيدا وأعرف كيف أتجنبه بل ذهبت للطبيب الذى تعافيت على يديه و خضعت لجلسات متابعة طوعا وبكل إرادتى لأضمن ألا أعود إليها، كنت اشعر أنى يوما بعد يوم أقوى مما كنت عليه ولكنها قوة ناقصة من غير زوجتى المرأة التى أحببت وكانت طوال حياتها معى السند والسكن وأم الولد، ليتها توقن بثباتى وقوة إرادتى، لعلى أعزر لها خوفها من قسوة ما لاقت معى ذلا ومهانة وفقرا بعد غنى فبعد أن كانت سيدة لها من الناس التقدير والاحترام أوقعتها فى مهانة الحاجة والدين ولكنى بالفعل بدأت فى استعادة نفسى وبعض مالى فأنا فى النهاية أجيد الاشتغال بتجارتى وطالما شغلت نفسى بها عن أى ضعف أعرف يقينا أنى أسعى للخير والنجاح فلما هى على خوفها منى؟

م . ك

ربما كانت حكايتك يا أخى توحى بشيء من الضعف والاستسلام لكن مراحلها النهائية وآليات الرغبة فى الخلاص مما كنت عليه والبعد الإنساني العظيم فى نفسك ونفس أخيك كل هذا يدلل على انك فى قوة لا يدانيها قوة ولنا فى الأثر من حديث رسول الله صلى الله عليه عبرة تشير لنا باليقين فى الخير الذى تفتقده فيك زوجتك فبمطالعتنا لحكاية أبي تميمة الهجيمي ندرك حكمة رب العزة فى العفو والمغفرة فى الدنيا وكيف يعين عبده على نفسه الأمارة بالسور فقد قال الهجيمى: بينما أنا في حائط من حيطان المدينة إذ بصرت بامرأة فلم يكن لي هم غيرها حتى جازتني ثم أتبعتها بصري حتى حاذيت الحائط فالتفت فأصاب وجهي وأدماني فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: هلكت. فقال: «وما ذاك يا أبا تميمة؟» فأخبرته فقال: «إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا عجل له عقوبة ذنبه في الدنيا وربنا تبارك وتعالى أكرم من أن يعاقب بذنب مرتين».

صدق رسولنا الكريم، أخرجه الطبراني الأوسط.

أيضا يا اخى عليك بذكر الله سبحانه وتعالى وستجد من آياته ما يدفعك بقوة لخير نفسك و يصلح لك من امر حياتك وفق ما تريد وتذكر قوله تعالى فى سورة يونس "وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم".

وقوله فى سورة الرعد "لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ".

 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة