الأسماء التى تقدمت لمسابقة «أمير الشعراء» مستواها يؤكد أننا نعيش زمنا شعريا جيدا
موضوعات مقترحة
فى ظنى أن الأجيال الشابة من الشعراء تتمتع بفرص لم تتمتع بها الأجيال السابقة
بشكل شخصى أحرص على الوجود فى معرض القاهرة الدولى للكتاب الأكبر والأقدم عربيا
تعد مسابقة «أمير الشعراء» من أهم المسابقات الشعرية فى العالم العربي، لما لها من دور واضح فى البحث والتنقيب عن المواهب الشعرية الشابة، كما أسهمت بشكل فاعل فى إثراء الحراك الثقافي، وفى هذا العام توج بلقب أمير الشعراء الإماراتى عبد الرحمن الحميري.
يعتبر الدكتور على بن تميم أحد أهم أعضاء لجان التحكيم فى هذه المسابقة، التى يشارك فيها منذ سنواتها الأولى، لذلك كان لابد من الحوار معه لمعرفة كواليس هذه المسابقة، والتعرف إلى دورها فى إثراء حركة الشعر العربى، فهل لعبت مثل هذه المسابقات دورا فى التعافى؟! هذا ما سنعرفه فى ثنايا السطور التالية.
< نودُّ التعرف على كواليس تأهل الشعراء للوصول للنهائى والظهور أمام الشاشات، وأنت أحد أعضاء لجنة تحكيم هذه المسابقة لسنوات عدَّة؟
فى برنامج “أمير الشعراء” الذى تنظمه هيئة أبوظبى للتراث، مرحلتان أساسيتان أمام الفائزين للوصول إلى اللقب، وبالحديث عن المرحلة الأولى التمهيدية، فإن لجنة التحكيم تستقبل مشاركات الشعراء المتقدمين، وبعد التأكد من استيفائها لشروط الجائزة، تقوم لجنة التحكيم بفرز هذه المشاركات، واختيار الشعراء المشاركين فى المنافسة على لقب “أمير الشعراء”، ثم تبدأ المرحلة التالية، وهى مرحلة يشارك فيها الجمهور بالتصويت للشعراء المشاركين، بنسبة معينة، مع ما تمنحه اللجنة وأعضاؤها للمشاركات، وتتم التصفية حتى الوصول إلى إعلان الفائز بلقب “أمير الشعراء”.
< أنت تكتب الشعر وتعشقه، وتميل للشعراء القدامى، فى رأيك: ماذا عن مستوى المتقدمين، هل المستوى يبشر أن المشهد الشعرى بخير؟
لا شك أن الشعر العربى مرَّ بمراحل متفاوتة عبر تاريخه، صعودًا وتراجُعًا، على صعيدَيْ: الإبداع، والانتشار، أو لِنَقُل: الجماهيرية فبينما نجد الشعر قديمًا -كما قيل عنه- هو ديوان العرب، فإننا نلاحظ تقلُّص مساحاته الفنية والجماهيرية فى أزمنة مختلفة تالية، وما من شك فى أن العصر الحالى يفتقد إلى كثير من الشروط التى يزدهر وينمو فيها فنُّ الشعر فى العموم، لكنى بطبيعتى أبحث عن الجوانب الإيجابية فى الأشياء على الدوام، وعندما نتناول المشهد الشعرى الآن من منظور تجربة “أمير الشعراء” فإننى أعتقد أن الشعر العربي، وإن كان ليس فى أبهى حلله، إلا أنه مبشِّر إلى مدى بعيد، وكثير من الأسماء التى تقدَّمَت للمسابقة على مدى سنواتها الماضية، يؤكد مستواهم أننا نعيش زمنًا شعريًّا جيدًا، تعافى فيه الشعر من أسقامه بشكل كبير، وإن كان أملى أن تتوافر له ظروف أفضل على صعيد النشر والفاعليات الخاصة.
< هل مثل هذه المسابقات (“أمير الشعراء” و”شاعر المليون”) ومهرجانات الشعر؛ تبشِّر بأن المشهد الشعرى أصبح يزداد ألقًا؟
لا أظن أن معيار الأكثر مبيعًا سيكون أفضل المعايير، للحديث عن مكانة الشعر أو الرواية أو غيرهما، كما لا أتفق مع الذين يصورون الرواية والشعر كفرسين يجريان فى حلبة واحدة؛ هما فنان أدبيان، مع غيرهما، يتبوتقان معًا ليصنعا عالم الأدب، وفى اعتقادى أن الجوائز والمهرجانات -عمومًا- تسهم بشكل كبير فى توطئة المشهد أمام الشعر، مثل تلك الفاعليات تعمل على تسهيل عملية الوصول إلى متذوق الشعر، الذى انشغل بمسارات كثيرة متقاطعة فى حياة تعج بالمتناقضات وبالتحولات السريعة، فيما يتعلق بمكونات صناعة الذائقة. وفيما أتصور أن “أمير الشعراء” -على سبيل المثال- نجح عبر مواسمه السابقة فى أن يوجد للشعر مساحة معتبرة لدى الجمهور، بما صنعه من زخم وحضور كثيفين للشعراء المشاركين به، وأسهم فى اكتشاف أصوات مهمة لم تكن لتحصل على مكانتها المستحقة لولاه.
< ماذا عن شروط التَّقدُّم لمسابقة أمير الشعراء، خصوصًا أنها يتقدم لها الآلاف من مختلف دول العالم؟
من بين هذه الشروط ما يتعلق بالسن، حيث يجب ألَّا يقِلَّ عمر الشاعر أو الشاعرة عن 18 عاًمًا ولا يزيد على 45 عامًا، كذلك هناك شروط تتعلق بطبيعة المشاركة؛ إذ يجب أن تكون القصيدة فى حدود الثلاثين بيتًا شعريًّا إن كانت من الشعر العمودي، أو لا تزيد عدد مقاطعها على مقطعين إن كانت من الشعر التفعيلي، دون أن يتجاوز عدد أسطر كل مقطع 15 سطرًا، ويتوجب كذلك إرسال سيرة ذاتية للمتقدم.
< كيف ترى جيل شباب الشعراء الحالي،ككتابة وإلقاء وحضور، وأنتَ تترأَّس مركز أبو ظبى للغة العربية؟
هذا السؤال يتعلق بالأسئلة التى تدور حول وضع المشهد الشعرى فى العالم العربي، وكما أشرت فى السابق، فإن الشعر العربى مر - كغيره من ألوان الفنون - بمراحل متفاوتة بين الازدهار والاضمحلال، ولا تتحكم ظروف الشعر وحدها فى هذا؛ فالحالة العامة فى مجتمعاتنا العربية، تشكل جزءًا من الأسباب الإيجابية أو السلبية، كذلك المشهد الثقافى فى كل بلد يلعب دورًا مهمًّا فى هذا السياق.
وفى ظنى أن الأجيال الشابة من الشعراء -على عكس ما هو سائد- تتمتع بفرص لم تتوافر للأجيال السابقة، من حيث الإتاحة للوصول إلى مكونات البناء، التى أعنى بها توفر مصادر المعرفة على نطاق أوسع بكثير مما كان متوفرًا للأجيال الأقدم، وبرغم المشتتات التى قد تواجه الأجيال الحالية، فإننى أظن أن الشاعر يصير شاعرًا لوجود عنصر جينى لديه؛ فهو مساق لمصيره، إن جاز التعبير، لكن هذا لا يمنع أن انحرافات الذائقة -لدى المتلقي، ولدى الشاعر أيضًا- يمثل عقبة كبرى، وأسباب كثيرة تسهم فى هذا بالتأكيد.
لكن عمومًا نحن – فى مركز أبو ظبى للغة العربية - من بين أهدافنا الأساسية أن نعزز الإتاحة لهذه الأجيال، بأشكالها المختلفة، سواء مصادر المعرفة، أم الفرصة للوجود، وهذا يبدو جليًّا من خلال المشروعات التى يرعاها ويقدمها المركز.
< هل انتشار بيوت الشعر فى بعض الدول لعب دورًا فى ظهور كوكبة من الشعراء فى رأيك؟
من المهم أن يكون هناك بيوت للشعر، وانتشار هذه الظاهرة يعزز من وجود الشعر بكل تأكيد، ويمنحه الفرصة للوصول إلى الجمهور، ومن ثم مزاحمة الألوان الإبداعية الأخرى من أجل استعادة مساحاته المفقودة، والدور الذى يمكن أن تلعبه هذه البيوت أيضًا قابل للاتساع، ليشمل مساحات أوسع جغرافيًّا، وأشمل من ناحية الخدمات التى تقدمها، مثل طباعة الدواوين الشعرية، وعقد مهرجانات دولية توفر الاحتكاك المطلوب بين الشعراء العرب وأنفسهم من جهة، وبينهم وبين الشعراء من دول العالم من جهة أخرى.
< أنت فى لجنة تحكيم الجائزة منذ سنوات عدَّة؛ فما مدى تأثيرها على الحراك الثقافى العربي؟
أعتقد أن التأثير الأساسى لـ”أمير الشعراء” أنها حفزت جهات عدة لاتخاذ نفس المسار، وإطلاق جوائز عدة، سواء للشعر أم لغيره من ألوان الإبداع؛ كالرواية مثلا، ورأينا عددًا كبيرًا من هذه الجوائز، التى أومن بأهميتها فى إثراء المشهد الأدبي، والثقافى العربي، التى تبقى قادرة على النهوض بالحركة الإبداعية فى العالم العربى إذا ما توافرت لها شروط، من أهمها: جدية القائمين على هذه الجوائز، والابتعاد عن المظهرية التى تشوب عمل بعض الجوائز، وما إلى غير ذلك من مثالب فى الأخير، ظاهرة الجوائز إيجابية فى مجملها فى رأيي.
< كيف تثمن نجاح معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام؟
بشكل شخصى أحرص على الوجود فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، الأقدم والأكبر فى العالم العربي، كلما سمحت الظروف، وحرص مركز أبوظبى للغة العربية على إقامة فاعليات متنوعة داخل منصته فى معرض القاهرة، وكذلك إقامة مجموعة من الفاعليات متزامنة مع العرض فى القاهرة - ينبع من إيماننا فى المركز بدورنا فى رفد الثقافة العربية فى كل ربوع العالم العربي، وقبل سنوات نظمنا خلوات للغة العربية أثناء المعرض، وكل عام نقدم مجموعة من الفاعليات التى تلقى اهتمام المثقفين، والجمهور الذى يزور معرض القاهرة. قدمنا هذه الدورة مجموعة متنوعة من الندوات عن جائزة سرد الذهب التى يقدمها المركز، وكذلك جائزة الشيخ زايد العريقة، ويقدم المركز عددًا كبيرًا من إصداراته ومشاريع النشر به، مثل مشروع “كلمة للترجمة”، ومشروع “إصدارات”، وسلسلة “البصائر للبحوث والدراسات”.
< مركز أبو ظبى ينظم العديد من المسابقات والجوائز الأدبية المهمة، والتى لها تأثير فى الثقافة العربية، مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب، وجوائز مستحدثة، مثل سرد الذهب وكنز الجيل؛ فماذا عن تأثير هذه الجوائز فى الحراك الثقافي العربي؟
أشرنا سابقًا إلى أهمية الجوائز فى إثراء المشهد الثقافى العربي، وفى مركز أبوظبى للغة العربية، نضطلع بدور فى هذا الإطار أظنه مؤثِّرًا بشكل واضح، وهذا يتجلى فى حجم الإقبال الذى تشهده هذه الجوائز المرموقة، التى وإن كانت متفاوتة الأقدمية، لكنها ذات أهمية كبرى، كل فى مجاله. وجائزة الشيخ زايد نموذج واضح للجوائز الرصينة التى أسهمت فى صناعة حالة ملموسة من الشغف والتحفيز على الإبداع فى المجالات التى تستهدفها فروعها؛ كدور النشر العربية على سبيل المثال. وتأتى جائزة سرد الذهب، وأيضًا كنز الجيل، ليؤكدا أهداف المركز القائمة على دعم الثقافة العربية، وخلق واستعادة أدوارها فى بناء المجتمعات.