طالب نتنياهو عدة مرات بتأجيل محاكمته لدوافع أمنية؛ وفشل، وفي قاعة محصنة "تحت" الأرض مخصصة لكبار المجرمين فقط، انتظر نتنياهو مغادرة المصورين قاعة المحكمة حتى يجلس على مقعد المتهم ولا يلتقطون له صورًا "تسعد" معارضيه، وهتف في بداية شهادته: انتظرتُ ثماني سنوات هذه اللحظة لأقول الحقيقة!
حاول نتنياهو "تقييد" حرية القضاء وأطلق حملة لكبح سلطات القضاء بعد فوزه في انتخابات عام 2022، وجاءه الرد باحتجاجات واسعة في إسرائيل، ونفى عندئذٍ أي صلة بين محاكمته وحملته ضد القضاء.
نجح نتنياهو في تأجيل المحاكمة مرات، ثم اضطر إلى المثول أمام المحكمة، وقال القاضي: المتهم نتنياهو؛ فرفض المحامي وقال: رئيس الوزراء، فرد القاضي: المتهم رئيس الوزراء.
زعم نتنياهو في المحاكمة أنه كان في مرات عديدة يوقع على القرارات دون أن يقرأها!!
تلقى نتنياهو مفاجأة من العيار "الثقيل" قبل محاكمته، فقد انتشر الفيلم الوثائقي "ملفات بيبي" الذي بذل جهدًا كبيرًا لمنعه؛ لأنه يكشف في ساعة و53 دقيقة أسرار التحقيق معه ومع زوجته وابنه لثماني سنوات، وانتهى باتهامه بالاحتيال وخيانة الثقة والفساد والرشوة، وتم عرضه في مهرجان تورنتو الدولي بكندا، ووصل إلى القائمة المختصرة لجوائز الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي.
وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الفيلم "بالقنبلة السياسية"، وأنه أظهر بوضوح "رعب" نتنياهو من السجن وأن الفيلم يوضح تأثير سارة زوجة نتنياهو عليه، ويؤكد في الوقت نفسه أن تأثيرها "لا" ينفي أنه يعرف ما يفعله، وليس أنه لا يعرف.
يؤكد الفيلم أن مقاطع الفيديو التي يعرضها لم تُعرض من قبل، وأظهر الفيلم اتهام يائير ابن نتنياهو الضباط الذين يحققون معه بأنهم يتبعون "المافيا"!
اهتم الفيلم بإبراز عدوانية نتنياهو في قمع الانتقادات وحرصه على اقتناء السلع الفاخرة وإحكامه السيطرة على حكومته، وتحدث في الفيلم آفي ألكالي رئيس تحرير موقع "والا" العبري عن تعرضه لضغوط "لتقليل" الانتقادات لنتنياهو.
يؤكد الفيلم حصول نتنياهو على هدايا بمئات الآلاف من الدولارات من المنتج في هوليوود أرنون ميلشان من أصل إسرائيلي وجيمس باكر رجل الأعمال الأسترالي "لتسهيل" خدمات تجارية لهما.
يدعم الفيلم الرأي القائل بأن "تهرب" نتنياهو من المحاكمة عرض أمن إسرائيل للخطر، وينبه إلى تحالفه مع اليمين المتطرف "واختياره" لمواصلة الحرب في غزة بالرغم من تأكيد مسئولين في الفيلم بعدم وجود أي هدف "يمكن" تحقيقه فيها.
نجح الفيلم الذي يتناول اتهام نتنياهو "كأول" رئيس حكومة يُحاكم جنائيًا وهو "في" السلطة وادعى أن الاتهامات ضده ملفقة.
وقدم الفيلم تحقيقات مصورة معهم أثارت دهشة إسرائيليين عن كيفية الحصول على وثائق مهمة، بالإضافة إلى مقابلات مع مسئولين بارزين سابقين مثل رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت ورئيس جهاز الأمن السابق عامي إيالون ومدير مكتب نتنياهو السابق مئير هيغنز.
ذكر البعض في الفيلم عن طلب نتنياهو من مساعديه كميات "هائلة" من الشمبانيا والسيجار كهدايا والمجوهرات لزوجته، ووصف أحدهم نتنياهو في الفيلم "بالكذاب الماهر".
كما منح امتيازات لشركة اتصالات عندما كان وزيرًا للاتصالات وقدم تسهيلات لصحف إسرائيلية مقابل الكتابة الإيجابية عنه وعن حكومته، وكان يطلب منع الأخبار التي لا تعجبه.
أنتج الفيلم أليكس جيبني الذي قال: لم أر قط عمق الفساد الأخلاقي كما رأيته في هذا الرجل، وأخرجته أليكسيس بلوم الأمريكية والمولودة في جنوب إفريقيا.
كتبت صحيفة "الجارديان" البريطانية عن فيلم "ملفات بيبي" أنه يجسد رجلًا "يائسًا" يتشبث بالسلطة للبقاء بعيدًا عن السجن بأي ثمن، وتتعرض فيه هويته وهوية البلد الذي يحكمه للتشويش بعد أن حكم البلاد منذ 1996 في فترات متقطعة، وتنتظره عواقب كارثية وأضافت: الأساس كله يهتز.
يفضح الفيلم حرص نتنياهو على إخفاء شعوره بالخوف والغضب والمهانة "بافتعال" مظهر الثبات وأحيانًا السخرية، مع "تعمد" اتخاذ تعابير توحي بالثقة، ويظهر الفيلم لقطات توضح خوفه البالغ، وقلقه الشديد ومحاولة منع الانهيار.
وقالت صحيفة "هآرتس": نتنياهو كان يغضب أحيانًا ويفقد رباطة جأشه، وكيف لا يشعر بذلك؟ وهو يرى أحلامه بأن يكون آخر ملوك إسرائيل "تكاد" أن تنتهي بدخوله السجن، ويرفض -حتى الآن- الإقرار بالذنب لتخفيف العقوبة، وربما ينتظر إصدار الرئيس الإسرائيلي قرارًا بالعفو عنه، مع تزايد ضغط بعض الوزراء الموالين له مع مؤيديه وإلحاحهم في الزعم بأن محاكمته ستؤثر بالسلب على إسرائيل، وخاصة أثناء حربها على عدة جبهات، ومنهم وزيرة النقل التي قالت: المحكمة تهين رئيس الوزراء وتسيء للدولة وتضر بأمن الدولة.
يتساءل البعض كيف يُحاكم نتنياهو ويستمر في منصبه والقانون الإسرائيلي لا يجبر رئيس الوزراء على الاستقالة إذا لم تتم إدانته وإذا تمت الإدانة ثم استأنف الحكم؛ فيستطيع الاستمرار في منصبه طوال الاستئناف، وإذا ثبت حصوله على رشوة، فسيواجه نتنياهو الحكم بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات أو غرامة، أما عقوبة الاحتيال وخيانة الثقة فتصل إلى ثلاثة أعوام.
يتابع الإسرائيليون محاكمة نتنياهو في جرائم تخص "الداخل" في الكيان ويسعون وراء مصالحهم، ويؤيدون جرائمه في غزة والضفة والقدس "ويرحبون" بسعيه المحموم لتوسيع المستوطنات "وابتلاع" المزيد من أراضي فلسطين.
إن ذهب نتنياهو؛ فسيأتي غيره ولن نراهن أبدًا على أن يكون خليفته "أقل" توحشًا، والرهان الوحيد على "أصحاب الأرض" وقوة بأسهم وتجدد عزيمتهم.
فكما فشل نتنياهو في منع فيلم "ملفات بيبي"؛ "سيفشل" في تركيع غزة، ولن يتم التهجير وستنهض غزة مجددًا كما فعلت مرات ومرات، وسيستعدون "لحروب" جديدة تكون نهايتها الانتصار الذي "يستحقونه" وينتظرهم.