لم يكن يتصور أحد أن تشتعل المعركة الانتخابية وتنقلب الخريطة السياسية في المانيا رأسا على عقب بهذا الشكل قبل أيام قليلة من انتخابات عامة مصيرية، بسبب لاجئين "مختلين" عقليا يحملان الجنسية الأفغانية، ارتكبا جريمتين بشعتين في ولاية بافاريا جنوب المانيا.
موضوعات مقترحة
فيرهارد نورى شاب أفغاتى 24 سنة، لجأ الى المانيا وهو مراهق في سن السادسة عشرة، ورغم رفض طلب لجوئه في البداية إلا أنه استطاع أن يوفق أوضاعه ويحصل على تصريح إقامة وفرصة عمل في شركة خاصة للخدمات الأمنية بمرتب مجز، وانضم فيرهارد إلى ناد محلى لكمال الأجسام حتى أصبح مشهورا في منطقته وشارك في عدد من المسابقات المحلية لرياضة كمال الأجسام ويتابعه أكثر من 100 ألف على صفحاته في منصات التواصل الاجتماعى، فجأة يوم الخميس الماضي – وخلال انعقاد أكبر مؤتمر دولى للقضايا الأمنية الدولية والذى شارك فيه نائب الرئيس الأمريكى إلى جانب عدد كبير من قادة العالم – ركب فيرهارد سيارته الرياضية وانطلق دهسا فى مجموعة من العمال المشاركين في مظاهرة للمطالبة بتحسن أجورهم فأصاب 30 من المتظاهرين باصابات مختلفة توفى منهم شخصان.. طفل وأمه تبين لاحقا أنهما مهاجرين من الجزائر !!!
وقبل هذا الحادث الإجرامى البشع بثلاثة أسابيع قام مختل عقليا آخر ومن أفغانستان أيضا في مدينة أشافينبيرج بالقرب من ميونخ – وهو لاجئ مرفوض طلب لجوئه – بجريمة لا تقل بشاعة ولا عبثية عن جريمة فيرهارد، حيث اعتدى بسكين على أطفال مع مربيتهم في حديقة عامة وراح ضحيتها طفل و ورجل مهاجر من أصول عربية تصدى له ومنعه من إصابة المزيد !!
الصحافة الصفراء تستغل الجرائم لنشر كراهية الأجانب
جاءت هاتان الجريمتان بينما تخوض الأحزاب السياسية الألمانية معركة انتخابية شرسة استعدادا لتغيير تاريخى في الحياة السياسية الالمانية يوم 23 فبراير الحالي؛ حيث ارتفعت أسهم اليمين المتطرف المعادى للأجانب، ورغم استنكار كل ممثلي الجاليات المهاجرة لهكذا حوادث
انتهجت الصحافة الصفراء أسلوبا معروفا وهو التركيز الشديد والتوسع في نشر الجرائم التي يقوم بها مهاجرون مع تجاهل نشر بعض التفاصيل الصغيرة المهمة مثل إخفاء جنسية الضحايا.. ففي الجريمتين كان الضحايا من المهاجرين المسلمين من ذوى الأصول العربية بل إن الرجل ضحية حادثة أشافينبيرج كان هو الوحيد الذى تصدى للمجرم ودفع ححياته لإنقاذ الأطفال ومنع المجرم من استكمال جريمته، و تتعمد ذلك حتى لا تثير التعاطف مع المهاجرين بينما تذكر جنسية المجرم في العنوان الرئيسى في مقدمة العنوان مثلا : لاجئ أفغانى يقتل.. ولكن فى الحادثتين لم تعلن أية وسيلة إعلامية جنسية الضحايا رغم معرفتها منذ البداية بأصولهم العربية، ورغم أن ميثاق الشرف الصحفى الذى تتبناه نقابات الصحافيين والإعلاميين في المانيا تمنع نشر جنسية أو عرق مرتكبى الجرائم إلا أنه للأسف دأبت الصحافة الصفراء الالمانية على الالتزام بهذا الميثاق في حالة واحدة فقط وهى عندما يكون المجرم من الجنس الأبيض الالمانى، أما اذا كان الجانى يحمل الجنسية الالمانية ولكن من أصول مهاجرة فانهم يتجاهلون جنسيته الالمانية المكتسبة ويشيرون فقط الى أصله أو عرقه !! لدرجة أن كثيرا من ذوى الأصول المهاجرة باتوا يتهكمون على هذا الأسلوب قائلين : اذا كان عنوان الحادثة "آين مان".. ومعناها رجل.. دون تحديد جنسيته، نعرف أن مرتكب الجريمة ألمانى من ذوى العيون الزرقاء !! ليس هذا فقط بل أنه خلال فترة ارتكاب المجنونين الأفغان لجريمتيهما حدثت عدة جرائم أكثر بشاعة قام بها المان من غير حاملى الجنسية المكتسبة وفى مختلف المدن الالمانية وراح ضحيتها نساء وأطفال ولكن تجاهلتها وسائل الاعلام الألمانية.
وإمعانا في تشويه صورة المهاجرين تجاهلت الصحافة الصفراء بشكل عمدى التقارير الطبية الرسمية، ففي حالة الأفغاني الذى اعتدى على أطفال الروضة بسكين في مدينة أشافينبيرج ثبت تماما أنه مختل عقليا وكان يعالج منذ فترة طويلة من اضطراب عقلى ونفسى بل وأمرت المحكمة بإيداعه مستشقى الأمراض العقلية دون محاكمة، أما في جريمة الأفغاني الآخر فيرهارد نورى فقد وجدت الشرطة في شقته كمية كبيرة من الكوكايين ومسجل لديها بأنه يتاجر في المخدرات ولكن تم تجاهل كل هذا وتم تكييف الجريمة على أنها إرهاب اسلاموى !! فقط لأن بعض الشهود قالوا إنهم رأوا نورى ذات مرة خارجا من مسجد قريب !!
وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية استدعت الصحافة الصفراء في المانيا كل الجرائم التي ارتكبها مهاجرون أو من ذوى أصول مهاجرة ربما منذ تأسيس المانيا !!! وبالطبع أعادوا لذاكرة الناخبين جريمة أعياد الميلاد والتي دهس فيها طبيب أمراض عقلية ملحد وهو لاجئ من أصل سعودى في مدينة ماجدبورج سوقا لعيد الميلاد في ديسمبر الماضى وراح ضحية الحادث عدد كبير من الضحايا بين قتيل وجريح ورغم أن المجرم معروف لدى السلطات الالمانية بأنه ملحد كاره شديد للإسلام إلا أن الصحف الصفراء تجاهلت كل هذا ولم تجد غير صورة له بالزي السعودي لنشرها !!
ومع هذا لا ينكر أحد أن مثل هذه الجرائم هي جرائم بشعة ومرتكبوها يستحقون أقصى العقوبات، ولا ننكر أيضا أن بعض طالبي اللجوء أو حتى من اللاجئين ارتكبوا جرائم مستفزة وغير مبررة على الإطلاق وتستحق عقوبات قاسية أو حتى طردهم من ألمانيا.
انقلاب في الأحزاب السياسية
ولكن كيف أثر تناول الصحافة الصفراء غير المهني والأخلاقي على المزاج العام في المانيا وعلى الأحزاب الرئيسية التي تخوض صراعا انتخابيا شديدا قبيل الانتخابات الحاسمة في 23 فبراير الجارى ؟ وهل هناك علاقة بين هذا وبين التدخل السافر لقيادات أمريكية على أعلى مستوى لدعم الأحزاب الالمانية اليمينية المعادية للمهاجرين واللاجئين ؟