- أول مدينة متخصصة لصناعة الجلود في الشرق الأوسط وإفريقيا
موضوعات مقترحة
- إقبال كبير من المستثمرين المحليين والأجانب على المرحلة الثالثة بالروبيكي
- د. بلال شعيب: المدينة حققت أهدافا كثيرة
- د. سيد خضر: إقامة مدينة متخصصة في صناعة الجلود عززت فرص المنافسة وزيادة الصادرات
- د. عز الدين حسانين: السلع الوسيطة تمثل أكثر من 60% من حجم الاستيراد السنوي للبلاد
- محمود سرج: نموذج لافت للنظر لنهضة صناعية حقيقية تشهدها الدولة المصرية
فى أقل من 10 سنوات، تبدل حال قطاع صناعة ودباغة الجلود فى مصر من العشوائية للعالمية، مع تنامى كبير فى حجم الصادرات وشتان الفارق بين المشهدين، فى عام 2015 كان القطاع يعانى من إهمال وتراجع لافت للنظر فى حجم إنتاج المدابغ العتيقة، الموجودة بمنطقة سور مجرى العيون، بقلب القاهرة التاريخية منذ عشرات السنين، التى كانت تعمل بطريقة بدائية انعكست سلبا على حجم الإنتاج والمردود المادى للعاملين، وكذلك على تردى حالة البيئة من حولها، نتيجة لمخلفات المدابغ التى تترامى فى كل مكان وتنبعث منها روائح كريهة، كانت سببا فى إصابة العشرات بالأمراض المختلفة.
اليوم وفى عام 2025، أتت جهود التطوير ثمارها، وتغيرت الأوضاع فى تلك المنطقة إلى الأفضل، فقد تمكنت الحكومة المصرية، من إقامة مدينة عالمية متخصصة بمنطقة الروبيكى شرق القاهرة، وتم نقل كل المدابغ من منطقة سور مجرى العيون إليها تباعا، ونجحت الحكومة فى جذب استثمارات محلية وعالمية، ومعها أصبحت منتجات الجلود المصرية منافسا قويا فى الأسواق العالمية .. «الأهرام العربى»، ترصد فى هذا التحقيق، كيف تحول قطاع الجلود من العشوائية إلى العالمية.
تمثل نتائج الطرح الأول للمصانع الجاهزة بمدينة الجلود بالروبيكى، بالمرحلة الثالثة، والمخصصة لتصنيع المنتج النهائى للصناعات الجلدية والصناعات المكملة، فصلاً جديداً من فصول قصة النجاح، والتحول لهذا القطاع الحيوى من العشوائية للعالمية، النتائج التى أعلن عنها أخيرا الفريق مهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية، وزير الصناعة والنقل، كشفت عن أن الطرح شهد إقبالا كبيرا من المستثمرين، مما أسفر عن تخصيص جميع المصانع المطروحة بالطرح الأول وعددها 43 مصنعا جاهزا، كذلك قيام عدد 98 مستثمرا بالتسجيل عبر منصة مصر الصناعية الرقمية لشراء كراسة الاشتراطات، وتمت دراسة كل الطلبات الواردة، وتم بالموافقة على قبول 29 طلبا مستوفيا لجميع الاشتراطات اللازمة للتخصيص، وأكدت وزارة الصناعة فى بيانها أن الإقبال الكبير على الوحدات المطروحة، يرجع إلى التيسيرات غير المسبوقة، التى حرصت الحكومة على توفيرها من خلال طرح المصانع بأسعار تنافسية وبتيسيرات كبيرة فى السداد، تشجيعاً للمستثمرين ورواد الأعمال، كما يعكس الطرح ثقة المستثمرين المحليين والأجانب فى المناخ الاستثمارى فى مصر على وجه العموم، فى ظل دعم القيادة السياسية غير المحدود لملف الصناعة، والتوجيهات المباشرة بتذليل جميع تحديات الاستثمار الصناعى، وتقديم التيسيرات اللازمة لتشجيع تدفق رأس المال المحلى والأجنبى، وقد أبرز الطرح الأخير العديد من المؤشرات الإيجابية، أهمها الإقبال الكبير من المستثمرين المحليين والأجانب “أصحاب العلامات التجارية الكبرى والبارزة فى الصناعة”، كما تلقت الشركة عددا كبيرا من الطلبات للحصول على أكثر من مصنع لكل متقدم، ما يدفع للتعجيل بالطرح الثانى من المصانع الجاهزة فى أقرب وقت.
المرحلة الثالثة.. قاعدة التصنيع
تم تجهيز المرحلة الثالثة، لِأن تكون قاعدة لتصنيع منتجات جلدية تامة الصنع، تضم كبرى الشركات المحلية والعلامات التجارية العالمية، ونقطة انطلاق لتصدير المنتج النهائى والإكسسوارات، والصناعات المكملة الخاصة به، لتكتمل بذلك سلسلة القيمة لصناعة الجلود من الدباغة إلى المنتج النهائى.
وتقع مدينة الروبيكى، شرق القاهرة على مساحة 1629 فدان، وتتكون من منطقة وحدات إنتاجية، ومركز تكنولوجيا الدباغة، وأقيمت المدينة على 3 مراحل، وقد حرصت الهيئة العامة للتنمية الصناعية على أن تتكامل جميع مراحلها كمجمع عنقودى، أصبح نموذجا يحتذى به فى اكتمال سلاسل القيمة، حيث تشمل المرحلة الأولى أنشطة الدباغة والمعالجات الأولية للجلود الخام، مرورا بالصناعات المغذية والمكملة للمنتج واللوجيستيات بالمرحلة الثانية، انتهاء بتصنيع منتج تام الصنع بالمرحلة الثالثة.
ووفقا لتصريحات الفريق المهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية، وزير الصناعة والنقل، فإن مدينة الروبيكى للجلود تحولت من حلم إلى حقيقة، بدعم غير مسبوق من الرئيس عبد الفتاح السيسى، لافتا النظر إلى أنها أول مدينة متخصصة لصناعة الجلود فى الشرق الأوسط وإفريقيا، وأكد كامل الوزير أن المدينة مجهزة بالكامل لخدمة المستثمرين، وأنها تحظى بدعم كبير من الحكومة، ضمن خطة تستهدف تحول مصر إلى مركز إقليمى لصناعة الجلود.
الأولى من نوعها
من جهته، قال الخبير الاقتصادى، الدكتور بلال شعيب: إن مدينة الروبيكى، هى أول مدينة متكاملة متخصصة فى صناعة الجلود، ليس فى مصر وحدها، وإنما فى الشرق الأوسط وقارة إفريقيا، بداية من تجميع الجلود الطبيعية مروراً بالدباغة، نهاية بتصنيع هذه الجلود فى شكل منتجات مختلفة، وبفضل تأسيسها تم نقل كل المصنعين فى منطقة سور مجرى العيون إلى مدينة متكاملة منظمة، تمهيداً لتحويل منطقة سور مجرى العيون إلى منطقة سياحية.
وأضاف، أن مدينة الروبيكى، استطاعت تحقيق أكثر من هدف من أهداف التنمية المستدامة، على رأسهم الحفاظ على البيئة، من خلال مدينة صناعية متخصصة فى الجلود، وبالتالى مخلفات هذه الصناعة يتم معالجتها بشكل احترافى غير ضار بالبيئة، وعلى جانب آخر استطاعت توفير العديد من فرص العمل فى تلك الصناعة، التى ما زالت تعتمد على العنصر البشرى بنحو 50%، حتى الآن برغم تدخل الآلات فى عملية التصنيع، فهى صناعة تقوم على الحرفة اليدوية والفن إلى حد كبير وهى فرصة جيدة لنقل الخبرات عبر الأجيال، بحيث لا تندثر تلك الحرفة مع مرور السنين. وأضاف شعيب أن التصدير يعتبر أحد أهم أهداف التنمية المستدامة أيضاً، ومن خلال تلك المدينة الشاملة، سيتمكن المصنعون من تصدير منتجاتهم بعد تنفيذها بأعلى جودة، بدلاً من الاكتفاء بتصدير الجلود الطبيعية كمادة خام إلى الخارج، لكن اليوم تتم عملية التصدير بعد تقديم قيمة مضافة بتحويلها إلى منتج مُصنع محلياً.
مدينة صديقة للبيئة
تم إنشاء مدينة الروبيكى، وفق أعلى المعايير العالمية، سواء على المستوى الإنشائى والتقنى، وكذلك على مستوى التوافق البيئى، حيث حرصت الدولة المصرية على جعل الروبيكى، نموذجا يحتذى به للمدن الصديقة للبيئة، الأكثر كفاءة وفاعلية فى استخدام الموارد، من خلال دعم الحكومة لإدارة المنطقة، والمصانع القائمة لتحسين الأداء البيئى والاقتصادى وتشجيعها على إعادة التدوير للمخلفات، والإنتاج الأنظف تحقيقا للتنمية المستدامة، حيث تم إنشاء محطة معالجة صرف صناعى، على أعلى المعايير العالمية تستوعب 8 آلاف م3/ اليوم وجار الانتهاء من تطويرها لتصل قدرتها الاستيعابية إلى 24 ألف م3/ اليوم.
من جهته قال الخبير الاقتصادى الدكتور عز الدين حسانين، إن مصر بحاجة ماسة إلى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر، بكل صوره المتعارف عليها ومنها الاستحواذ جزئيا أو كليا، من مستثمرين أجانب على شركات أو مؤسسات قائمة، وكذلك الاندماجات بين كيانات كبرى بالخارج مع كيانات اقتصادية بالداخل، وكذلك بحاجة إلى الاستثمار الأجنبى الذى يبدأ بتخصيص الأراضى، ويقوم بإنشاء الكيانات الاقتصادية من بدايتها وإدارتها وتشغيلها، ولا شك أن الحكومة تحاول جاهدة فى استقطاب المشروعات التى تميز مصر بميزة نسبية من وفرة الخامات الخاصة بها، وتريد أن تقلص الواردات من السلع الوسيطة التى تمثل أكثر من 60%، من حجم الاستيراد السنوى للبلاد، وتضع ضغوطاً كبيرة على النقد الأجنبى، ومن ثم على الاحتياطى النقدى الأجنبى، وهناك العديد من الخطوات المهمة المبذولة، من أجل جذب الاستثمارات سواء المحلية أم الأجنبية، ولكن ما زال هناك المزيد الضرورى لاستكمال المنظومة بالكامل.
توافر عناصر النجاح
وقد حرصت الحكومة المصرية، على أن توفر للمستثمرين فى مدينة الروبيكى، جميع عناصر النجاح والتميز، من مدخلات الإنتاج والخامات من الجلود المعالجة والصناعات المغذية، وهو ما يمثل عنصر جذب لكبرى العلامات التجارية العالمية، حيث تعزز المدينة القدرات التصديرية للمصنعين من خلال قربها من الموانئ المختلفة، حيث تبعد عن ميناء السويس البحرى، بمسافة لا تتعدى 100 كم، وتقع على بعد 156 كم من ميناء بور فؤاد البحرى، بينما تقع على بعد 50 كم من ميناء القاهرة الجوى و24 كم من ميناء العاصمة الإدارية الجوى، وتتمتع بشبكة طرق داخلية وخارجية عالية الكفاءة، كما يجرى تطوير خط سكة حديد لربط المدينة بالمنطقة اللوجستية بالميناء الجاف بمدينة العاشر من رمضان، بجانب توفير وسائل نقل داخلية للعاملين بالمدينة لنقل العاملين، من وإلى المصانع.
ويقول الخبير الاقتصادى، الدكتور سيد خضر، إن مدينة الروبيكى الصناعية تعتبر من أهم المناطق الصناعية فى مصر، وتخصصت بشكل رئيسى فى صناعة الجلود، حيث استهدفت عملية تطويرها تجميع جميع مراحل تصنيع الجلود فى مكان واحد، مما يسهل عملية التحكم فى الجودة والتكاليف، وأشار إلى أن المدينة تسهم فى تحسين الكفاءة الإنتاجية من خلال استخدام تكنولوجيا حديثة، ومعدات متطورة، لافتاً النظر إلى دورها فى تنمية الصادرات من خلال تحسين جودة المنتجات، فيمكن أن تسهم الروبيكى فى زيادة الصادرات المصرية من الجلود، مما يعزز الاقتصاد الوطنى.
نهضة صناعية حقيقية
من جهته، أكد المهندس محمود سرج، رئيس المجلس التصديرى للجلود، أن مدينة الروبيكى تمثل نموذجا لافت النظر لنهضة صناعية حقيقية تشهدها الدولة المصرية فى الفترة الحالية، لافتا النظر إلى أن الاستثمارات التى نجحت مدينة الروبيكى فى جذبها، والمصانع الجارى تشغيلها تباعا تستهدف مضاعفة حجم إنتاج الجلود فى مصر، إلى 250 مليون قدم سنويا، بنسبة زيادة قدرها 280%، وبين أن إجمالى صادرات الجلود المدبوغة ومستلزمات الإنتاج، قد ارتفع من 51 مليون دولار خلال عام 2020 إلى أكثر من 114 مليون دولار، وبنسبة زيادة تتخطى 120%، مشددا على أن المستهدف الوصول بالصادرات إلى أكثر من مليار دولار سنويا.
وحسب البيانات الصادرة عن مركز تحديث الصناعة، فقد بلغ عدد العمالة المباشرة فى قطاع المصنوعات الجلدية، أكثر من 270 ألف عامل فى 200 ألف مدبغة على مستوى الجمهورية، فيما بلغ عدد المنشآت التابعة للقطاع 17 ألفاً و600 منشأة، بينها 3 آلاف صغيرة ومتوسطة.
سور مجرى العيون
هناك صورة حضارية أخرى، تضاف للقيمة التى باتت تمثلها مدينة الروبيكى للاقتصاد المصرى فى قطاع الجلود، فبعد نجاح الحكومة فى نقل عشرات المدابغ من منطقة سور مجرى العيون، إليها عملت على تطوير المنطقة الممتدة على مساحة 95 فدانا، تارة بإقامة منطقة سكنية حديثة على طراز العمارة الإسلامية، لتتناسب مع الشكل المعمارى للسور وأخرى بالتوسع فى إنشاء حدائق تتكامل مع الحديقة الكبرى بمنطقة الفسطاط، بالإضافة إلى تطوير مبنى سور مجرى العيون بمعرفة وزارة السياحة والآثار، وهو ما أسهم فى إعادة الوجهة الحضارية للعاصمة القاهرة مرة أخرى، ومن جهته صرح وزير الإسكان المهندس شريف الشربينى، أنه سيتم البدء فى المرحلة الثانية من تطوير سور مجرى العيون قريبا، وأضاف أنه جار حاليا تنفيذ مئات الوحدات البديلة للعشوائيات بمنطقة السلام بمدينة العبور، واستكمال تطوير سور مجرى العيون لإحياء هذه المنطقة التاريخية، وإعادة إبراز رونقها الحضارى، حيث تم تنفيذ عدد 1924 وحدة سكنية.